الثلاثاء، 28 يناير 2020

مبادرة ترامب والموقف الفلسطيني - د. رياض عبدالكريم عواد

مبادرة ترامب والموقف الفلسطيني
د. رياض عبدالكريم عواد

قررت الجمعية العامة التابعة للأمم المتحدة في 29 نوفمبر 1947 إصدار قرار التقسيم بعد التصويت (33 مع، 13 ضد، 10 ممتنع)، والذي يتبنّى خطة تقسيم فلسطين القاضية بإنهاء الانتداب البريطاني على فلسطين، وتقسيم أراضيها إلى 3 كيانات جديدة، دولة عربية على 42.3% من فلسطين، ودولة يهودية على 57.7% من فلسطين، والقدس وبيت لحم والأراضي المجاورة، تحت وصاية دولية.


رفض الجانب العربي والفلسطيني هذا القرار، ما عدا عصبة التحرر الفلسطيني، ولم يجرؤ الحزب العربي الفلسطيني بقيادة النشاشيبي أو أي من السياسيين الإعلان عن وجهة نظرهم الحقيقية بقبول هذا القرار، التي كانوا يعلنوها في المجالس الخاصة، خوفا من التخوين والبطش والتكفير.

تلقف الاتجاه الرئيسي للحركة الصهيونية والوكالة اليهودية هذا القرار وأعلنوا قبولهم لهم، رغم الرفض الشديدة التي ابدتها المعارضة لهذا القرار حيث أعلن مناحيم بيغن، الذي كان في ذلك الحين أحد زعماء المعارضة في الحركة الصهيونية، في 30 نوفمبر 1947، عن بطلان شرعية التقسيم، وأن كل أرض الميعاد والتي تشمل كامل فلسطين الإنتدابية (بما في ذلك شرق الأردن) ملك لليهود وستبقى كذلك إلى الأبد.

كما ان بن غوريون في يونيو 1938، في كلام أمام قيادة الوكالة اليهودية، بشأن اقتراح آخر لتقسيم فلسطين، كان قد أعلن عن نيّته في إزالة التقسيم العربي-اليهودي والاستيلاء على كلّ فلسطين بعد أن تقوى شوكة اليهود بتأسيس وطن لهم.

كما حذر بن غريون من اعتبار القبول بقرار التقسيم تنازلا، لان الصهيونية العميقة هي التي تقدر على التطبيق المتدرج للاهداف والايدلوجيا والتي لا يمكن تحقيقها دفعة واحدة، وخصوصا تحويل فلسطين إلى دولة يهودية، حيث تجبرنا الظروف القائمة على تبني المرحلية في التطبيق. كما سجل بن غوريون في يومياته عشية تأسيس دولة اسرائيل في 14 مايو 1948 "لنأخذ اعلان الاستقلال الامريكي مثالا.... انه لا يحتوي على ذكر للحدود الجغرافية، ونحن لسنا مجبرين على الاعلان عن حدود دولتنا"

وفي قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة الخاص بقبول عضوية إسرائيل، والصادر في 11 مايو 1949 اشترط على اسرائيل بأنها "تتعهد بتطبيق قرارا الجمعية الصادر 29 نوفمبر 1947 (قرار تقسيم فلسطين) و 11 ديسمبر 1948 (قرار حق العودة للاجئين الفلسطينيين) وهذا ما لم يحدث لحد الآن".

من هذا السرد يلاحظ أن قادة الاتجاه الرئيسي في الحركة االصهيونية قد تعاملوا مع القرارات الدولية بمرونة شديدة، خلافا لقناعاتهم الايدلوجية على قاعدة التطبيق التدريجي للأهداف، والتمسك بالهدف الرئيسي وهو إقامة دولة لليهود، ولم يثنيهم عن ذلك موقف المعارضة الذي كان يرفض هذه القرارات ويخون من يقبلها؟!

تأتي مبادرة ترامب، التي يطرح فيها ما يسمى فلسطين الجديدة، في ظل تعرض الفلسطينين وقيادتهم الممثلة ب م ت ف والسلطة الوطنية للحظة سياسية حرجة في ظل ظروف دولية وإقليمية وعربية في غاية السوء، وفي ظل سلخ غزة عن السلطة الوطنية والتهديد بأنه سيكون هو الحل المستقبلي للقضية الفلسطينية.

غني عن الذكر أن هذه المبادرة لا تلبي الحد الأدنى من الحقوق الفلسطينية، كما أنه من المعروف أن الموقف الفلسطيني العام من هذه المبادرة هو نفس الموقف الذي اتخذه الفلسطينيون تاريخيا من جميع المبادرات التي عرضت عليهم، بدءا من الكتاب الأبيض مرورا بقرار التقسيم وليس انتهاء بكامب ديفيد الثانية.

أن الرفض الفلسطيني لهذه المبادرة سيواجه موقف دولي، وقد يكون عربي أيضا، ضاغطا على القيادة الفلسطينية من خلال وقف الدعم المالي والسياسي العربي والأوروبي لهذه السلطة، وكذلك وقف المقاصة الاسرائيلية بهدف تجفيف المنابع الرئيسية لموازنة السلطة والدفع باتجاه انهيارها، خاصة في ظل التحريض المتواصل التي تقوم به أحزاب الإسلام السياسي، مستغلة كل القضايا السياسية والاجتماعية والمطلبية المطروحة، إضافة إلى رفع سقف المطالب الاقتصادية لبعض الفئات المهنية.

ان انهيار السلطة سيؤدي حتما إلى نشر الفوضى، خاصة في الضفة الغربية، والى مزيد من تغول واعتداءات المستوطنين، إضافة إلى عدم الاستقرار الاقتصادي والحياتي الذي قد ينتج عنه موجات من الهجرة إلى الخارج، ويفتح الباب على مصراعيه لعودة ما يسمى بالخيار الاردني.

أن الهجرة من الوطن وانهيار السلطة الوطنية ستكون هي اهم خسارة استراتيجية تنتظرنا في حال رفض هذه المبادرة.

كما أن انهيار السلطة الوطنية سيشجع حكام غزة على تقديم نفسهم كبديل جاهز لهذه السلطة والقيادة، يوافق على مشروع دولة غزة، حتى دون ضرورة الإعلان الصريح عن ذلك. وهذه هي الخسارة الاستراتيجية الثانية، وهو انتصار البديل الإسلامي وما يمثله من خطورة على الأهداف الوطنية في معركة التمثيل للشعب الفلسطيني.

السؤال، هل نستطيع التعامل مع هذه المبادرة كما تعامل الصها ينة مع قرار التقسيم، قبلوا القرار وبنوا على ما هو إيجابي فيه ولمصلحتهم، وعرقلوا غير ذلك، هذا طبعا ليس بالسهل ولا نملك ما يملكه الصها ينة آنذاك من قوة دفع؟!

أن الرفض الشعبي وتحريض الحركات والأحزاب والنشطاء والمثقفين ضد صفقة القرن وما يسمى دولة فلسطين الجديدة واسع وقوي، ولا يتيح لأي قيادة سياسية أن تفكر وتقرر بهدوء، بعيدا عن الابتزاز والتهديد. بالرغم من كل ذلك فإننا على ثقة بأن القيادة الفلسطينية وعلى ضوء الخبرة التاريخية التي تمتلكها، ومعرفتها الأكيدة بحجم الضغوطات التي تملى عليها، والعواقب الوخيمة التي تنتظر الشعب الفلسطيني، ومعرفتها أيضا بعدم جدوى ونتائج الرفض التاريخي الذي مارسته القيادات الفلسطينية السابقة، لمعظم أن لم يكن لجميع المبادرات الدولية. أن هذا الوضع وهذه الخبرة ستمكن القيادة الفلسطينية، بقيادة الرئيس ابو مازن وما يمتلكه من خبرة ومقدرة ومصداقية وواقعية، من اتخاذ القرار الصائب والمناسب لمصلحة الشعب وقضيته ومسيرته النضالية، كما أنها لن تلتفت لكل الفزاعات والرفض اللفظي التي تتشدق بها المعارضة الدينية وبقايا اليسار وكثير من مثقفي الانجوز..

ليست هناك تعليقات: