الجسد بين التقديس والإبتذال - عبير فـؤاد
قبل فترة ليست بالبعيدة كنت قد قرأت على موقع خبرني في زاوية افتح قلبك موضوع عن الجسد للكاتب جميل حمد وقرأت ايضا تعليقات المشاركين عن الموضوع مما استفزني للبحث والتقصي عن مفهوم واضح لفكرة الجسد. تكاد كل المعارف والكتب الدينية الفكريه والتي تهتم بالميثولوجيا والاساطيرتهتم بما هو فكري وروحي وتعلي من شأنه وتضعه في مكان المقدس ."لاتفكر الروح بدون جسد "هكذا كان يقول أرسطو لقد كان الجسد هو المعبر عن كل افكار السلطة الحاكمه والسلطه الدينيه من خلال الاعمال المسرحيه التي كانت تقام على مسارح اثينا وتوصلمن خلال الجسد في العمل المسرحي كل الرسائل السياسيه التي تريد والقيم والمثل من اجل ديمومة .
الولاء ولقد كان الجسد يمتثل لأوامر الروح او الافكار ولقد كانت الكنيسة تنظر الى الانسان على انه خلق ((على صورة الله)) وان السيد المسيح كان كلمه ((في البدء كان الكلمه)) واصبح جسدا وفي الاسلام ان سيدنا المسيح هو روح من عند الله ولقد اعلت الكنيسه من قيمة الروح الفكرة وحطت من شأن الجسد واعتبرته شيئا مدنساً الى درجة القرف منه فهو الجسد الرذيلة الخطيئه وان الجسد المسؤول عن الخروج من الجنه لانه اشتهى الفاكهة وعصى أوامر الروح الخالده وعصى الوصاية العظيمه التي وكّلت اليه لقد كان الجسد خائنا للروح ووفيا للذه والرغبه والغريزه لذا حكم عليه بالنفي لانه لم يستطيع الصبر وعندما نزل الى الأرض نزل الدرجات الدنيا السفلى أصبح ليس له ارتباط بالمقدس بل أصبح مدنسا مرتبطا بالشرور والاثام ومأساة السيد المسيح خير مثال على تحمل الجسد العذاب والصلب ليخلص الروح ولقد ضحى السيد المسيح بالجسد من اجل صفاء الروح وطهارتها صلب وتحمل العذاب من اجل الخلاص وهذه الفكره التي هضمتها الكنيسه فكان المبدأ عندها تحويل الجسد اللى وسيلة وطريق الى الخلاص. وفي الفكر الفلسفي ديكارت مثلا وثنائية الروح والجسد يعتبر ديكارت ان الروح ذات طبيعة غازية روحية مجرده روح نفح الاله رمز للحياة والديمومة والخلود اما الجسد فهو تراب ماده منحطه الجسد مصيره الزوال الروح شيئ كلي لا يقسم ولا يجزء قال ديكارت(( قد استطيع ان افترض ان لا جسم لي ولا مكان أحل فيه , ولكنني لا استطيع لهذا ان افترض انني غير موجود)) ان الوجود عند ديكارت ليس مرتبط بالجسد بل مرتبط بالعقل بالروح وان مسألة التفكير مسألة روحيه في الفكر الاسلامي لقد ارتبط مفهوم الجسد بمفهوم الصنم فالرسول عندما اتى الى الامه الاسلاميه دعا الى توحيد الله ونبذ كل الاجسام ((الاصنام))وفي الفكر الصوفي دعا الى نبذ كل مظاهر الترف والزينة والرفاه للجسد ودعا في المقابل العذاب الخلاص الانعتاق لقد حارب الفكر الصوفي الجسد وجعله عدوه الدنيا وفي الاخره ولقد فضل الصوفيه الامتناع عن الملذات والشهوات وجعلوها لذة حيوانية وخير دليل على ذلك الحلاج حينما وافق غلى الصلب رغم ان الصلب في الاسلام حرام لانه اراد التخلص من هذا الجسد الهارئ البالي والالتحاق بالملكوت الأعلى والحلول في ذات الهية خالده.. اما الشيعة كطائفة روحيه اخرى فهي لا تتهاون في تعذيب الجسد انظر قوافل الموت وهي تحيي ذكرى كربلاء كيف تضرب بالاجراس والسيوف والسلاسل هذا الجسد وتضرب باليد على الرأس والصدر ((اللطم)) اما في الثقافة الشعبية لقد ظلت وفيه للثقافه الدينيه وللمناخ الفكري صوفي-_ شيعي وفي العالم العربي مثلا في مصر ورقصة الزار الرقص والدوران حتى اتعاب الجسد وارهاقه وغياب الوعي وانعتاق الروح.
لقد ظل تحقير الجسد وأعلاء فكرة الروح قائما للأن حتى ونحن ندلل على علاقتنا العاطفيه نقول بأن هذا الحب روحاني اي انه شيئ مقدس منزه عن الغرائز الجسديه الحقيره وفي هذا ادانة واضحة للجسد .
الجسد والثقافة الاستهلاكية لقد كانت العروض الاستعراضية القائمة على الجسد موجوده كما اسلفت منذ القدم حيث كان لدى الأغريق العابهم الألومبيه وكذلك احتفالتهم الشعريه والمسرحية ومسابقاتهم الخطابية وكان لدى الرومان ساحات عروضهم وطقوسهم السريه وهكذا كان العرض والاستعراض لها جذور قديمة ان الجانب المهم الخاص الاستعراض هو المشاهد المستجيب والمستهلك لنظام اجتماعي يقوم على اساس الخضوع والمسايره والاعلاء من شان الاختلافات القابلة للتسويق ومن خلال جعل الاقتصاد مسليا ومرفها اصبحت اشكال الترفيه كالتلفزيون والسينما والعاب الفيديو من القطاعات الرئيسية للدخل القومي في بعض الدول الى درجة انه اصبح المال المستثمر في الولايات المتحدة يقدر بنحو 480بليون دولار وفي عالم المال والاعمال اصبح لعامل المتعه والبهجة قيمة ترجيحيه بالنسبة الى بعض المنتجات واصبح الجسد هو السلعة التي يجب ان تسوق اي منتج واصبحنا لانرى اي مادة اعلانيه عن اي سلعة بدون الظهور الطاغي للجسد وبأشكال مبتذلة الى درجة العري الفاضح ولا يمكن لاي عمل من ان ينجح دون ما يتم استغلال الجسد بأبشع صورة......ليبقى السؤال الحائر هل نستطيع ان ننتصر للجسد ونحميه من الابتذال؟؟؟
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق