الأحد، 3 نوفمبر 2019

الخوف وعيد الهالوين في غزة ؟! - د. رياض عبدالكريم عواد

  الخوف وعيد الهالوين في غزة ؟! 

د. رياض عبدالكريم عواد
يحتفل الغربيّون المسيحيّون في اليوم الاخير من شهر تشرين الأول أكتوبر من كل عام بعيد يسمّونه عيد الهالوين، يلبس النّاس فيه أزياءً تنكريّة غريبة، ويتناقلون الرّوايات المرعبة والمخيفة التي تتحدّث عن الوحوش والأرواح التي تسكن البيوت المهجورة...
يحتفل الغربيون بيوم من الخوف في السنة لاستفزاز ذاتهم المستقرة وتنشيط خيالهم، بينما نحن في غزة لسنا بحاجة إلى هذا العيد وهذا الاحتفال؟! فالخوف محِلي مقيم، قاعد ومتربع، واخذ راحته، فش حدا بجري وراه ولا حدا بحاول التخفيف من وطأته على عباد الله الحزانى في هذه البقعة الكئيبة المسماة غزة....
كل ما في غزة يسبب الخوف ولا يبعث على الطمأنينة والسكينة والهدوء، من الواضح اننا أدمنا على الخوف وطلقنا بالسبعين والسردين الهدوء والطمأنينة.
الخوف يركبك ولا يفارقك بينما تدور الزنانة وتلف، تعوي كالذئاب من فوق بيتك، يرتفع عوائها مرة بعد مرة فيصبح كالجعيير، تجعر من قاع قلبها، كأمرأة تنده على ابنها العنيد وهو يجري من أمامها هربا إلى الشوارع؟!
يترافق هذا الزأيير مع تحليق طائرات ال اف16 وال الف35 حيث تهتز أركان البيت الأربعة بينما تخترق هذه الطائرات الصوت وتسبقه من فوق البيت....
يزداد الخوف مع تكرار تحليق الطائرات، هل ستقصف، اين ستقصف، يا ساتر.... يا لطيف..... لقد قصفت، الدخان مخلوط بالنيران يرتفع إلى عنان السماء، منظر مرعب، تبرق الدنيا وترعد في غير فصل الشتاء...
تكرار الخوف من الزنانة والطائرة والقصف يجعلك تشعر وكأن كل صوت هو القصف القادم؟!
ترتعب اذا طرق أحد الابناء أو الجيران الباب بقوة
وتخاف اذا فقع عجل السيارة
ويتهيأ لك أن صوت الفزبة من بعيد قد تكون هليوكوبتر دخلت أجواء المنطقة
ويتداخل عليك حتى صوت الثلاجة وصوت الزنانة، فتضطر أن تقوم في الليل لتغلق باب المطبخ لتتخلص من هذا الوهم
ترخي أذنيك لكل صوت من بعيد او قريب
تتقلب في الفراش لا تعرف للنوم طعم ولا معنى
تفتح الراديو على إذاعة القرآن لعل صوت القرآن يأتي بشيء من الطمأنينة ويغطي على كل هذه الأصوات المتداخلة
ترتفع حرارة جسدك وتشعر بألم في العضلات،
تذهب الى الحمام عدة مرات لتتبول، لماذا تزداد الرغبة في التبول عند الخوف، من أين يأتي كل هذا البول
سموم تسري في اللحم والعظم، ترتفع حرارة الأعضاء الداخلية رغم برودتها من الخارج
وخز كالابر وضربات كضربات السكين في هذا الجسد المدد الضعيف، ترتخي المفاصل وتتنقل الالام بينها،
آلام في الصدر كأن بلاطة حطت.من فوقه...
حكة فجائية في الجلد وفي فروة الرأس، تضطر أن تهرشها بأضافرك، مرة بل مرات لعلها تهدأ
العرق يتصبب من كل جسدك، في الصباح لا تتفاجأ من كل هذه الرطة على الفراش
يجف الريق وييبس الحلق، تضطر أن تأخذ جغبة من الماء، تخاف أن تشرب كمية مياه أكثر فتضطر أن تقيم في الحمام لافراغ هذه المثانة اللعينة، زحمة على أبواب الحمام
حتى صوت السيارة القادم من بعيد في جوف الليل يسبب ارتباكا، يضطرك ان ترخي اذنيك لتعرف مصدر الصوت...
يا الله، كل هذا الخوف لغزة؟!
يا الله، لماذا كل هذا الخوف في غزة؟!
يا الله، انت قسمت الأرزاق، فهل كان الخوف حصة غزة فقط؟!
تبدأ حفلة الخوف كل ليلة مبكرة
يتسابق النشطاء على التبشير بالاخبار غير السعيدة
اجتماع الكابنيت، وصل نتنياهو الى الهاكرياة، مصطلح جديد لم نكن نعرفه، ليبرمان وبينت ونفتالي مش عاجبهم تعامل نتنياهو مع غزة
تأخر حقائب العمادي، شروط جديدة لمواصلة وصول الشنط والكهرباء وصيد السردين البزرة؟!
قد تحتاج إيران تسخين الوضع، الأصدقاء جاهزون
تسخين في مسيرات السلك، ارتفاع في عدد الضحايا والمبتورة أقدامهم، معدلات أعلى في الطربقة والبلالين الحارقة
إطلاق نار من الزوارق البحرية على شاب واقف فوق سطح بيته، الليلة حتكون سخنة
دعكت، كلمة مشهورة لأحد ناقلي الأخبار العبرية
يفرح بعض الشباب والصبية بهذه الاخبار، يحتفلون بها، ويحضرون لها البزر حتى تطول السهرة
رايقة، تعبير آخر لأحد المراسلين والمترجمين للصحافة العبرية، يحزنون كثيرا هؤلاء المعلقين عندما تكون رايقة، هم بحاجة إلى فعل/حركة/أكشن ليجعل لحياتهم الميتة وعمرهم الضائع معنى....
تترافق هذه البانوراما الكئيبة والمحزنة مع الخوف المقيم، الخوف على الولد، الخوف على الدار، يا الله طول عمرنا نعمل ونشقى من اجل ان يكون لنا بيت، هل من المعقول وفي لحظة واحدة نصبح عرايا بلا مأوى، بلا بيت، اين سنقضى حاجاتنا؟!
اعصابنا لم تعتد تحتمل كل هذا الشقاء وهذا الخوف
ليس من الصعب أن ننهار فجأة، قوتنا على التحمل أُستنفذت
لم نعد نحتمل اكثر، حتى اننا لم نعد نحتمل أنفسنا ولا زوجاتنا ولا أبنائنا، فكيف سنحتمل الجيران والناس
المشاكل تنشب بين الناس وبين الجيران وبين الأزواج وبين الاباء والابناء، في الشارع والمدرسة والمشفى والبيت لأتفه الأسباب، بل تنشب بدون سبب...
لم نعد نحتمل، لم نعد نطيق أنفسنا، لم نعد نطيق حتى بعضنا البعض.....
هل يفهم ولي الأمر معنى ذلك
هل يفهم القائد الذي يفتح فاه على وسعه ويتشدق بأن غزة اقوى من كثير من دول المنطقة، هل يعي ما يقول
هل يفهم ذلك الشيخ الذي يتشدق بالكلمات والشعارات وهو يعتلي المنبر معنى أن عباد الله خائفة حتى من الكلام والتصريحات والتهديدات
هل يخجل المراسلون وناقلوا الأخبار ومدمني النسخ واللصق وهواة الأخبار السريعة ومدعي الأخبار الحصرية وكل الكذابين معنى نشر الخوف بين الناس والتبشير به
أنقذوا غزة من الخوف
أنقذوا غزة من الانهيار النفسي
غزة لم تعد تصلح للسكن
#بدناش_انتخابات

ليست هناك تعليقات: