خطاب الرئيس وسياسة إنعدام اليقين
د.لؤي ديب |
قد نختلف كثيراً مع سياسات الرئيس الفلسطيني علي الصعيد الداخلي الفلسطيني ، لكني لن أختلف معه نهائياً في سياسته الخارجية سابقاً وحالياً .
منذ خطاب الرئيس امام اجتماع وزراء الخارجية العرب ، انطلقت كالعادة حملات التأييد والتهميز علي الخطاب ، لكن دعونا نقرأ سياسة السيد الرئيس بشكل مختلف ونضعه بميزان المنطق .
علينا قبل الولوج للخطاب أن ندرك في أعماقنا أن العالم من حولنا يعيش حروباً مستعرة لكن ! الكثير من الفلسطنيين لا يشعرون بها لانهم تعودوا علي حروب القصف والقتل والتي أضحت الحلقة الأقصر في حروب نهايات الجيل الرابع ودخول الجيل الخامس.
فاليوم فيروس صغير يستنزف الصين ويجعلها غير قادرة علي الوفاء بالتزاماتها الدولية ، بل ويدفعها لتقديم تنازل في المفاوضات حول الاتفاقية التجارية لتعطي حق الانسحاب وعدم الشراء في ظل الكوارث الطبيعية وامريكا لديها كل يومين اعصار ، ونتائج الحرب العالمية تتغير فالمانيا منزوعة السلاح تتسلح والبوارج الحربية لليابان أصبحت قوة في مياه الخليج واقصي الشرق الاسيوي وهناك صراع علي من يقود العالم وتحالفات من اجل اصلاح او تقويض منظومة الامم المتحدة بالكامل لصالح الاقوياء ، وهناك خارطة ترامبية لاعادة رسم حدود العالم الاقتصادية ،
هذا العالم الجديد بكل ما ترونه مطحون في حرب اقتصادية وهجمات سايبر والمنطقة العربية ككل ، كأنها محتلة بشظايا هذه الحرب .
عالم يريدون له علي أن يقوم علي خدمة مصالح الأقوياء ، وما محاولة ترامب وفريقه من صفقة القرن الا لاعطاء اسرائيل مقعد علي طاولة الكبار .
وربما هناك تساؤل يفرض نفسه علي كل فلسطيني ، ما الذي دولة مثل امريكا عمرها 242 سنه ، تنتزع القدس الضاربة في التاريخ لأكثر من 6000 سنه ، ويهديها لكيان اسرائيلي عمره بضع و 70 سنه ؟
ما الذي يجعله يتجرأ ان يعرض علينا تعويض ب 50 نصفه قروض وفوائد والنصف الاخر للجيران وهو يعلم انه اقل مما حصلت عليه طليقة مؤسس موقع امازون في طلاقها الذي حصلت فيه علي 66 مليار ؟
ترامب صحيح وكما ذكر الرئيس لا يعلم شيء عن الخطة ولكن كيف ؟
في الادارة الامريكية هناك انشغال كبير لرسم خارطة جديدة للعالم تتكون من الدول المنتصرة والمهزومة ، وترامب حكم علينا بالهزيمة وطلب من فريقه اعداد اتفاق الاستسلام علي طريقة العالم الجديد دون ان يزعج نفسه .
لذلك ليس الرئيس وحده من يدرك ، بل دول كثيرة في العالم وثقيلة بأن الشعب الفلسطيني برفض صفقة القرن يضيع فرصة واحدة وهي ( الاستسلام للصهاينه)
هو يدرك بأن هناك قوي عالمية وقوي في امريكا لن تسمح بولادة النموذج المسخ للدولة العنصرية والاستعمارية ليتكرر في اجزاء اخرى من العالم.
عالم جديد يتنكر للتاريخ ويكون فيه السرقه الاسرائلية بحث عن السلام ومقاومة ذلك ارهاب .
هو يدرك ان الشعب الفلسطيني لن يفوت كل فرصة لمقاومة اعطاء قاهريهم الحق في قهرهم ، وايضا ان اسرائيل لن تفوت فرصة واحدة لفرض الاذعان علي الشعب الفلسطيني .
هو يدرك وضع العرب وقوة العرب ومخاطر الاشتباك مع العرب ولكن الاهم هو يعرف كيف يُرجع العرب في ظل تعاكس تحالفات العرب .
باختصار وبقراءة مختلفة انا اري خطاب الرئيس بالامس كالتالي :
1/ إشارة واضحة لحل السلطة من مسؤلياتها عن المناطق التي تسيطر او تنوي اسرائيل السيطرة عليها ووضعها تحت سلطة منظمة التحرير .
2/ كل ارض محتلة لها شرعية المواجهة مع اسرائيل ،
3/ ما وضعه ابو مازن علي طاولة اجتماع وزراء الخارجية العرب لم يكن خطاب عابر كالعادة ، ولم يكن تهديد وقرارات لم تنفذ كما السابق ، بل وضع قنبله زمنية بتوقيت انفجار سيتزامن مع حملة تعبئة دولية تهيء لولادة وضع جديد في فلسطين .
4/ هو حرر الجسم الرسمي الفلسطيني من ضغوط السياسة والمال ، وقال اتمسك بادني الادني لكنه في الوقت نفسه قال للميدان في فلسطين افعلوا ما ترونه مناسبا .
5/ هو اخذ العبر من انتفاضة الاقصي وما تلاها ويحاول اللعب باسلوب نضالي مختلف .
6/ مخطيء من يستهين في جدية وقف التنسيق الامني ومخاطره علي اسرائيل بل والعالم اجمع ، ورسالته المختصرة التي وصلت لاسرائيل لا معلومات منا بعد اليوم ، لن نحميكم ، نحن لا نري ولا نسمع ولا نتكلم .
7/ هو زرع انعدام اليقين لدي اسرائيل ، ولديه خطة لا يجب ان يعلنها في خطابه وربما يعكس مفرداتها ، ولكن اليقين الذي سينعدم في كل بيت اسرائيلي ، سيدخل كل بيت فلسطيني سيكون بعد الاعلان عن نتائج جلسة القوي الفلسطينية في غزة ، والتي سوف تتوج بزيارة الرئيس والقاءه الخطاب الوطني الفلسطيني في حضور الشعب الفلسطيني .
8/ الخطاب بالأمس فهمه العالم بطريقة غير سطحية ، لقد كان اخطار استراتيجي للفوضي .
9/ انها مقدمه لانتفاضة شعبية ذكية في الوسائل والادوات وكل شيء وسيناقش ذلك الكل الفلسطيني وليس الكل العربي.
10/ وعلينا كشعب فلسطيني ان نفرق بين الخطاب الموجه للداخل والخارج فتلك هي السياسة.
11/ لمح ان اجهزة الامن الامريكية حضرت وطلبت التريث الي حين سقوط ترامب ورحيله في الانتخابات ويعلم ايضا ان هذا هو مطلب اجهزة الامن الاسرائلية .
12/ جعل من ورقة الانقسام التي كانت طعنة في ظهر الشعب ورقة رابحة ورهان خاسر لمن اعدوا الصفقة .
13/ نجح في انتزاع البيان من الاجتماع رغم ادراكه لحقيقة الامور عربيا وخوف الجميع ، الا انه نجح في انتزاع القرار كاول وثيقة اقليمية في وجه قرار ترامب ، سيلي ذلك قرار من الاتحاد الافريقي ، وقرار اخر من مجموعة عدم الانحياز ، ثم سيذهب لمجلس الامن ليجعله فاشلا في القيام بدوره ، ليعود للجمعية العامة وغيرها ليحارب اخطر ما في الصفقة وهو ان تصبح مرجعية معترف بها للصراع .
14/ وسيكمل صفعته في امريكا عندما يستقبل كل زعيم معارض لترامب ويجعل الصفقة نقمته في اللانتخابات .
ماذا تريدون منه ردة فعل غير محسوبه ، ودماء تسيل في الشوارع ، لا العالم تغير ونحتاج لدهاء ، اسرائيل بنتنياهو وغانتس توحدوا خلف الصفقة وهاجموه بعد ان القي بقنبله يهودية الدولة والاعراق بداخلها وانظروا للسجال في المجتمع الاسرائيلي من بعد الخطاب ، فعلي الاقل المطلوب من كل عاقل الان هو التوحد خلف موقف واحد وانتظار انتهاء اجتماع القوي واتفاقها علي ما لا يجوز اعلانه الان في خطة المواجهة التي ستُعرض وسيكون لكل مكون فلسطيني دور فيها .
فاسرائيل تعيش الان عدم اليقين وانتم ستعانقوه قريبا ، وكل ما اقوله للجميع والجميع بلا استثناء انتظروا .. ثم ناقشوا.. ثم اتفقوا وقريبا وليس ببعيد سيفاجئنا ما اجتمع عليه لم الشمل .
د. لؤي ديب
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق