عبد اللطيف اللعبي والطقوس
الجنائزية
![]() |
بدرالدين الخمالي |
بقدر ما هو شاعري و مؤثر
ومشروع بقدر ما هو سطحي وتافه وينم عن قصور فكري ومعرفي كبير و عن
الأعراض النفسية الخطيرة التي قد تصيب الإنسان في نهاية عمره ، ذلك هو رأيي في
الموقف الذي صدر عن الشاعر والمثقف المغربي المقيم بباريس عبد اللطيف
اللعبي الذي كتب في مقاله ( حرية الاعتقاد في الحياة وفي مواجهة الموت ) الشبيه
بالوصية الأخيرة ، بأن يكون موته لائكيا كما مواقفه في حياته وان
يكون حفل تأبينه اللائكي متضمنا لقراءات شعرية ووصلات غنائية وأناشيد
الحب والثورة التي طالما استمع لها واستمتع بها في حياته كما يطلب في
الأخير أن تحترم إرادته في أن يدفن ببلده المغرب وان تدفن إلى جانبه شريكة
حياته المسيحية المنشأ العلمانية المبدأ المغربية الهوى في مربع خاص العلمانيين داخل مقابر المسلمين .
أقول بأن موقفه هذا
شاعري ومؤثر لأنه يذكرني بقصائد اللعبي ذاته التي تحملك إلى عوالم غير
اعتيادية إلى طقوس منسية إلى أشباه الجنائز والى أماكن مخفية في ذاكرة
الحمق والى حياة بطعم العبث لا تنفصل عن فوضى كامنة في الذات و اللغة والأخر
وعن الموت حين ينقلنا إلى سفر أخر بعيدا عن بيوت الوهم رفقة الحبيبة و
رفيقة العمر التي توحدت بروحها الروح ...فيالها من شاعرية و ياله من إخلاص
ووفاء يلقيق بمثقفين وشاعرين كبيرين كعبد اللطيف اللعبي وزوجته السيدة
جوسلين.
ثم أقول بان ما كتبه في
مقاله مشروع بداهة من باب ( كل واحد يضبر لراسو )و ( شغلو هاداك ) و أن
السيد اللعبي له الحق وكامل الحرية في اختيار الطريقة والطقوس الجنائزية التي يريد أن يدفن بها وله الحق في أن يجهر بما يحلو له في هذا
الباب حتى ولو كان تخصيص مقبرة خاصة بالملحدين والعلمانيين في بلاد
المسلمين من باب حرية العقيدة و حرية الرأي وهلم جرا من الحريات الفردية
مادام هذا الأمر يخص هؤلاء الناس على شرط أن يكون هناك قانون صادر عن
البرلمان المغربي ينظم مثل هذه الحالات وان لا يكون الأمر تبعا للأهواء و
النزوات الشخصية وأظن بان العلمانيون المغاربة يفهمون هذا الأمر جيدا
فتنظيم الجنازات والدفن هي من النظام العام ينظمها القانون وفق المبادئ الدينية و الصحة العامة ولا
يمكن أن يتم تركها بأي حال من
الأحوال لأهواء الأشخاص ونزواتهم والمسالة هنا لا تتعلق بشكل الطقس الجنائزي على
انه مجرد تقاليد وعادات كما يتصوره عبد اللطيف اللعبي الذي بالمناسبة
لن يفيده في أي شيء ان تعزف عليه موسيقى باخ أو أن يقرا عليه القران حين
يصبح جثة هامدة أو عندما تخصص له بقعة لا تتجاوز مترين سيتم حشوه فيها بل
الأمر متعلق بنظام عام يستند في تنظيمه للجنائز في المغرب على أحكام
الدين الإسلامي وفق فقه الإمام مالك و مرتبط بذوي حقوق يمتون برابطة
القرابة والنسب للهالك يهمهم ان يعرفوا ان كان عبد
اللطيف اللعبي مثلا قد
خرج عن ملة الإسلام أم لا كي تتبث حقوقهم في الإرث ام تذهب ادراج الرياح .
قد يتفق معي الأستاذ عبد
اللطيف اللعبي وكل الذين يتقاسمون رأيه ان الحرية ترتبط ارتباطا
وثيقا بالقانون و بالإجراءات الشكلية خاصة في فرنسا التي يعيش بها و نفس
الأمر بالمغرب حيث يريد ان يرقد بعد نهاية العمر بسلام لذلك فالمسالة جد
بسيطة لكي تتحقق رغبة عبد اللطيف اللعبي وأمنياته في ان يكون طقسه
الجنائزي خاليا من المظاهر الدينية الإسلامية ( صلاة الجنازة أساسا ) وهي ان
يتقدم إلى إحدى المحاكم المغربية بطلب يعلن فيه تخليه عن الإسلام وردته
عن أحكامه وكفره بشريعته مما يتيح له لإمكانية القانونية في طلب عدم
إقامة طقوس الجنازة الإسلامية على جثته و ان يخصص له طبقا للقانون مربعا
ترابيا ليدفن فيه بجانب شريكته والتي لها ان تقدم كذلك طلبا قيد حياتها
إلى السلطات كي يتم البث فيه وعليهما ان يناضلا بشراسة من اجل تحقيق هذا
الأمر في حال رفضت السلطات طلبهما وان يعتصما أمام البرلمان ويجوبا
شوارع الرباط ومراكش وبولمان لتعبئة الجماهير من اجل إحقاق الحق ورد
العدل إلى نصابه وان يؤسس رفقة العلمانيين المغاربة والأجانب حزبا للدفن
والجنازات العلمانية وان لا يفتر ساعة من زمن من اجل تحقيق هذا المطلب
الديمقراطي إلى ان يقضي الله أمرا كان مفعولا .
لذلك نقول للسيد اللعبي
بدل ان تكتب مقالا تزايد فيه على خلق الله بهلامياتك ان تتقدم وفق
الإجراءات المنصوص عليها قانونيا من اجل الحصول على حقك وفق قانون
الأحوال الشخصية المغربي و القانون المتعلق بدفن الجثت في ان يخصص لجثمانك طقس
جنائزي يليق بالأفكار اللائكية التي حملتها طيلة حياتك و دافعت عنها وفق
ما تشتهي وتحب وهذا سيكون سابقة من نوعها وأمرا جديرا بالتقدير طبعا من
قبل جمعيات حقوق الإنسان و شركات الجنائز والدفن التي ستتنافس فيما بينها
وستبدع في طرق الدفن اللائكي الرائعة كما صورها اللعبي في مقاله.
يتبقى لنا هنا مسالة عمق
المطلب الذي عبر عنه الأستاذ اللعبي بحرية العقيدة والانسجام
الفكري مع المذهب اللائكي الذي يتبناه والذي يعتبر في عرفه انه ليس للإنسان
سوى حياة واحدة فإذا مات تحول إلى تراب وانتهى أمره فما الداعي إلى كل
الطقوس الزائفة التي تصاحب موته مادام أنها لن تنفعه ولن تضره في شيء وما
الداعي إلى ان يدفن إلى جانب من يحب إذا كان الشعور والإحساس قد انتهى إلى
غير رجعة بانطفاء جذوة الحياة في الجسد إلا إذا كانت الأوهام والخرافة
تسيطر على العقل العلماني وتدفعه إلى التوهم ان هناك حياة ما تحت التراب
يستمر فيها الإحساس كما كان حتى والعظام نخرة وتستمر فيها النزوة
والرغبة كما صورها الشاعر السكير أبو محجن الثقفي حين قال (إذا متُ فادفنّي
إلى أصل كرمةٍ تُروي عظامي في الممات عروقها ولا تدفنوني فـي الفلاة
فإنّنـي أخـاف إذا مُـتّ أن لا أذوقـها ) الحقيقة هو ان فلسفة
العبث المادية تصطدم في النهاية بالحقيقة المطلقة للموت و بالانهيار
القاهر للإنسان أمام ضعفه الوجودي أمام سخرية مادية لاذعة تواجه الجسد
والروح معا في نهاية المطاف حين تفقد الإرادة مدلولاتها والحرية
جوهرها أمام صدمة الموت التي لا تنفع أمامها طقوس أو بكاء أو طريقة معينة
للدفن حين ينتهي جسد الكائن إلى مصيره وحيدا كما جاء خاليا من شوائب الدنيا
إلا من تراب يملئ فاه وعيناه فاقدا للانسة منعزلا بقهر عن الاخر في غياهب
الصمت وحين تنتهي روحه التي كانت تمنحه الحياة إلى محطتها القصوى
متحررة من الوهم و من كل شيء نحو الحقيقة العظمى كما يقول سيدنا علي بن أبي
طالب ( الناس نيام فإذا ماتوا انتبهوا ) أرجو ان لا يكون انتباه
عبد اللطيف اللعبي قاسيا ومريعا و أرجو ان لا
تكون النهاية تافهة كما
الحياة المادية ذاتها التي تفنن البشر في إنتاج كل عبثها وعشوائيتها و
إفراغها من مدلولاتها والنفخ في الأنا كما لو ان الإنسان يدرك كل شيء كما
لو انه قادر على فعل كل شيء بما يملك من حكمة و منطق ، غافلا ومتغافلا
بتهور و نزق و سلطة متعسفة على الطبيعة والذات عن المصير الحتمي قبل ان
ينتهي به الأمر في أخر المطاف بحفرة هنا أو هناك ثم لتبدأ الحقيقة القاسية.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق