السبت، 1 ديسمبر 2018

نُذر الحرب و آفاق المستقبل؟! - د. رياض عبدالكريم عواد

نُذر الحرب و آفاق المستقبل؟! 
 د. رياض عبدالكريم عواد

لا يهدف هذا المقال إلى التبشير بالحرب، التي نكره ولا نريد، ولا تخويف الناس وضعضعة الجبهة الداخلية، كما يدعي البعض تعليقا على مثل هذه المقالات، فكم عدد من يقرأ ويهتم بما يُكتب؟! هذا يذكرني بالسؤال/الهاجس الذي كان يطرحه الدكتور رياض الزعنون، الوزير المؤسس لوزارة الصحة، عندما ننتهي كل سنة من إنجاز التقرير السنوي عن الوضع الصحي في فلسطين، كم عدد المسؤولين والمهتمين بالوضع الصحي الذين يقرؤون هذا التقرير؟! لا داعي للإجابة على هذا السؤال، ولنعود إلى المقال.

رغم ان خيار اسرائيل الاستراتيجي نحو غزة هو التهدئة مع حماس، لأهداف استراتيجية لم تعد خافية على احد، الا انه لأسباب كثيرة، تم نقاشها سابقا، وتتلخص في ضعف مناعة المجتمع الإسرائيلي، وافتقاد إسرائيل لقيادات تمتلك كريزما قياداتها التاريخية، ويصعب عليها عدم الرضوخ للصوت الشعبوي، قد يدفع إسرائيل نحو شن حرب على غزة!

ان كثير من المسؤولين الإسرائيليين قد أدلوا بتصريحات تشير لإمكانية، وتطالب بشن هذه الحرب على غزة. رئيس لجنة الخارجية والدفاع في الكنيست "آفي ديختر" يقول: يتعين على الجيش شن عملية عسكرية لاجتياح غزة، والسيطرة عليها، ونزع سلاحها، واعتقال من 10-20 ألف مسلح فيها، وهذه العملية قد تستمر 3-4 سنوات. عضو الكبينيت المصغر ووزير الأمن العام، جلعاد أردان: قريبون اكثر من اي وقت من احتلال غزة. يوآف غالانت، رئيس القيادة الجنوبية لجيش الدفاع الإسرائيلي سابقا: أعتقد أننا نتجه إلى معركة واسعة النطاق في قطاع غزة، إنها مسألة وقت فقط، واضاف، السنوار لن ينهي حياته في بيت عجزة، وايامه معدودة. المتحدث باسم الجيش: "لواء كفير"، المتخصص في القتال في المدن والتنكيل بالمدنيين، يختتم فترة تدريبية استمرت شهرين، تحاكي التعامل مع مجموعة متنوعة من السيناريوهات في جنوب البلاد، لمواجهة حركة حماس عسكريا في قطاع غزة.

يوسي كلاين: الانتصار لا ينتهي بالتسوية، الانتصار لا يكون انتصارا اذا لم تتدحرج الرؤوس على الشوارع ولم توجد دماء على الشوارع، لذلك يجب تدمير غزة".

عضو الكنيست سموتريتش (البيت اليهودي) نشر قبل فترة «خطته السياسية» بالنسبة لغزة، التي في أساسها «تقليص سكان القطاع بحيث يصبحون في تناسب مع مساحتها والامكانيات الاقتصادية الكامنة فيها بوساطة تفريق واعادة تأهيل اللاجئين في الدول العربية أو الاوروبية».

المحلل المعروف في «اسرائيل اليوم»، عكيفا بغمان، الذي اعتاد رئيس الحكومة على مشاركة مقالاته في صفحته في الفيس بوك: «هناك حل عسكري وسياسي واحد لغزة وهو الاحتلال والتطهير».

نداف حلميش، شرح في موقع «سروغيم» وهو الموقع الرئيس للطائفة الدينية، أي «البيت اليهودي»، «كيف نحل مشكلة غزة في ثماني مراحل؟» منها «المواطنون يمكنهم الانتقال إلى سيناء، المقاتلون يمكنهم الاستسلام لقواتنا».

نتنياهو الذي استلم حقيبة وزارة الدفاع، لن يقبل على نفسه كوزير للجيش، أن يخوض جولة ضعيفة أمام حماس بغزة، خصوصا وأنهم مقبلون على انتخابات، لذلك ستكون الجولة القادمة مؤشرا مهما للتصعيد العسكري، الذي استعد لها الجيش بشكل جيد. لذلك التقى نتنياهو رئيس الاركان السابق بيني غانتس، ويجري مشاورات أمنية مع وزراء دفاع ورؤساء اركان سابقين أمثال عمير بيرتس، وموشيه ارنس، وشاؤول موفاز، وغابي اشكنازي.

أن وصول سفن حربية أوروبية فرنسية وإيطالية وبريطانية الى ميناء حيفا، يشير إلى إمكانية اندلاع هذه الحرب على غزة، والخوف من تمددها باتجاه الشمال، وانخراط حزب الله فيها، رغم أن هذا ليس بالشيء السهل الحدوث والمتوقع؟!

كما أن إسرائيل والولايات المتحدة تعملان من أجل الحصول على قرار من الأمم المتحدة يدين حماس لأول مرة لإطلاقها الصواريخ على إسرائيل، ويطالب بوقف الاستفزازات، ويدين بناء البنية التحتية العسكرية، بما في ذلك الأنفاق.

العقيد احتياط رونين اتسك، في حديث لصحيفة إسرائيل هايوم، نشرته سما في 30/11/2018، يقول: أعتقد أن الجيش الإسرائيلي سيبدأ الجولة القادمة بضربة مفاجئة قوية تستهدف قادة حماس. وأن تدريبات الجيش الأخيرة، كلها تتركز للعمل في المناطق المكتظة بالسكان، والعمل داخل الأنفاق، والمناطق المعقدة، والرغبة في الدخول إلى عمق غزة. ويضيف، عندما يتم اتخاذ قرار بإعادة احتلال القطاع، لن تكون حماس قادرة على تحدي الجيش، وكثافة النيران لن تسمح لها بالاعتماد على خيارات متعددة.

استشراف مستقبلي؟!
عندما تقرر القوات البرية الاسرائيلية التقدم بهدف الاحتلال، تجربة بيروت 1982، تحرق الأرض من خلال قصف طويل ومتواصل وكثيف، بمختلف أنواع الأسلحة والذخائر، وتُحدث دمارا وخسائر وتهجير بين المدنيين مذهل ورهيب.

لا تستطيع القوات شبهة النظامية أن تتصدى لهذه الهجمة مباشرة...ستتمكن إسرائيل من تدمير القوة العسكرية للفصائل، لكن دون القضاء عليها. من الممكن إحراز بعض الأعمال البطولية، لأفراد أو مجموعات صغيرة، لكن لن تؤثر استراتيجيا على سير المعركة. كما سيتواصل القصف الصاروخي من الجانب الفلسطيني ضد العمق الإسرائيلي طويلا، 1-3 شهور، وسيكون له تأثير سلبي معنوي على الجبهة الداخلية في اسرائيل، لكن الخسائر ستكون محدودة.

من المهام أن يتراجع الأفراد إلى الخلف، أين هو الخلف في واقع غزة الجغرافي؟! حتى لا يتم استهدافهم وحتى لا يقعوا في الاعتقال، مثل هذه العملية سيصاحبها اعتقال عشرات الالاف، اعتقالات عشوائية وحجزهم في مناطق واسعة، (تجارب أنصار).

من الممكن إعادة ترتيب النفس، فيما بعد، في مجموعات صغيرة وأفراد، والبدء بعمليات صغيرة ضد نقاط ضعف العدو، في القشرة وخلف الخطوط. لكن، لن نستطيع المحافظة على استمرارية مثل هذه العمليات طويلا في تضاريس جغرافية ومنطقة صغيرة ومحصورة كقطاع غزة. كما أن هذه العمليات لن تجبر اسرائيل على الانسحاب، لكنها ستوقع بين قوات الجيش الاحتلال خسائر يستطيع أن يتحملها، سيكون لها تأثير معنوي سلبي على العدو وجماهيره، وتأثير معاكس على الوضع الداخلي.

الدمار الذي ستخلفه الحرب سيكون هائلا، والخسائر في صفوف المدنيين لدينا كبيرة، وليس من السهل استيعابها وتعويضها.

لن يتم تحقيق أهداف سياسية من هذه العملية، على كلا الجانبين، اذا استطعنا منع التهجير الجماعي الى سيناء.

سيعود الصراع من جديد إلى نفس النقطة التي بدأ منها، وستجبر إسرائيل من جديد للبحث عن حلول سياسية مع أطراف فلسطينية، خاصة السلطة، لذلك يجب الحذر من بروز أفراد وجهات تستغل هذه المعاناة وتقدم نفسها للتفاوض مع إسرائيل بعيدا عن السلطة. أن هذه النتيجة السياسية السلبية لهذا العدوان هو الذي يدفع البعض للاعتقاد أو الجزم بأن إسرائيل لن تشن حرب على غزة، لانعدام فوائدها السياسية.

من الممكن أن تكون هذه الحرب، وما ستحدثه من دمار وخراب، قد تستغله إسرائيل لدفع الناس إلى الهجرة، خاصة جنوبا باتجاه شمال سيناء، هو التطبيق العملي لما يسمى صفقة القرن، التي أمر ترامب بتأجيل الإعلان عنها، للأشهر القادمة؟! دون الإعلان عن أسباب هذا التأجيل؟!. ترامب الذي أجاب الرئيس الفرنسي حول صفقة القرن عندما قال له انه ملزم بمراجعتها والتشاور مع كل الأطراف، فرد عليه ترامب ستجد قبولاً "عندما تكون الملاذ الأخير للنجاة من الجحيم".

ان منع نشوب هذه الحرب يجب أن يكون أولوية فلسطينية، لان منعها يعني منع تطبيق هذه الصفقة عن طريق الحرب والدمار.

اما في حال اندلاع الحرب، فإن استمرار بقاء شعبنا على أرضه، ومنعه من الهجرة جنوبا هو الهدف الاستراتيجي. هذا الهدف لا يمكن تحقيقه الا بالتعاون مع مصر، التي يجب أن تغلق حدودها في وجه من يحاول أن يجتازها، ولا تقبل بدخول أي مجموعات من السكان، تحت أي دعوات انسانية، أو من أجل الاستيعاب المؤقت، لان تجربتنا تقول أن المؤقت يتحول إلى دائم.

أن الكل الوطني يجب أن يعمل على منع تهجير شعبنا باستخدام كل الوسائل الممكنة، بما فيها القوة، تجربة النزوح في أواخر الستينات من غزة والضفة إلى الاردن.

لذلك منع الحرب، وحماية غزة منها له الأولوية، وهو الأفضل للطرفين. أن الطريق الوحيد الممكن لمنع هذه الحرب ونتائجها المدمرة على مختلف الصعد، هو عودة السلطة الوطنية إلى غزة، وعودة غزة لتكون جزءا فاعلا من النظام السياسي الفلسطيني الموحد، وعودة المفاوضات بين السلطة الوطنية وإسرائيل من أجل تطبيق حل الدولتين.

ليست هناك تعليقات: