السبت، 7 مارس 2020

كورونا، بين المكافحة والعادات والتقاليد - د. رياض عبدالكريم عواد

  كورونا، بين المكافحة و العادات والتقاليد

د. رياض عبدالكريم عواد
تمثل مقاومة وباء فيروس كورونا الجديد تحديا حقيقيا للعقلية العشوائية العربية التي تمتاز بالتواكل وعدم الايمان بالممارسة الواعية، وصعوبة التغلب على العادات الموروثة السائدة، إضافة إلى الاستهتار وضعف الالتزام وحب المناكفة والشك في قرار السلطات والحكومات، وصولا الى تبني نظرية المؤامرة، هذا ناهيك عن ضعف الامكانيات، بل فقرها على الصعيد العام والخاص، مقارنة بمتطلبات واحتياجات هذه المقاومة.

نظرية المؤامرة، يواجهنا بها بعض الثوريين من قدامى اليسار والمتدينين الجدد الذي يرددون ان هذا الفيروس مفتعل ومصنع في مختبرات المخابرات الأمريكية أو حتى في مختبرات الصين، كما يدعي بعضهم، في إطار الحرب التجارية بين البلدين، ويدللون على ذلك بانتشار الوباء في الدول المعادية لأمريكيا، مثل إيران التي ترفع نظرية الشيطان الاكبر، وإيطاليا التي تعارض سياسات أمريكيا في أوروبا. كما يتساءل عدد من هؤلاء عن سبب هذا التضخيم الإعلامي حول خطورة الفيروس رغم أنه لم يسبب وفيات مثلما سبب فيروس ايبولا أو حتى فيروس الانفلونزا الموسمية العادي، طبعا غير قادر كثير من هؤلاء أن يعي خطورة أن هذا الفيروس سريع الانتشار، غير قاتل وأنه ينتقل عن طريق الرذاذ.
تتدخل السياسة هنا ايضا، لتعارض القوى السياسية إجراءات الحكومات وتصفها اما بالمبالغة أو حتى بالكذب لتغطى هذه الحكومات، كما تدعي المعارضة والمعارضون، من خلال إجراءاتها على أهدافها الحقيقية وضعفها وملاحقة النشطاء السياسيين؟! عقلية تأمرية بامتياز، لا يرون في الشعوب الا أدوات؟! من هنا حاول هؤلاء تسييس قرار الرئيس ابو مازن، الصحيح والمبرر صحيا ووطنيا، بإعلان حالة الطوارئ في الأراضي المحتلة وحاولوا من خلال رفض هذا القرار تجزئة انتماء هذه الأراضي؟!
منذ بداية انتشار الوباء في إقليم ووهان في الصين والعديد من النشطاء والمثقفين والمختصين ينشرون حول مختلف نواحي هذا الفيروس وطرق انتقاله وخصائصه واختلافه عن الفيروسات الأخرى في امرين هامين:
الأولى، انه فيروس سريع الانتشار غير قاتل، معدل الوفيات بين الأصحاء 1.4%، واجمالي معدل الوفاة من المرض أقل من 4%. ان خاصية سرعة الانتشار لهذا الفيروس مع خاصية الانتقال عن طريق الرذاذ، وليس عن طريق التنفس فقط، وهي الخاصية الثانية، جعل وسائل انتقال هذا الفيروس وانتشاره بين الناس متعددة من خلال لمس أي من الأدوات أو الأجهزة أو الملابس أو حتى الأشياء التي تلوثت، دون أن نشعر، من الرذاذ الذي خرج من أحد المرضى أو المصابين في فترة الحضانة، التي قد تطول إلى أكثر من 14 يوما، خاصة إذا عرفنا أن لهذا الفيروس المقدرة على الحياة على الأشياء في جو الحرارة العادي من 5 إلى 9 ايام، فترة طويلة وحضانة طويلة هما اللتان تجعلان من سرعة انتشار هذا الفيروس الخطر الحقيقي التي تواجه طرق مكافحته.
مكافحة الفيروس لا تعتمد على القرارات والإجراءات التي تتخذها الحكومات والسلطات الصحية، رغم أهميتها القصوى، ولكن ترتكز في الأساس على مدى التزام المجتمع، افرادا ومؤسيات، بكسر سلسلة انتشار هذا الفيروس بين الناس من خلال النظافة العامة وغسل اليدين، تكرارا لمدة 20 ثانية بالصابون والمواد المعقمة، وتقليل الاختلاط في أماكن التجمعات العامة ما أمكن، مع الشفافية في نشر المعلومات والبيانات.
وهنا تصدم مكافحة الفيروس مع عاداتنا، فمن يقنع والدي، الذي يبلغ من العمر 87 سنة، أو حتى يقدر على مناقشته في أهمية عدم الذهاب إلى صلاة الجمعة التي ينتظرها من الاسبوع إلى الاسبوع، رغم ما يعانيه من مشاكل صحية. وكيف نحرم أنفسنا من الذهاب إلى المساجد في اليوم خمس مرات، وهي سلوانا الوحيدة، وكيف نقنع هذا الواعظ ونحرمه من الوقوف فوق المنبر امام عبادالله ليخطب فيهم أو يؤمهم في صلاة الجماعة، الأمر ليس بالسهل ولا الهين. ان مجرد طرح فكرة إغلاق المساجد تجد رفضا نفسيا ممن يطرحها.
لذلك والى حين أن نصل إلى قرار، فإنه من الضروري تقصير وقت الخطبة ومدة الصلوات الجماعية والتخفيف من السجود ورفع السجاد والموكيت من المساجد وفتح الشبابيك بصفة مستمرة وغسل الأرض وتطهيرها يوميا، ونصح كبار السن والأطفال والمرضى بعدم القدوم إلى المساجد، ليس فقط خوفا عليهم، ولكن خوفا منهم على نقل العدوى للبيئة والمجتمع، لانهم الفئات الأكثر عرضة للمرض.
لا تقتصر عاداتنا على الصلوات في المساجد بل تمتد إلى الاعراس والمأتم والدواوين، واستقبال الزوار في المناسبات وغير المناسبات، وفناجين القهوة التي تنتقل من شخص إلى آخر، والارجلية تنتقل من فم إلى فم، لا نستطيع أن نواصل تعداد الكثير من عاداتنا وممارساتنا التي بحاجة الى تغيير سريع تماشيا مع حملة مكافحة وباء الكورونا.
أن مكافحة هذا الوباء هي مهمة مجتمعية عامة تشارك فيها الحكومة بمؤسساتها المتخصصة والمجتمع المدني والمجتمع ككل، افرادا وعائلات، هؤلاء من يعول عليهم، ومن غير التزامهم لا يمكن كسر حلقة نشر الوباء في المجتمع.
ان مشاركة الأفراد الفاعلة في مكافحة الفيروس لا يمكن الاعتماد عليها دون مراقبة حثيثة، فمن يضمن ذلك العائد من العمرة أو من أحد البلاد التي تعاني من هذا الوباء من تقبيل أولاده وأهل بيته، بعد طول انقطاع واشتياق، وهل سيقبل هذا الضيف العزيز أو ذويه الا تقام له الاستقبالات والتهنئة والتقبيل بسلامة العودة والدعاء بقبول العمرة، ستجد من يقول لك خليها على الله..... لا يمكن في مثل بلادنا أن تنجح إجراءات الحجر الصحي في المنازل، أن عاداتنا وتقاليدنا عائق حقيقي أمام هذه المهمة الخطرة.
اننا لا نعرف حجم الامكانيات المادية التي سخرتها الصين في إقليم ووهان، الذي يبلغ عدد سكانه 11 مليون نسمه، يقول البعض أنها خصصت 140 مليار الحقتها ب 28 مليار دولار اخرى، لتنجح حتى اللحظة في الحد من نسبة انتشار الوباء وزيادة معدلات الشفاء. لقد سخرت الصين 45 مستشفى، 39 مستشفى منهم للعناية المكثفة بمرضى الكورونا، ووفرت كل الامكانيات وأجرت العديد من المناورات الطبية، واستخدمت كل وسائل التقنية الحديثة، وشارك الشعب بمختلف قطاعاته وفئاته في عزف سمفونية مشتركة، بالتزام حديدي واعي، نتج عنه سرعة تحقيق النجاحات على طريق الوصول إلى احتواء هذا الوباء. كما وافق الكونجرس الأمريكي على دعم القطاع الصحي ب 8.3 مليار دولار لمكافحة وباء الكورونا، هذه الامكانيات والإجراءات لا تمتلكها الشعوب الضعيفة ولا تستطيع الالتزام بها الشعوب العشوائية.
ان تحول إيران وإيطاليا إلى بؤرتين خطيرتين لانتشار وتفشي هذا المرض، وتسجيل معدلات وفيات مرتفعة مقارنة بالصين، وضعف وفقر إمكانياتنا على الصعيد العام والشخصي، إضافة إلى عاداتنا وموروثنا وعقليتنا البالية، كل هذه وغيرها تدق ناقوس الخطر أمام كل الشعوب والدول النامية لترفع شعار "درهم وقاية خير من قنطار علاج"، خاصة وأنها قد لا تمتلك هذا القنطار.

ليست هناك تعليقات: