الثلاثاء، 9 يوليو 2013

إطلالة من روما - دليلة حياوي

إطلالة من روما
 دليلة حياوي

يا من يمغربنا لله!
مرة بعد مرة تتفاجأ عيناي بما لم أعهده في بلدي وكأن سنوات اغترابي عنه طويلة طول الدهر!.. أو زياراتي له متباعدة تباعد ذاك الدهر!.. بات التغيير السمة الغالبة والواسمة لكل شيء.. وكيلا أكون سوداوية الرؤية أو عدمية.. فطبعا هناك التغيير نحو الأفضل ببصمة التطور والتنميّة وهو تغيير مبارك ومحمود أحني له هامتي احتراما.. وأقول "أحنيها" لأن فخري بوطني يجعلها في العنان!.. وهناك التغيير نحو الأسوأ ببصمة التقهقر والتبعية.. وهو تغيير لا أملك أمامه سوى استعارة ما كانت تُستنفر به جينات الكرم بين أوساط أحياء مراكش كل جمعة: "صدقة لله يا محسنين!".. "يا من يطعمنا لله.. الله يرحم الوالدين!".. لأصدح بدوري: "مغرب لله يا محسنين!".. "يا من يمغربنا لله.. الله يرحم الوالدين"..
لقد بتُّ لا أكاد أميز بالملامح والحلي والحُلل تلك الجينات والأعراق الأمازيغية والعربية والأندلسية والزنجية المتجانسة في تفرّد وتناغم والتي دأبت عيناي على التكحّل بها.. الخليج وتركيا يكادان يصادران الخَلق والخُلُق.. لحى الرجال المطلقة وشواربهم المحفوفة وقمصانهم البيضاء وسروايلهم القصيرة التي تخاصم الأكعاب بجفاء و"صنادلهم" الجلدية المنتعلة صيفا وشتاءً.. تجعلني أستحضر شيوخ أهوال القبور بشاشات البترودولار المتناسلة في الفضاء!
طريقة رسم بعض النساء لحواجبهن وظلال العيون الفاقعة بأجفانهن وما يرتديه البعض الآخر من عباءات سود أو "شادورات" تجعلني ألتفت يمنة ويسرة وأنا أجوب أزقة مراكش أو فاس أو تطوان... مخافة أن أجْلَد بسوط فِرَق الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.. هذا إذا لم يسلبني "القفطان" حريتي وأحالني جاريةً مملوكةً ببلاط السلاطين العثمانيين الذين هزمهم أجدادي المغاربة قديماً صوناً لخصوصيتنا.. وهاهي شاشات القطب العمومي بتمويل من شركات "الشامبو" تتفنن في بث "خرداتهم" التخديرية المروجة لحُلم "أردوغان" بالخلافة التوسعية!
لا أكاد أفهم لماذا الراغبات في الحشمة من بنات بلدي يزهدن في "الحايك" البيضاوي بلونه "الشمعي" والوجدي"المسكي" والمسفيوي بخطه الأخضر والصويري البُني ويفضلن خيام شبه الجزيرة وأكياس قندهار!؟.. لا أكاد أفهم لماذا توثر الراغبات في النقاب برقع الإمارات ويزهدن في اللثام المغربي المطرز الذي يحكي لونه وقماشه وحجمه وتطريزه الفاسي، والرباطي، والتطواني، ملاحم المنطقة التي تنحدر منها المتشحة به؟!.. لا أكاد أفهم لماذا أطاحت رؤوس الرجال الراغبة في التوقير بالعمامة الحسانية و"العصابة" الزيانية.. والطاقية المراكشية -المائلة في دلال ـ وزميلتها الأطلسية السميكة.. والشاشية المخزنية والطربوش التونسي الأحمرين وزميلهما الوطني الأسود والبني.. وباتت تعتمر خوذات البنغلاديش وماليزيا والباكستان.. وغيرها من أراضٍ يركب أهلها الأفيال!؟.. لا أكاد أفهم لماذا خاصمت الأقدام "البلغة" المغربية التي كانت طريقة دبغ جلدها تعرّف بأصل منتعلها.. كالبلغة الرقيقة الفاسية، وبلغة "الطبيب" الصقيلة أو "نصف قدم" المراكشيتين، و"تامقشّرت" الأمازيغية وصندل الأصبع الحسّاني؟.. لا أكاد أفهم التبعية ونحن حفدة أسلاف أبلوا البلاء الحسن منذ عصور!.. أسلاف تصدوا لزحف المشارقة لأربعين عاماً كاملة في وقت كانت امبراطوريات العالم الكبرى تتهاوى أمام جِمالهم وسيوفهم كأوراق التوت.. وأقصد الروم وفارس.. وحتى عندما تمكّنوا من دخول المغرب.. فأجدادنا اعتنقوا الرسالة المحمدية الشريفة وأعلنوا استقلالهم بعد سنوات لم تكن بالطويلة مؤسسين بتواتر سلالاتهم لامبراطورية بكل المقومات في الغرب الإسلامي كانت تمتد من جنوب أوروبا إلى أدغال إفريقيا!..


ليست هناك تعليقات: