الخميس، 29 نوفمبر 2018

السلطة الوطنية وتطور حالة الاشتباك ؟! - د. رياض عبد الكريم عواد

  السلطة الوطنية و تطور حالة الاشتباك ؟! 
 د. رياض عبد الكريم عواد
تتميز الهجمة الإسرائيلية ضد الشعب الفلسطيني وقضيته الوطنية، في هذه المرحلة بالشراسة الشديدة والاتساع، والتركيز على القدس والوجود الفلسطيني فيها، ومواصلة تهويد المسجد الأقصى، وعزل مدينة القدس عن محيطها الفلسطيني، من خلال ترحيل وهدم كل المنشئآت في الخان الأحمر، والتجمعات ال 25 البدوية الاخرى، لتخدم توسيع المستوطنات القائمة في المنطقة، وبذلك تكون اسرائيل قد نجحت في فصل شمال الضفة عن جنوبها، وتكون قد استولت على هذا الحزام من القدس، مرورًا بمدينة أريحا وصولًا إلى المرتفعات والأغوار الشرقية، وهي أخصب وأجود الأراضي الفلسطينية.
تواصل السلطات الإسرائيلية هذه السياسة مستخدمة مختلف الوسائل، بما فيها استخدام العملاء لتسريب عقارات واراضي لحكومة الاحتلال والمستوطنين.
تتصدى السلطة الفلسطينية وتقاوم هذه السياسة في ظل ظروف صعبة وسيئة تحيط بالقضية الفلسطينية، يمكن تلخيصها بما يلي :

1. السياسة الأمريكية المعادية للشعب الفلسطيني وقضيته، في عهد حكم اليمين المسيحي الصهيوني بقيادة ترامب، الذي يحاول تطبيق ما يسمى بصفقة القرن، والتى بدأها بنقل السفارة الأمريكية إلى القدس، كشكل من أشكال الاعتراف بها كعاصمة موحدة لاسرائيل. هذا اضافة الى الإجراءات السياسية والمالية ضد السلطة الوطنية والانروا، والتي تستهدف تجفيف موارد السلطة والشعب الفلسطيني المالية، وإلغاء قضية اللاجئين وحقهم في العودة، ووصم النضال الفلسطيني والمناضلين الفلسطينيين، من شهداء وأسرى وجرحى، بالإرهاب، والضغط على السلطة لوقف المخصصات التي تقدمها لهم ولعوائلهم.

2. زيادة التطرف داخل المجتمع والأحزاب والحكومة الإسرائيلية، وتعاظم دور المستوطنين ونفوذهم، في المؤسسات العسكرية والمدنية، مما ينذر بوصول حكومات أكثر يمينية وفاشية من حكومة نتنياهو، تؤمن بأرض إسرائيل الكبرى، وبضرورة حسم المعركة مع الفلسطينيين بالعنف والقوة، وعدم الاعتراف بأي حقوق وطنية للشعب الفلسطيني، والنظر الى حل الدولنين وامكانية قيام دولة فلسطينية مستقلة لها حقوق في القدس، كخطر استراتيجي يواجه المشروع الصهيوني، والعمل الجاد والمتواصل لحل القضية من خلال غزة وضم مستوطنات الضفة الغربية إلى إسرائيل، وإعطاء السكان الفلسطينيين في الضفة حكم ذاتي، مرتبطا بدولة غزة او الاردن. اضافة الى الهجوم على انجازات الفلسطينيين داخل اسرائيل، والضغط عليهم للتوقف عن نضالهم السياسي والمطلبي.

3. انشغال الفلسطينيين واستنزاف طاقاتهم في الصراع الداخلي، الذي خلقه وسببه واسس له ما حصل في غزة في 2007، مما أضعف النظام السياسي الفلسطيني، وفتته وحرمه من قوة غزة، واستنزف كل الطاقات في المحاولات البائسة والفاشلة والمتكررة من اجل اصلاح هذا الخطأ السياسي الاستراتيجي، الذي يخدم مخططات ورؤية اليمين الإسرائيلي في حل القضية الفلسطينية، ويتقاطع مع مصالح دول الإقليم، تركيا وقطر وايران، في خلق كيان في غزة يخدم مصالحها، كل من خلال نظرته الاستراتيجية.

4. ضعف النظام السياسي العربي، وانشغاله في مشاكله الداخلية المتراكمة والمعقدة، وتدمير الدول الوطنية الأساسية، بعد مؤامرة الربيع العربي، وانتشار الحروب الأهلية في كثير من هذه الدول، مما يستنزف طاقاتها السياسية والمالية، ويجعلها عرضة لمزيد من الابتزاز الأمريكي الإسرائيلي، ويدفع العديد منها إلى الهرولة من اجل إقامة علاقات طبيعية مع إسرائيل، مستغلة الضعف الفلسطيني وحاجته المادية والسياسية لها، وضاربة بعرض الحائط بقرارات الجامعة العربية ومؤتمرات القمة وقراراتها بالخصوص.

في ظل كل هذه الظروف البائسة تعمل السلطة الوطنية، التي لا تسلم أيضا من مواصلة الانتقاد الزائد، والاتهامات المتواصلة لها ولقياداتها ولرئيسها، من كل حدب وصوب، من المعارضة الاسلامية التي ترى في نفسها بديلا موضوعيا مقبولا لكل الأطراف، ومن المعارضة اليسارية التي تهوى النقد المتواصل البعيد عن الواقع، رغم جمال الكلمات ودغدغتها للمثل والقيم الثورية، ومن المعارضة الداخلية التي تريد نصيبها من السلطة، وترى أنها أحق وأكثر وطنية واخلاصا من القائمين عليها. هذا اضافة، الى الفئات الشعبية الكثيرة، التي تطالب باحتيجاتها من السلطة من ناحية، وتقع فريسة للتحريض المتواصل ضد هذه السلطة من ناحية أخرى. ان معظم هذا الانتقاد يرتكز على تهمتي التنسيق الأمني، وان هذه السلطة توفر للاحتلال الفرصة ليكون احتلالا دون تكلفة؟!

لم تعبأ كثيرا م ت ف والسلطة الوطنية بقرارات ترامب بالاعتراف بالقدس عاصمة دولة اسرائيل الكبرى، ورئيس السلطة ابو مازن هو من قال لترامب يخرب بيتك، وهو من وصف سفير الولايات المتحدة في اسرائيل بأبن الكلب، وهو من "يخشاه" رؤساء الدول العربية ولا تتجاوزه في قرارات تخص قضية الصراع الاسرائيلي الفلسطيني، كما يقول الصحفي الإسرائيلي جلعاد بن كوهين.

كما لم تستسلم السلطة الوطنية للهجمة الإسرائيلية على القدس والمقدسات بل تصدت لها، وتخوض أجهزة الامن الفلسطيني واجهزة الامن الاسرائيلية حربا ضروس في القدس، انها حرب السيطرة على القدس، كما يقول أيضا الصحفي كوهين.
ولم تتأثر السلطة كثيرا من هذا الانتقاد الشعبوي المتواصل وغير الموضوعي، بل عقدت المجلسين الوطني والمركزي، واتخذت جملة من القرارات تدعم وجود السلطة واستقلالها، وتعزز محاولات الانفكاك من العلاقات الضارة والمجبرة عليها مع إسرائيل، وفي نفس الوقت تشحذ همم القادة والكوادر للانخراط في المقاومة الشعبية، والتصدي العملي على الأرض لمخططات إسرائيل ومستوطنيها.

هذا دفع اسرائيل، بعد ان شعر عملائها بالخوف والرعب، وبعد ان نشبت حرب مخابراتية، خفية، بين الاجهزة الامنية الفلسطينية والاسرائيلية، كما تصفها الصحف العبرية، الى الضغط على السلطة الفلسطينية، على خلفية محاربتها لبيع الأراضي والعقارت في القدس، وإعتقال بائع الأرض عصام عقل، الذي يحمل الجنسية الامريكية والمواطنة الاسرائيلية، من بيته في شرقي القدس ونقله الى رام الله.
هذا دفع إسرائيل أن تصدر قراراً بإعتقال النشطاء والكوادر الفلسطينية في القدس، وعلى رأسهم المحافظ، عدنان غيث، إضافة إلى 32 مواطنا، يحملون بطاقات هوية زرقاء، تتهمهم اسرائيل بالعمل مع الأجهزة الأمنية الفلسطينية التابعة للسلطة.
ان هذا يؤكد زيف وكذب الادعاءات، والحملة الاعلامية المغرضة، ويرد على كل الاتهامات وحملات التشكيك التي تستهدف السلطة وقيادتها، وتتهمها بالتفريط، وعدم محاربة ظاهرة تسريب الأراضي والعقارات في القدس.

كما يؤكد هذا على وطنية وثبات هوية وعقيدة الاجهزة الامنية الفلسطينية، ودور وموقف السلطة الفاعل والجاد في حماية المقدسات والممتلكات الفلسطينية، التي تحاول سلطات الاحتلال الاسرائيلي السيطرة عليها بشتى الوسائل وتسعى لتشريع هذه السيطرة.

وسبق هذا التصدي للعملاء في القدس، الصمود الأسطوري الشعبي في الخان الاحمر، الذي كان على رأسه وزراء وقادة وكوادر، من أبناء الشعب الفلسطيني وسلطته الوطنية، وأجبر إسرائيل على التوقف مؤقتا عن تنفيذ قرارها.

كما تتصدى السلطة الفلسطينية، من خلال بعثتها الدبلوماسية، لمحاولة إسرائيل استصدار قرار من الامم المتحدة لإدانة حركة حماس لـ "تحريضها المستمر على العنف ضد إسرائيل وإطلاق الصواريخ" من قطاع غزة. ان هذا القرار في حال صدوره، يعتبر ادانة لكل النضال الوطني الفلسطيني. هذا اضافة، الى التوجه إلى الأمم المتحدة ومؤسساتها المختلفة، ومحكمة الجنايات الدولية لاستصدار قرارات تدين الاحتلال وجنوده وضباطه، وتعرضهم للملاحقة والمحاكمة أمام المحاكم الدولية.

ان مختلف هذه الاشكال من التصدي الدبلوماسي والشعبي وعلى الارص، تشير الى تطور حالة وأشكال الاشتباك بين الشعب الفلسطيني والسلطة الوطنية من جهة، وبين الاحتلال الإسرائيلي وسياساته ومخططاته ومستوطنيه من جهة أخرى.

ان السلطة الوطنية الفلسطينية تقوم بدورها الوطني المنوط بها في خوض معركة القدس والأرض ومحاربة الاستيطان، وتدفع بكل ثقلها المادي والمعنوي في هذه في المعركة الوطنية المتواصلة.

ان هذه معركة طويلة ومتواصلة وصعبة، تحتمل الانتصار تارة والهزيمة تارات اخرى، انها تحتاج إلى إرادة وطنية صلبة، وتعزيز دور الكادر والقيادات في هذه المقاومة الشعبية، ليكون هذا الدور والفعل النضالي هو المقياس الحقيقي لأحقية هذا القائد لهذا الموقع او ذاك.

كما تحتاج هذه المعركة، توحيد كل الجهودة الشعبية والرسمية والحزبية، وعودة غزة إلى الحضن الوطني، لتكون قوتها وثقلها عامل هام ومساعد يعزز قوة الكل الفلسطيني، لا أن يستخدم من أجل اضعاف الموقف الفلسطيني، ويشتته ويشغله عن معركة القدس والمقدسات. 

معركة القدس اليوم هي معركة فلسطين .. ومعركة العرب ..واي بوصلة لا تشير إلى القدس خائنة.....

#في_القدسِ_مَن في القدسِ إلا أنْت؟!

ليست هناك تعليقات: