الاثنين، 22 يوليو 2013

ثورة لا إنقلاب بقلم: القاضي الدكتور محمد عطيه

ثورة لا إنقلاب بقلم : القاضي الدكتور محمد عطيه

 القاضي الدكتور محمد عطيه
إن ما يحدث فى مصر فى الأونه الأخيرة وما أُثير من تفسيرات قانونية إتجه بعضها الى محاولة إسباغ المشروعية على ما حدث وذهب البعض الاخر إلى إيجاد تفسيرات تخلع كل مشروعية عن ثورة 30 يونيو.

ويحتاج الأمر منا إلى العوده إلى بداية فكرة الديموقراطيه ” وهى لغويّاً، كلمةٌ مركبة مِن كلمتين: الأولى مشتقة من الكلمة اليونانية Δήμος أو Demos وتعني عامة الناس، والثانية Κρατία أو kratia وتعني حكم.
وبهذا تكون الديمقراطية Demoacratia تَعني لغةً ‘حكم الشعب’ أو ‘حكم الشعب لِنفسهِ’. والتى كان أول ظهور لها فى عهد الإمبراطورىة الرومانيه والتى عرفت آنذاك بالديمقراطيه المباشره ” أو الديمقراطية النقية ” حيث كانت جموع الشعب تُستدعى للإدلاء برأيها بشكل مباشر فيما يراد أخذ رأيهم فيه ويقال أن طريقة التصويت المباشره كانت تتم عن طريق منح كافة الحاضرين تفاحات وكان من يقبل القرارات يلتهم التفاحه، أما الرافضين فكانوا يتركونها ويحسب عدد الحاضرين ويحسب عدد التفاحات غير المأكوله ومن هنا يُحدد أذا كانت تلك القرارات قد قُبلت أم رُفضت وكان الغالب هو القبول نظراً لأن فقراء روما كانوا يأكلون التفاحه جوعاً لا رأياً وما زالت سويسرا هي أقرب دولة إلى هذا النظام.

ومع إزدياد أعداد السكان وكثرة الأمور التى تحتاج إلى قرارات تحولت الديموقراطية المباشرة إلى الديموقراطيه غير المباشرة عن طريق إختيار نواب عن العامه بطريق الإنتخاب يكونوا ممثلين لهم فى عمليات التصويت ثم غدا الأمر مع التطور والتكنولوجيا إلى اللجوء إلى صناديق الإنتخاب أو الإنتخاب الإليكترونى.

ومما تقدم يكون ما حدث فى مصر هو رجوع فى ممارسة الديموقراطية إلى سيرتها الأولى بأن نزلت جموع الشعب ” بلغ تقدير جوجل للمظاهرات المطالبه بإسقاط النظام لرقم 33 مليون علماً بأن عدد من يحق لهم التصويت فى مصر قرابة الـ 50 مليون وأن الرئيس المعزول نجح بما لا يزيد عن 13 مليون “.

وبالنظره القانونيه الدقيقه يجب علينا التفرقه بين الشرعيه والمشروعيه فنظرية الشرعية دائماً يكون سيدها الشعب ولا تعلو على شرعيتة أية شرعية أخرى, فالشعب هو مصدر السلطات وهو من يفوض كل مسئول بما فيهم رئيس الدوله فى ممارسة سلطاتة فالرئيس هنا هو وكيل الشعب فى إدارة الدولة ولكن يبقى الشعب هو الأصيل وما بين الشعب والرئيس هو عقد من عقود الوكالة إذا ما خرج فيه الوكيل عن نطاق وكالته أو وجد الأصيل أن إدارة الوكيل تهدد مصالحة فإن للأصيل دائماً حق سحب الوكاله والعوده لممارسة كامل صلاحياتة دون وكيل.

والجلى الظاهر أن الوكيل – فى الحالة المصريه – قد أخل بمقتضيات الوكالة وأفقد نفسة الشرعيه الشعبيه التى هى مصدر سلطته فالرئيس الذى يُقسم على إحترام دستور حتى لو كان اعلاناً دستورياً – ثم يحنث بقسمه مصدراً إعلاناً دستورياً يزيد فى نطاق وكالته التى منحه الشعب إياها ويضم لنفسه سلطة التشريع ثم يعقب هذا باعلان دستورى “مع العلم أنه ليس له الحق فى إصدار مثل تلك الاعلانات الدستوريه وهو ما تأكد بحكم المحكمه الدستوربه العليا بشأن تحصين مجلس الشورى” ويأتى الإعلان الدستورى الثانى ينتهك به السلطه الأعلى فى كل الدول الديموقراطيه وهى سلطة القضاء بأن يُحصن قراراته من كل سبل الطعن ويتدخل فى دعاوى منظورة أمام القضاء ما يكون معه هذا الرئيس قد أفقد نفسة الشرعيه القانونيه .

فالشرعيه لها صور ثلاث أولهما شرعية شعبيه تتمثل فى تأييد الشعب لرئيس الدوله وهى التى فقدت أبان ثورة 30 يونيو ومثالها الأبرز فى التاريخ المصرى شرعية الرئيس عبد الناصر والذى كان مدعوماً بشرعية شعبية نتاج التأييد المطلق للشعب فى أغلبه لكل قراراته وشرعية القوة متمثلة فى قوه عسكريه تجبر الجميع على احترام قررات الرئيس وإن كانت مثل هذه الشرعيه تكون غالبة فى نطاق الحكم الديكتاتورى المستند إلى القوه المستبده فإن هذه الشرعيه حتى فقدها الرئيس المعزول بإنتصار القوى المصريه الممثله فى الجيش والشرطه إلى الإراده الشعبيه ويتبقى للشرعية وجه ثالث يتمثل فى الشرعية القانونيه وهى اعتراف القضاء بأحكام تصدر عنه بشرعية الرئيس وهى الشرعيه التى فقدها الرئيس تماماً بمعاداته للقضاء ودخوله فى صدام مباشر معه ومحاولة اختراقه وتقويضه و تعضدت بحكم المحكمه الدستوريه العليا ومحكمة الجنح المستأنفه بالاسماعيليه والتى انتهت إلى أن الرئيس المعزول واحد من 34 هارب تخابروا واستعانوا بقوه أجنبيه لتهريبهم من سجن وادى النطرون.

ويتبين مما تقدم أن الرئيس فقد مقومات الشرعيه الثلاث ويضاف إلى ذلك أن الشرعية جناح يرافقه المشروعية, المشروعية هنا هى قبول ورضا المحكوم بقرارات الحاكم فحصول الحاكم على الأغلبيه فى الانتخابات لا يمنحه صكاً دائماً بمشروعية قراراته وتصرفاته بل أن هذه المشروعيه متجدده يومياً والتشبيه هنا حالة الزوج الذى يحمل وثيقة الزواج والتى تخوله حق الطاعة على زوجته وهى ما يمكن تشبيها إعتبارها الشرعيه أما نيل هذا الحق فلا يكون الا برضاء الزوجة وهى هنا تمثل المشروعيه .

وعندما يكون رئيس دولة لا ينال تأييد الشعب والقضاء والجيش والشرطه فلا تسأل عن شرعيه أو مشروعيه فلا أدل على ذلك من قراره منذ فترة بفرض حظر التجوال بمنطقة القناة وهو الحظر الذى لم يستطع تنفيذه وكان بداية الاعلان عن عدم مشروعيته ولا يقدح فى ذلك ما يسوقه المؤيدين للرئيس المعزول من كون الشرعيه معه وأن الكلمه للصناديق وما دون ذلك هو ردة للديمقراطيه إذ أن الأمر مردودُ عليه بأن الرئيس المخلوع مبارك كان قبل ثورة 25 يناير رئيس منتخب فى إنتخابات تعدديه وتحت إشراف قضائى كامل وكانت له ستة أشهر طلب هو إستكمالها ورفضت الثوره الشعبية ذلك ولا يقدح فى الأمر ما قد يردده البعض من أن هذا كان نظام فاسد وأن تلك الانتخابات كان مشكوك فى صحتها اذ إن الرد البسيط يتمثل فى أن النظام المعزول هو نظام فاشى وفاسد بل يصل الأمر لإتهام واضح بالخيانه العظمى لمسئولية الرئيس عن تصريحات مستشاره السياسي بإستدعاء التدخل الأجنبى فى مصر وكذلك فإن الانتخابات التى أتى بها مطعون فى صحتها وشرعيتها من قبيل منافسه أحمد شفيق وأنصاره الأمر الذى يتأكد معه لكل مُنصف أن ما حدث فى مصر ثورة شعبية إنتصر فيها القضاء والجيش والشرطه للإراده الشعبيه فى إسقاط نظام أفقد نفسه مشروعيته وشرعيته .

19 يوليو 2013

ليست هناك تعليقات: