الجمعة، 28 سبتمبر 2018

الصمود الاستراتيجي، المراجعة المطلوبة - د. رياض عبدالكريم عواد

الصمود الاستراتيجي، المراجعة المطلوبة
د. رياض عبدالكريم عواد
يردد كثير من الفلسطينيين مقولة عن دور المثقف، وعلاقاته بالسلطة ومهماته "أن يكون مزعجا/ناقدا دائما للسلطة، ويجب ألا يكون أداة شرعنة لأي سلطة". فهل لدينا سلطة ناجزة وكاملة حتى يكون لدينا ترف مواصلة نقد هذه السلطة. 
الشعب الفلسطيني وسلطته مازالا يرزحان تحت الاحتلال، لذلك فإن مهمتنا الأولى تتحدد بوضوح في تخليص هذه السلطة من الاحتلال، حتى تستطيع تخليص شعبها من الاحتلال.
هناك علاقة جدلية بين مقدرة الشعب على التخلص من الاحتلال، وأهمية أن تستمر هذه السلطة لتساعد هذا الشعب على التخلص من الاحتلال، وليساعد الشعب السلطة في تخليص نفسها من الاحتلال.
تتعرض السلطة الوطنية الفلسطينية و م ت ف تاريخيا إلى نقد/انتقاد متواصل وفائض عن الحاجة من ثلاثة أطراف أساسية:
1. النقد الموجه من تيار الإسلام السياسي هدفه واضح، ان يكون بديلا للمشروع الوطني من خلال تدميره، واحلال مشروعها مكانه لتكون هي قيادة هذه المشروع. هذه التيارات لا تبحث عن الشراكة مع المشروع الوطني، ولا تعمل من أجل تطويره والمشاركة فيه وفي قيادته، بل تعمل لأن تكون البديل.
2. النقد الموجه من الفصائل الوطنية، رغم صحة ما تستد إليه هذه الفصائل وما يمثلها من جماهير شعبية ومثقفين ومنظمات مجتمع مدني، من ادعاءات ونقاط ضعف تعترى مواقف وبنية وسلوك السلطة الوطنية و م ت ف، الا أن هذا الاتجاه قد ادمن الانتقاد المتواصل، ولا يمكن أن يكف عنه، ولم يكن يوما اتجاها عمليا، يقدم مواقف واقتراحات عملية، يمكن الاستناد عليها لتطوير هذه السلطة/المنظمة، رغم انه مؤسس لها، وشريك فيها، ومستفيد منها، وسيكون هو أول الخاسرين في حال فشلها أو تدميرها.
3. هناك نقد موجه لهذه السلطة من داخلها، ومن أطراف كانت جزءا منها وخرجت أو أُخرجت منها، لهذا السبب او ذاك، او باقية داخلها، ولكنها على الهامش وغير قريبة من التأثير وصنع القرار.
إن هدف هذا النقد، رغم كل ما تدعيه هذه الاطراف واختلافها جذريا فيما بينها، هو المنافسة على امتلاك هذه السلطة وقيادتها، او الاستحواذ على حصة أكبر منها، ودحر الاتجاهات الاخرى التي تنافسها.
هل نحن ضد نقد السلطة ؟ هل وضع السلطة وسلوكها لا يحتاج ولا يتطلب النقد ؟ بالتأكيد هذا غير صحيح، ولكن يجب علينا أن نفرق بوضوح بين النقد المطلوب من أجل تخليص السلطة والمسيرة مما علق ويعلق بها يوميا من سلبيات، من أجل تطويرها وتعزيزها، وهذا الانتقاد المتواصل والفائض عن الحاجة من هذه الأطراف المتناقضة.
طبيعيا، علينا أن نذكر الجميع أن هناك انتقاد لهذه المنظمة/السلطة من اعدائنا، إسرائيل وأمريكيا، وما يدور في فلكهما من عرب وعجم واعلام ومثقفين ومنظمات ومؤسسات.
يرتكز النقد الموجه إلى السلطة على قضايا أساسية يأتي في مقدمتها:
عدم مقدرة هذه السلطة على التخلص من الاحتلال وبناء الدولة المستقلة وبقاء السلطة والشعب والأرض تحت نير هذا الاحتلال.
كما يرتكز هذا النقد على أن استمرار السلطة تحت الاحتلال، يجعل هذه السلطة تقوم بمهمات كان من الواجب أن يقوم بها هذا الاحتلال، الذي تحول إلى أرخص احتلال على الأرض بفضل هذه السلطة، كما يدعي الكثيرون.
ويدعي اصحاب هذه التوحهات أن وجود هذه السلطة، أدى إلى مواصلة الاستيطان وتمدده وزيادة عدد المستوطنين على الأراضي الفلسطينية، لدرجة انه لم يعد هناك اراض، من الممكن أن تقوم عليها دولة فلسطينية.
كما يؤكد أصحاب هذه الادعاءات، أن وجود السلطة وتنسيقها الأمني مع إسرائيل، قد وجه ضربة قاصمة للمقاومة واعتقل وسلم المقاومين للاحتلال.
كما يرتكز هذا الانتقاد على ضعف مؤسسات السلطة وما تعانيه من ترهل وفساد في مختلف جوانب عملها.
قد نجد في هذه الادعاءات/المبررات الشيء الكثير الصحيح والحقيقي، ولكن هناك خطأين:
الخطأ الأول، تحميل وجود السلطة أسباب هذا الفشل، والتغاضي عن قوة المشروع الصهيوني وقدراته وامكانياته، وقدرة حلفائه على تحقيق وانجاز هذا المشروع وهذه الأهداف في ظل وجود السلطة الوطنية او عدم وجودها.
أن الحقيقة التي يجب الالتفات لها أن التحالف اليهودي اليميني العنصري، ممثلا بأحزاب اليمين الإسرائيلي، التي في الحكم ومنظمات المستوطنين المتطرفة والتي هي على يمين هذه الأحزاب، المتحالف مع اليمين المسيحي الصهيوني الأمريكي، ممثلا بترامب وإدارته الفاشية، هم أهم أعداء هذه السلطة/المنظمة وهم من يعملون على تقويضها وتدميرها.
الخطأ الثاني، أن يتم استخدام هذه الادعاءات من أجل تدمير هذه السلطة، كل طرف يريد أن يدمرها او أن يستبدل قيادتها، وفقا لأهدافه وبرنامجه وتحالفاته ومصالحه.
في خطابه الاخير أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، في 27 سبتمبر أيلول 2018، بين الرئيس أبو مازن أن البرلمان الفلسطيني قد اتخذ "قرارات هامة تُلزمني بإعادة النظر في الاتفاقات الموقعة مع الحكومة الإسرائيلية، السياسية والاقتصادية والأمنية على حد سواء، وفي مستقبل السلطة الوطنية الفلسطينية التي أصبحت دون سلطة، كما طالبني بتعليق الاعتراف الفلسطيني بإسرائيل، إلى حين اعتراف إسرائيل بدولة فلسطين، على حدود الرابع من حزيران عام 1967، والتوجه للمحاكم الدولية (بما فيها المحكمة الجنائية الدولية)، للنظر في انتهاكات الحكومة الإسرائيلية للاتفاقات الموقعة، واعتداءات الجيش الإسرائيلي والممارسات الإرهابية للمستوطنين على شعبنا وأرضنا ومقدساتنا الدينية. (الاعتداءات المتكررة على المسجد الأقصى هي لعب بالنار).
السؤال، ما هي الأسس والاشتراطات التي يجب أن نلتزم بها، ونتبعها حتى تكون هذه المراجعة للاتفاقيات نابعة من مصلحتنا الوطنية، من أجل الحفاظ على المكتسبات التي حققها شعبنا طيلة الفترة السابقة، وحتى لا تكون هذه المراجعة محاولة للهروب إلى الإمام، تحت ضغط الظروف والانتقادات الواسعة والمتواصلة. إن إعادة النظر في الاتفاقيات الموقعة يجب أن يراعي ما يلي:
1. أن عنوان هذه المرحلة النضالية من تاريخ شعبنا، هي مرحلة صمود استراتيجي، تهدف إلى الدفاع عن وجودنا فوق أرضنا، ولا تهدف الى تحقيق انجازات على الارض. في هذه المرحلة، لا نستطيع أن نحقق، لا استقلال كامل ولا دولة.
2. أن الهدف الاساسي من هذا الصمود، هو المحافظة على بقاء الشعب الفلسطيني في ال 48 والقدس والضفة وغزة فوق أرضه.
3. أن المحافظة على وجود السلطة وتعزيزها وتطويرها وتخليصها من كثير من الأمراض والنواقص التي تعتريها، هو هدف هام يستحق مواصلة النضال من أجله، لان هذه السلطة هي الضمانة السياسية والاجتماعية الأساسية لاستمرار دعم وجود شعبنا فوق أرضه. أن أي مراجعات يجب الا تؤثر على إمكانية استمرار السلطة ومقدرتها على القيام بمهامها الوظيفية كحاضنة اجتماعية وسياسية لنضالات شعبنا.
4. أن مواصلة النضال السياسي والدبلوماسي النشط والموضوعي، مترافقا مع النضال الشعبي السلمي من أجل الحفاظ على القدس، ومقاومة الاستيطان والمستوطنين والجدار والنهب المتواصل للارض والمياه، والاعتداءات المتواصلة ضد المدنيين، ومن أجل العودة سلميا الى أراضينا والحفاظ على حقوق اللاجئين الفلسطينيين والدفاع عن الانروا لتواصل عملها، هو الأسلوب النضالي الواقعي الذي يتلائم مع ظروفنا الموضوعية والذاتية.
أن النضال الشعبي السلمي هو الاسلوب الممكن والواقعي، بعيدا عن مطالبات البعض غير الموضوعية، بالرجوع إلى نهج الانتفاضة الشعبية العنيفة والعمل العسكري. إن هذه دعوة إلى المستوطنين للبطش بشعبنا وخلق حالة من الخوف والرعب والفوضى تدفع شعبنا إلى الهجرة، وتقتل الأمل في الاستقلال الوطني، وتعيدنا إلى التشتت والتبعية لأنظمة عربية مختلفة.
5. أن إعادة الوحدة للنظام السياسي الفلسطيني، وإنهاء الوضع الشاذ بأخذ قطاع غزة بعيدا عن المشروع الوطني، ومحاولة إيجاد حلول سياسية تستبدل دولة غزة بالدولة الفلسطينية والحلول السياسية بحلول انسانية، أن هذه مهمة استراتيجية يجب مواصلة العمل من أجل إنجازها.
6. يجب التأكد من كل الإجراءات التي اتخذتها السلطة من أجل أن تضمن انتقال السلطة بطريقة سلسة، وتمنع حدوث أي فراغ دستوري او قانوني في مؤسسات السلطة.


ليست هناك تعليقات: