السبت، 17 نوفمبر 2018

النفخ والمقرسة ؟! - د. رياض عبدالكريم عواد

 النفخ  و المقرسة ؟! 
 د. رياض عبدالكريم عواد
تعتمد كثير من الجهات على ممارسة سياسة النفخ من أجل خلق شعور ووهم بالقوة والمعرفة عند الضحية، سواء كان فردا او جماعة او هيئة، من أجل تحقيق أهدافها المستقبلية والاستراتيجية.
هذا ما يفعله المزارعون الليبيون قبل عيد الأضحى بشهور طويلة، يجمعون الخراف الصغيرة (العلوش)، يعدونها جيدا ويدللونها، يحجزونها في زريبة واسعة، يكبون لها الأعلاف لتأكل براحتها، دون حسيب او رقيب، لتسمن وتُعنصل، وصولا الى اليوم الموعود، يوم الأضحية. هكذا يمقرس الفلاح الليبي ضحيته ليبيعها للذبح، او ليذبحها لاهله وضيوفه، يوم العيد؟!.
وهكذا تفعل الدول والمؤسسات ومراكز التخطيط والاعلام التابعة لها، تسمن ضحاياها لذبحها وذبح شعوبها، او لتوصيل بعض الأفراد المسمنين لموقع الفعل والقرار ليتم استخدامهم في ذبح شعوبهم، سياسيا واجتماعيا وثقافيا.
و هنا لابد من التحذير من خطرين:
الا نقع ضحية نظرية المؤامرة، فنتشكك بكل كلمة تقال لنا او تكتب عنا، هذا أولا. ثانيا، من الهام التفريق جيدا بين النفخ والتشجيع، بين المساعدة المطلوبة والدعم المشبوه، بين بناء الكوادر وبين صناعتها المشبوهة؟!.

إن الميزان الدقيق الذي تستخدمه الشعوب في هذا المجال، هو معرفتها الدقيقة للتفريق بين الغث والسمين، ومقدرتها على تنقية العسل من السم.
ان تعزيز عوامل الصمود الداخلي، وتقوية القيم الإيجابية داخل المجتمع، والعلمية والموضوعية والواقعية في التفكير وفي التعامل مع الأحداث، هي الميزان الدقيق الذي يُوصى باستخدامه.
كما أنه من الهام التفريق بين النفخ وسياسة توجيه رسائل الى العدو، كشكل مشروع من أشكال الحرب النفسية، هذه الرسائل تعتمد على المبالغة المحسوبة جيدا، لتربك العدو وتؤثر على جبهته الداخلية، وتنشر الخوف بين افراده وتجمعاته، سواء كانوا مدنيين او عسكريين.
ان هذه السياسة، أيضا، يجب أن توزن بميزان العلم والواقعية والموضوعية، خوفا من أن تأتي بنتائج معاكسة لأهدافها حين تطبيقها على الارض، لأنها لا تمثل حقيقة القوة التي تمتلكها، فتتحول الرسائل إلى نكتة يستخدمها الأعداء في التسلية؟!. كما أن المبالغة المفرطة في هذه السياسة تقدم للعدو مادة إعلامية هامة، يستطيع استخدامها كذريعة أمام العالم لتدميرك، دون أن تجد من يتعاطف معك. او قد تؤثر هذه الرسائل عكسيا على مجتمعك، فيصاب بالإحباط والقنوط واليأس، بعد أن يرى الحقائق المدمرة على الارض، والتي تتناقض جذريا مع كل الادعاءات.
نستطيع أن نعدد مواقف وأحداث كثيرة شاهدنا فيها تكاتف جهات عديدة ومتناقضة، إعلامية وسياسية، دول وجماعات، أحزاب وجمعيات، جميعها تهب هبة رجل واحد ل"تدافع" عن قضية واحدة، تسخر وسائل اعلامها لذلك في الليل والنهار، تستحث جمعياتها الخيرية وخطبائها المفوهين والمحللين الأمنيين والاستراتجيين، فقط لتسليط الأضواء على هذه القضية، فيتدفق عليك أشكال من الدعم المادي والمعنوي، خاصة في زمن الحروب والاقتتال الداخلي، لم تكن تتوقعه يوما، لا يستطيع أحد أن يرفضه بسبب الحاجة، ولا أحد ان ينتقده، خوفا من التهم الجاهزة التي توجه اليه؟!.
ان هذا الدعم المفاجئ يجب أن يأخذ بحذر شديد، وتعرف الأسباب الحقيقة، التي تحرك الجهات المتناقضة، التي تهب من مختلف أصقاع الدنيا من أجل تقديمه، لا أحد يعمل لله ولا لسواد عنيك؟!
أن ما تقوم به الجزيرة من نفخ متواصل وتركيز إعلامي غير معقول، على قضية خاشقجي، التي لا نهدف إلى نقاشها في هذا المقال، هو أحد أوضح الأمثلة لاستغلال دم الضحية من أجل أهداف سياسية، بعيدة كل البعد عن التضامن الإنساني مع الضحية، او الدفاع الحقيقي عن قيم الحرية والديمقراطية. أن هذا النفخ الإعلامي له أسباب حقيقة underlying cause تتلخص في الصراع السعودي القطري، ومصلحة امريكيا وتركيا من استمرارية هذا الصراع.
أن أشكال كثيرة من النفخ، ذات الأهداف الاستراتيجية البعيدة، يمكن رصدها بوضوح في كثير من المؤسسات المحلية والدولية، التي تعمل داخل البلاد، تحت مسميات مختلفة، وكذلك بين كثير من الأحزاب والتنظيمات. حيث تتركز الأنظار، فجأة، على افراد مغمورين، ذي كفاءات متواضعة، او حتى لديهم كفاءات وشيء من الفهلوة والشطارة، فتفتح لهم الابواب، ويصبحون ضيوفا دائمين على وسائل الاعلام، صباحا ومساء، تحبر لهم المقالات والمقولات، بالعربية وبمختلف اللغات بما فيها العبرية، ليكونوا قادة من قادة المستقبل، مفكرين وأساتذة ومحللين استراتجيين وراسمي سياسات، وأصحاب مؤسسات وجمعيات، يحملون شهادات الدكتوراة، ويجري الخير الكثير على أيديهم ومن خلالهم؟!. قد يحتاج وصول هؤلاء إلى مراكز القيادة، في الأحزاب والتنظيمات خاصة، ابعاد بعض الرؤوس، او حتى حلقها وقطفها، لا يتوانى العدو عن تقديم المساعدة العملية من أجل ذلك. ان المتابع لأحوال جامعاتنا ومؤسساتنا وأحزابنا يرى العجب العجاب؟! إقصاء الكوادر وهجرة الأدمغة، واستبعاد وتنحية الوطنيين وتقديم ما دون ذلك، بل عكسه؟!
هنا نحذر من جديد من نظرية المؤامرة، رغم أن المؤامرة هي جزء من السياسة، كما نؤكد مرة أخرى على أهمية ميزان العلم والواقعية والموضوعية، في القياس وفي تناول هذه الأحداث والصور.
في الختام يجب الا ننسى محاولات النفخ الذاتي، التي يحاولها بعض الأفراد باستمامة، فلا ينتج منهم الا طبول جوفاء خرقاء لا يؤثرون على احد، رغم جعجعتهم العالية؟!.

ليست هناك تعليقات: