الخميس، 7 نوفمبر 2019

النضال المدني، الواقع، الوعي والموقف - د. رياض عبدالكريم عواد

النضال المدني، الواقع، الوعي والموقف

د. رياض عبدالكريم عواد
 طرحت بالأمس على صفحة الفيسبوك سؤالا، لماذا لا نتقدم كمجتمع مدني فلسطيني، بشكوى ضد اسرائيل على ما تسببه من خوف وازعاج لسكان قطاع غزة من خلال استمرار تحليق طائراتها المسيرة، الزنانات، واختراق الطائرات الحربية النفاثة لاجوائنا ولحاجز الصوت مما يسبب في رعب بين المدنيين.


لا اهدف من هذا الطرح إعادة مناقشة السؤال، ولكن سأحاول أن استعرض مختلف المفاهيم السائدة للنضال السلمي المدني، ومدى الاستعداد للعمل من اجل ذلك، وفهم ووعي أهمية هذا النضال، من خلال المؤسسات الدولية.
هنا تبرز عدد من الملاحظات الهامة:
1. عدم ثقة الشعب الفلسطيني (المطلقة) في هذه المؤسسات، وهذا يرجع الى تاريخ تعاملها مع القضية الفلسطينية، حيث يعتقد الكثير أن هذه المؤسسات تسيرها الحركة الصهيونية/اليهود/اسرائيل/ أمريكيا، بل هي موجودة لخدمتها. كما أنها لا تتعاطى مع الضعفاء، لا يوقف اسرائيل الا التهديد بالقوة، كما يقول البعض، الدم بالدم؟!. كما أن قراراتها حتى لو تم اتخاذها، لا تنفذ، ولنا عبرة في كثير من هذه القرارات التي اتخذتها المؤسسات الدولية. باختصار الشعب الفلسطيني بصفة عامة لا يثق بهذه المؤسسات ولا بالنضال من خلالها، باختصار لن ينصفنا احد، كما يعلق أحد النشطاء.
2. فورا يطالب الكثيرون السلطات الرسمية بالقيام بهذه المهمة، وتبدأ حملة توجيه الاتهامات بالتقصير لمختلف السلطات، دون اعتبار لاهمية وواجب المجتمع المدني ومؤسساته تجاه مثل هذه القضايا وهذا النشاط.
3. حرف النقاش عن الموضوع المطروح وطرح قضايا أخرى قد تكون ذات صلة مثل النفايات التي تدفن في ارضنا، لماذا لا نشتكي على السلطة القائمة وما تفعله بالشعب وما تسببه وهكذا....
4. التناقض بين خطابنا الإعلامي الموجهة داخليا بأننا نمتلك ترسانة عسكرية ونستطيع قصف اسرائيل لشهور طويلة وصناعة وتصدير الأسلحة وووو مثل هذه الأطروحات التي تتناقض مع مفوهم النضال السلمي، كما يعلق ويرى الكثيرون، أن اسرائيل لديها المبرر والحجج من خلال ما نقدمه لها في خطابنا الإعلامي من ذرائع جاهزة.
رغم أن كثيرا مما طرح أعلاه صحيح في مجمله ولا نختلف كثيرا مع جوهره، الا ان هذا يؤكد مجموعة القضايا الهامة التالية:
اننا بحاجة ماسة إلى تعليم ابناء شعبنا اهمية وأساليب النضال المدني السلمي، خاصة إذا أمنا باولوية وأهمية هذا النضال، في ظل انتهاء مرحلة الكفاح المسلح، كما يقول الواقع على الارض، رغم كل المظاهر العسكرية التي نراها، ولكنها لا تعبر عن حقيقة الواقع.
وفي هذا المجال لابد من إعادة التذكير ان بعضنا عندما طرح أهمية النضال من أجل العودة والرجوع إلى الوطن كان يعي جيدا حقيقة ضعف وعي شعبنا وعدم إيمانه بالنضال السلمي وتقديسه للبندقية والعمل العنفي والمسلح، لذلك كنا نرى أن هذا أهم خطر ممكن أن يواجه هذا النضال السلمي، والذي سيستخدمه جيش الاحتلال من اجل ضرب فكرة النضال من أجل العودة من خلال إسقاط أكبر عدد من القتلى والجرحى ومبتوري الأقدام بين المشاركين، للاسف هذا ما أكدت صحته التجربة فيما بعد. لذلك كنا نؤكد على أهمية واولوية تعليم وتدريب وإقناع شعبنا، خاصة الشباب منهم، بأهمية وأولوية النضال السلمي والتدريب على أساليب هذه النضال، كنا نعتقد أن هذا بحاجة إلى سنوات طويلة قبل الزج بشعبنا في أتون هذا النضال على الارض، قد تصل إلى عشرة سنوات.
صحيح أن كثيرا بل كثير جدا من قرارات المنظمات الدولية، وعلى رأسها قرارات مجلس الأمن والجمعية العامة للأمم المتحدة لم تنفذ، وعلى رأسها قرار عودة اللاجئين الفلسطينين إلى بلادهم، الذي كان أحد شروط الاعتراف بدولة اسرائيل. لكن هذه الحقيقة يجب ألا تمنعنا عن مواصلة هذا الطريق الهام في النضال، بل تحتم علينا أن نحشد مزيد من عوامل القوة في هذا الاتجاه. يجب أن نتعلم كمجتمع مدني أن هذه قضايا حقوقية ومهمات نضالية يجب مواصلة العمل من أجلها طويلا بعيدا عن حاجتنا الى الحصاد السريع.
تتميز كثير من نشاطاتنا بضعف روح العمل الجماعي وانعدام التخطيط لأعمال جماعية ومشتركة، تتواصل لمدة زمنية طويلة، حتى نستطيع فيما بعد حصاد بعض النتائج من خلالها. انها الفردية والانشغال في قضايا متشعبة وصعوبة الواقع وتفتت القوى المجتمعية وعمل كل مجموعة في جزيرة منعزلة عن الاخرين. هذا إضافة الى، عشقنا للخطابة بدل العمل والمناكفة بدل الحوار وسيادة حب الذات والنرجسية والشللية وشخصنة العلاقات والمجاملات بين البعض، وضعف الوعي السياسي وتردي الوعي الثقافي، كل هذا وغيره يضيع كثير من الجهود المبذولة ويجعلها هباء منثورا وبلا قيمة. اننا نفشل كثيرا حتى في تبني هشتاج جماعي لقضية من القضايا العامة الهامة، منع العدوان مثلا، يعمل من اجله عشرات الآلاف، ستجد عشرات المبررات والمعوقات والاستدراكات، إضافة إلى الخوف من القمع المسلط من اتجاهات متناقضة. باختصار اننا نفتقد لروح الجماعة ولأساليب العمل المخطط والمنظم ونعشق الفردية والخطابة، كما أن العشوائية بصفة عامة أحد مميزات أعمالنا. اما القدرية السائدة بين الكثيرين، وانتظار الموت، كقطيع الخراف، مع الجماعة دون محاولة تحريك ساكن، على قاعدة الموت مع الجماعة رحمة، فهي أحد صفات المجتمع لكثرة ما تعرض له من نكوص واحباطات وقمع، إضافة الى ضعف الوعي والمبالغات في القوة والامكانيات، وعدم المقدرة على تحديد الممكن وغير الممكن وكذلك عدم فهم الأولويات.
أن الشوط أمامنا لازال طويلا لممارسة النضال المدني السلمي وللتوقف عن عشق الموت وتقديسه ولنرى الحشودات الجماهيرية من عشرات الآلاف من الشباب والرجال والنساء وهم يواجهون الة الحرب الصهيونية بالأغنية والنشيد واغصان الزيتون وحشود هائلة من المتضامنين الدوليين ووسائل الإعلام العالمية. ان صورة الشعب اللبناني المحتشدة في الميادين، وهي في أبهى صورها الإنسانية، ليس من السهل اعادة تكرارها بين شعب، لم يتعلم بعد معانى الفرح، تربى على تقديس الكفاح المسلح، ويعاني في نفس الوقت من احتلال عسكري طويل، يملك الة بطش جبارة ولا يتورع عن استخدامها ولا يجد قانون في العالم يردعه.
رغم كل هذا، فلا خيار أمامنا كشعب يصر على مواصلة النضال والحصول على حقه في الحياة الا هذا الطريق، طريق المقاومة الشعبية السلمية.

ليست هناك تعليقات: