الأربعاء، 10 أبريل 2019

قراءة سريعة في نتائج الاحزاب العربية في انتخابات الكنيست 21،


قراءة سريعة في نتائج الاحزاب العربية في انتخابات الكنيست 21، يجب الا نفقد البوصلة؟!
د. رياض عبد الكريم عواد

09 أبريل 2019
"عسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم"
بدأت كتابة هذا المقال الساعة التاسعة مساء، قبل ظهور أي نتائج تقديرية لانتخاب الكنيست الإسرائيلي 21، خاصة بعد أن شاهدت المناضل أيمن عودة وهو يوجه بعصبية الموجوع ندائه الاخير ليحرض الجماهير العربية على المشاركة في الانتخابات بقوله "تعالوا نشيل الابتسامة عن وجه نتنياهو...تعالوا نشيل الابتسامة عن وجه ليبرمان".
شارك في هذه الانتخابات في 2019: 6,339,729 ناخبا، سيدلون بأصواتهم في 10 آلاف صندوق اقتراع، ليختاروا ممثليهم في الكنيست من بين 39 حزب سياسي.
لقد زار معظم قادة هذه الاحزاب حائط المبكى أو القبور والاضرحة؟! وسعى في هذه الانتخابات نتنياهو الى ولاية خامسة في رئاسة مجلس الوزراء، متجاوزا مؤسس الدولة دافيد بن غوريون.
هذه الانتخابات الاسرائيلية وصفها رئيس لجنة الانتخابات المركزية في إسرائيل: بأنها عاصفة ومستعرة جدا. لقد جرت الانتخابات الإسرائيلية هذه المرة في ظل حملة تحريض قاسية ضد العرب واليسار الاسرائيلي، هي الاشد منذ العام 1948، في ظل ما يسميه المراقبون "إسرائيل الثالثة" التي يسيطر فيها اليمين اليهودي المتطرف واليمين القومي على جميع مناحي الحياة السياسية والاجتماعية، اضاقة الى بداية بروز مظاهر من الممارسات الفاشية، كذلك في ظل حكومة هي الأكثر يمينية والأكثر معاداة للوسط العربي منذ نشأة هذه الدولة. لقد ترافقت هذه الانتخابات مع الذكرى ال 71 لمجزرة دير ياسين، التي راح ضحيتها مئات الفلسطينيين، وكانت احد أسباب الهجرة والنكبة، لعل الفلسطينيون يتعظون من هذه المصادفة غير السارة، فعل اتعظ الفلسطينيون أم أطلقوا النار على أقدامهم وضيعوا الفرص كعادتهم، لنؤكد من جديد ما قاله عنا أحد قادة دولة أسرائيل بأننا: "لا نفوّت فرصة لتفويت الفرص!"، هذا تخصصنا.
منذ بدء العملية الانتخابية والأخبار تشير إلى تدني نسبة المشاركين العرب في التصويت، ربما استجابة للمنادين بمقاطعة الانتخابات الاسرائيلية لأسباب أيدلوجية، مثل الحركة الإسلامية الشمالية وحركة أبناء البلد، أو لأسباب أخرى منها الادعاء انه لافائدة من العمل داخل الكنيست، إضافة إلى التشكيك بقدرة الاحزاب العربية على التأثير على السياسة الإسرائيلية، والتشكيك بالقوائم والأحزاب والمرشحين العرب لهذه الانتخابات......
توالي هذه المؤشرات السيئة دفع أوساط كثيرة، بما فيها أوساط نشطاء واعلاميين اسرائليين، حث العرب على ضرورة المشاركة للوقوف في وجه اليمين. لان ضعف المشاركة العربية ستعطي الفرصة لزيادة فرص حزب الليكود في السيطرة، وتخطي سبعة أحزاب يمينية متطرفة نسبة الحسم، التي ارتفعت من 0.83% سنة 1949 إلى 3.25% بدءا من انتخابات 2015، وبالتالي حصول معسكر اليمين على تمثيل قد يتجاوز الـ 70 مقعدًا في هذه الكنيست. كل هذا دفع الإعلامية الإسرائيلية جودي موزس، زوجة الوزير السابق من حزب الليكود، سلفان شالوم، أن تستغرب وتصرخ في الفلسطينيين للخروج من أجل التصويت لإسقاط نتنياهو وتقول في تغريدة لها على تويتر: "العرب من اكثر الناس غرابة، يتباكون، قانون القومية، لا يهتمون بهم، عنصرية، حرمان .. ورغم ذلك وبدل الاسراع للتصويت وتوسيع تمثيلهم وقوتهم، يُفضلون تقبل الإهانة ومعاقبة انفسهم والبقاء في منازلهم ..!!. كما دفع هذا احد النشطاء العرب أن يغرد على موقعه على الفيسبوك: "الليكود صاحي .. والفلسطينية في 48 نايمين؟! اصحوا... وروحوا صوتوا .."
ان زيادة التطرف في المجتمع الإسرائيلي، وحزمة القوانين المتطرفة التي صدرت وستصدرت عن الكنيست، وعلى رأسها قانون القومية اليهودي، قد اشاعت جو من اليأس والاحباط بين أبناء المجتمع العربي، بدلا من أن تعزز قناعاتهم، بإمكانية الدفاع عن حقوقهم من خلال الكنيست والنضال الحزبي والمطلبي. لقد ارتفعت الأصوات المنادية بالمقاطعة، وانتصرت الاتجاهات الدينية والقومية المعادية للنضال البرلماني، وانتصر حزب الكنبة، الذي يجيد توجيه الانتقادات والولولة دون برامج أو أعمال فاعلة؟!
أن تكتيك التخويف الذي استخدمه نتنياهو وحزب الليكود والأحزاب اليمينية المتطرفة والذي يحذر من ارتفاع نسبة مشاركة العرب في هذه الانتخابات قد دفع حزب الليكود منذ اللحظات الأولى الى نشر وتجنيد 1,200 مراقب مع كاميرات خفية لضبط حالات التزوير في التصويت، كما يدعي، مما دفع رئيس لجنة الإنتخابات المركزية، حنان ملتسر، أن يحظر تصوير الناخبين غير القانوني داخل محطات الاقتراع. كذلك دفع احد المستوطنين، بعد نشر بيانات تتعلق بضعف نسبة الاقتراع في اوساط اليمين الاسرائيلي، الى الخروج بعلم فلسطين متخوفا من كسح الانتخابات لصالح "الاحزاب اليسارية"، الامر الذي سيقود الى اعطاء دولة فلسطينية، كما كان يصرخ؟!.
لقد تم افتعال الكثير من المشاكل من أجل بث الخوف بين الجماهير العربية ومنعها من الوصول إلى مراكز الانتخابات. ان هذا التكتيك دفع الرئيس الاسرائيلي رؤوفن ريفلين الى أن ينتقد المتاجرة بالخوف خلال الحملة الإنتخابية: "الخوف من بعضنا البعض، الخوف من المستقبل، الخوف من احتمال سيطرة اليسار على الحكم، مما يهدد، بحسب ادعائهم، أمن إسرائيل،......".
لقد كان وزير الأمن الداخلي الليكودي، غلعاد إردان، واضحا تماما عندما صرح: أن هدف حزبه والأحزاب اليمينية هو إسقاط قائمة عربية لترسيخ حكم اليمين، ودعا أنصار الليكود إلى زيادة نسبة التصويت.
رغم كل هذه التحذيرات والمنشادات، التي وصلت إلى استخدام ميكروفونات المساجد "القوائم العربيه فى خطر .. كما حدث في بلدة طمرا" .. الا أن نسبة مشاركة السكان الفلسطينيين في مناطق 1948 بقيت متدنية ووصلت إلى 44%، فيما كانت النسبة على الصعيد القطري 61.3%، حتى الساعة الثامنة مساء هذا اليوم، مما أدى إلى تدني عدد أعضاء الكنيست العرب المشاركين في الكنيست، وخروج قائمة تحالف التجمع والاسلامية، كما أعلنت قناتين اعلاميتين في نتائجهما الاولية، رغم انه من المحتمل أن تجتاز هذه القائمة نسبة الحسم بسبب تدفق الجماهير العربية على المشاركة في التصويت في ساعتي المساء الأخيرة المتبقية لعملية الاقتراع، كما يقول ويتمنى المناضل أيمن عودة، الذي فازت فيه قائمة الجبهة والعربية للتغيير التي يقودها ب 6-7 مقاعد.
ان هذه النتائج الأولية، ان صحت، تعتبر ضربة قاصمة إلى نضال الفلسطينيين في ال48، وسيكون لها عواقب وخيمة على مستقبل الوجود الفلسطيني هناك، ومجمل حقوقه الديمقراطية والسياسية التي انتزعها بعد نضال طويل ومرير.
السؤال الهام، بعيدا عن كل ما طرحناه سابقا من تأثير على نتائج هذه الانتخابات، الا أن أي مراقب موضوعي لابد وأن يعزو الأسباب الحقيقة لهذه النتائج، ويحمل مسؤوليتها إلى القوى السياسية الأساسية التي خاضت معركة تنافس طويلة فيما بينها، ولم تستطيع المحافظة على القائمة المشتركة، واستخدمت اثناء ذلك كل أسلحتها الشرعية وغير الشرعية، الأخلاقية وغير الأخلاقية، ضد بعضها البعض، مما شوه الجميع وأدى إلى خسارة الكل الفلسطيني، حتى قبل أن تبدأ المعركة الانتخابية.
ان كثير من القوى السياسية في مناطق ال48 استغلت منابر الكنيسة الإسرائيلي للدفاع عن الهم الوطني، وهذا إيجابي في حد ذاته، الا أن هذا لم يترافق مع إعطاء قضايا الجماهير اليومية الأهمية اللازمة، من بطالة وانتشار للجريمة والمخدارات والمشاكل والثارات العائلية والاعتداء على النساء وووو . ان هذا العزوف عن المشاركة في التصويت في هذه الانتخابات قد يكون انعكاسا للتوتر المجتمعي الذي طفا على السطح منذ عدة سنوات؟!
ان ضعف الاهتمام بقضايا الناس الحياتية دفع كثير من هذه الجماهير للعزوف والابتعاد والتشكيك بمقدرة هذه الاحزاب على الدفاع عن مصالحها وبقائها صامدة على ارضها، لذلك فضل بعض الوطنيين أن يصوتوا إلى أحزاب اليسار الصهيوني كحزب ميرتس، لانه قد يكون الأقدر على الوقوف في وجه المد اليهودي الديني والقومي المتطرف، كما كتب أحد النشطاء السياسين هناك في تبريره للتصويت لحزب ميرتس الصهيوني اليساري "فإن أقصى ما يستطيعون القيام به لحماية مصيرهم ووجودهم وبقائهم وخدمة لقضيتهم ومصلحة إخوانهم خلف «الخط الأخضر» هو محاربة العنصرية الصهيونية من الداخل، عن طريق دعم أكثر الأحزاب الإسرائيلية ليبرالية، وأقلّها عنصرية وتطرُّفاً، والتي تعمل على حماية الديمقراطية وحقوق المواطنة، وتقليص الفوارق الطبقية والإثنية داخلياً، وعلى الدفع باتجاه «حل الدولتين» خارجياً ـ إذا بقي لهذا الحلّ من مقوّمات".
ان ضعف الوعي الوطني دفع بالكثير إلى تبني أخطر الشعارات في النظر إلى الانتخابات الاسرائيلية وهو القول بعدم أهمية فوز هذا الحزب أو ذاك، لانهم كلهم أعدائنا ويريدون قتلنا، لكن قد يختلفون على طريقة القتل؟! ان من يرفع مثل هذه الشعارات يبرر لنفسه عدم العمل ومحاولة التأثير على مجريات الأحداث؟! فمهما بلغت درجة التماثل بين التجمعات البشرية أو الاحزاب أو حتى داخل الحزب الواحد، الا انك تستطيع أن تجد بعض الفروقات التي من الممكن أن تنفذ من خلالها لتقوية برامجك وتعزيز قوتك أو حماية شعبك.
في الختام، على القوى الأكثر وطنية وجذرية أن تعيد ترتيب الصفوف، والاندماج في الهم اليومي الحياتي الوطني للناس، بعيدا عن المزايدات الوطنجية والخطاب القومجي عالي النبرة. ان هذه القوى مطالبة بتقديم حلول عملية لقضايا الناس اليومية، كما يجب عليها أن تكون أقرب لهذه الجماهير حتى تستطيع أن ترتقي بوعيها النضالي، وتغرس فيها أهمية النضال البرلماني والنضال المطلبي، وتحميها من خطر الدعاية والتحريض الذي تبثها القوى الدينية والقومية المتشددة والمعادية لهذه الأساليب من النضال، لأسباب أيدلوجية وأسباب أخرى قد يكون لها علاقة بامتداداتها الخارجية.
على الجميع الا يفقد الامل في المستقبل والا يفقد البوصلة، فالطريق مازال طويلا ونحن لم نقطع بعد الميل الأول في رحلة الألف ميل، فلنشمر عن سواعدنا من جديد، وليكن شعارنا: وإن يك صدر هذا اليوم قد ولى فإن غدا لناظره قريب؟!.

ليست هناك تعليقات: