الاثنين، 28 يناير 2013

لماذا تركت الحِصان وحيداً؟ - ‎محمد الشيخ يوسف‎

لماذا تركت الحِصان وحيداً؟ 
 ‎محمد الشيخ يوسف‎
أُفَكِرُ دائماً في البدايات، أقصد بدايات الأشياء، مثلاً الأسماء وكيف أن الإنسان مُعجب دائماً بأشياء تختلف عنه، كالحيوانات والنباتات، والجماد لذلك تجده يطلق على نفسه أسماء متعددة تحملُ صفاتها أو اسمها المطلق المجرد، وأكثر الناس يميلون لأسماء الحيوانات الذكية والقوية والأصيلة، أو النباتات الجميلة، وإن كان جماداً فلأن له دلالات القوة والعزم، كالحسام مثلاً، لذلك أعتقد أن أغلب الأسماء التي أوجدها الإنسان هي أسماء غير أصيلة، ومصدرها الإعجاب لا أكثر، فمهما كان اسمك فهو لا يعني أبداً أنك تتصفُ به، بل لينادى به لا أكثر، لذلك أحياناً قد تنادي أحداً باسمٍ لا يليقُ به، بل إن الاسم لا يتفق مع صفاته ويتناقض معها، كأن تقول : " لبيب هو شخص غبي"، أو " خالد مات" .

أُفَكِرُ أيضاً في الذي اخترعَ الحنين، وللتخصيص أكثر، في الذي ابتكر سلوكيات الغربةِ، فتجد أن أكثر الناس يمارسون نوعاً مشتركاً من الحنين، وهو مديح ما تركوه، رغم أنهم قد تركوه، والاشتياق إلى تفاصيل دقيقة، كانوا قد ضجروا منها، مثل أن تسمع في بعض الحوارات من أحدهم، وهو يصف لكَ كيف أن "الخبز، والزعتر، والزيتون، والقهوة" التي تأتيه من بلده، لا تعوض أبداً، وأنها من أطيب ما أكل وشرب، رغم أن آخراً يقول ما يقوله الأول عن ذات الأشياء، إلا أن مصدرها بلاد ثانية، وأنا لا أعتقد أن سلوكيات الحنين هذه تتعدى كونها مجرد ميراث ممن ابتكر فكرة الحنين الأولى، وأُعجِبَ الناس فيها، فمارسوها عن ظهر قلبٍ وبكاملِ حاجتهم لأن يعيشوا طقوس منفاهم وغربتهم من ذكريات، وأغنيات، وبكاء، وحكايات يعيدون تكرارها في كل حديثٍ بذات الحماسة والتفاصيل، ربما هو خلافٌ بين الهوية والذاكرة لا أكثر !

أُفَكِرُ في المُصادَفة التي تربطُ بين أنني قد أخذتُ من غزة كتابين فقط، الأول "لماذا تركت الحِصان وحيداً؟" وبالطبعِ لم أجب على هذا السؤال بعد رغم أنني أذكرُ تعبي من ركوبِ الحصان الكسيح، والكتاب الثاني كان "سرُّ الصبر"، وقد فكرتُ كثيراً بالسِرِ ولم أجده، إلا أنني ما زلتُ أبحث وأحاول، تُرى هل تركتُ الحصان وحيداً لأعرف سر الصبر ؟
واليوم وصلني كتاب ثالث من صديقتي يمامة التي هي كاليمامة فلا تناقض في الاسم والصفة، هذا الكتاب غريب، جاء من غربته، وعاد إلى غزة، ثم سافر ثانيةً إليَّ، كتاب "دروز بلغراد" الذي يتكلم عن التغريبة والمنفى، منفاكَ الذي لم تختره لكنه اختاركَ، إذاً هل تركتُ الحِصان وحيداً لأعرف سر الصبر في المنفى ؟


ليست هناك تعليقات: