الأحد، 6 مايو 2018

الفئات الاجتماعية المهمشة، سوريا مثالا - د. رياض عبدالكريم عواد

الفئات الاجتماعية المهمشة، سوريا مثالا 
د. رياض عبدالكريم عواد

كشفت الحرب على سوريا هشاشة المجتمعات العربية ومخزونها العميق من التطرف والتخلف الاجتماعي.
كان يبدو المجتمع السوري، من خلال المشاهدة عن بعد، ومستوى الرفاه الاجتماعي لبعض فئاته الاجتماعية، وانتشار التعليم واكتفاء مختلف فئات المجتمع اقتصاديا، بالإضافة إلى تطور الحياة الاجتماعية والثقافية، تحديدا من متابعة الدراما التلفزيونية، كان يبدو المجتمع السوري من خلال كل تلك المشاهدات، التي من الواضح انها سطحية وبعيدة عن العمق، مجتمعا متطورا ومتماسكا لا يعاني من أزمات اجتماعية أو اقتصادية.

فجأة يخرج كل هذا الخبث إلى السطح، يخرج البعبع من القمقم!
بعيدا عن العوامل الخارجية ودكتاتورية الانظمة كعاملين رئيسيين، فإن بنية المجتمعات العربية وازماتها الداخلية العميقة، تشكل أرضية موضوعية ناجزة، يستطيع أي دجال من اهل البلاد، أو ذئب يملك شيئا من الإمكانيات من خارج البلاد، ان يؤثر على واقع البلاد ومستقبلها من خلال هذا الرعاع والتخلف المنتشر في الازقة والحواري والريف وفي أطراف المدن وبين التجمعات العشوائية، بين الفقراء والمظلومين والعاطلين عن العمل والمقهورين. ان الجهل والبطالة وهذا الواقع هو الأرضية الخصبة لعمل كل المتطرفين، وعلى رأس ذلك جماعات الإسلام السياسي، لما تمتلكه من خطاب ديني تستخدمة في تغييب الوعي وتزييفه، بالإضافة إلى ما تملكه من قدرات تنظيمية وعلاقات خاصة مع الانظمة الرجعية.
أن المتابع لما سُمي بالربيع العربي، وما تلى ذلك من نضالات شعبية هنا وهناك، يرى بكل سهولة ما مثلته هذه الفئات الهامشية من خطر حقيقي على الثورة والدولة، من خلال استخدامهم واستخدام جرأتهم وعدم خوفهم وضعف معارفهم وادراكهم على فهم الاهداف الحقيقية لهذه القوى السياسية التي تستخدمهم، مجانا أو من خلال بعض الفتات الذي تغري به جوعهم وحاجتهم، باتجاه أهدافها السياسية التي من لا تتناقض مع مصالح الدولة فقط، وبل وبالتأكيد مع مصالح الفقراء وهذه الفئات المهمشة أيضا.
ان أي تغيير في المجتمعات العربية يهمل هذا الواقع الاجتماعي الاقتصادي وهذه الفئات الاجتماعية المظلومة سيكون تغيير سطحي لا قيمة له.
ان أي تخطيط لأي نضال شعبي يجب أن يعمل كل ما يستطيعه لمنع القوى السياسية المضادة من احتواء هذه الفئات المهمشة، من خلال خطابها الغرائزي وامكانياتها المادية ومقدرتها على التحشيد، من اجل استخدامها لوأد الثورة وأهدافها.
ان الكفاح الشعبي، بشقيه الوطني والديمقراطي، يعتمد في نضاله السلمي على القوى الشعبية ومقدرتها على الصمود والاستمرارية، ونقل صورة حضارية للعالم في مواجهة عدوها القومي أو الطبقي، وهي ترفض في طريقها إلى تحقيق أهدافها استخدام العنف بكل أشكاله المادية والمعنوية، وتعتمد على ترسيخ مفاهيم النضال السلمي في المجتمع ليمثل حالة ثقافية مجتمعية، في مواجهة العنف والتخريب الذي تلجأ له القوى الرجعية مستخدمة القوى الهامشية في المجتمع.
ان هذا المثل اتضح جليا في مقدرة الشعب الإيراني على مواجهة جيش الشاه بالورود والكلمة الطيبة، مما أدى إلى تحييد قوة هذا الجيش، ووقوفه مكتوف الايدي، وعدم استخدامه السلاح في وجه الشعب مما أدى إلى انتصار الثورة الإيرانية سنة 1979.
أن المقاومة الشعبية في فلسطين مدعوة في نضالها المستمر والطويل، لتعلم قيم السلمية والنظام، وترسيخ ذلك كمفاهيم وقيم ثابتة بين مختلف أفراد المجتمع، وخاصة بين الفئات المهمشة، من أجل كسب العالم وقواه الحية، وحماية أرواح الشعب من بطش قوات الذبح الاسرائيلي، ومن اجل منع استخدام هذه الفئات في تخريب أهداف المقاومة الشعبية السلمية. ان المتابع للأوضاع على الساحة الفلسطينية يلاحظ بعض اشكال الاستغلال والاستخدام لهذه الفئات من أجل أهداف حزبية، خاصة و ضيقة .

ليست هناك تعليقات: