الأربعاء، 10 يوليو 2013

ضرورة صيانة الوحدة الوطنية لمصر والحفاظ على استقرارها - ذ.امحمد كرين

ضرورة صيانة الوحدة الوطنية لمصر والحفاظ على استقرارها
بقلم ذ.امحمد كرين

إن ما يجري في مصر من أحداث يسائلنا في المغرب ويستحق منا كل الاهتمام ان على المستوى الشعبي ولكن بالأساس على مستوى نخبنا من سياسيين وباحثين ومثقفين على العموم.

إلاَّ أن الطريقة التي يتعامل معها السياسيون وسائر المهتمين المغاربة تبقى مَشُوبَة بنوع من المزايدة والتخندق الذي أصبح من مميزات النقاش العمومي في بلادنا فالكل ينطلق من "قناعات" محددة ليختار خندقه وينطلق في الدفاع عنه بلا هوادة. وهكذا أصبحنا وكأن البعض في ساحة رابعة العدوية والآخر في ميدان التحرير كل يتكلم عن شرعيته : إما "ثورية" بالنسبة لمعارضي الدكتور محمد مرسي أو "ديموقراطية" بالنسبة لمسانديه.

وهكذا فإن المعيقات الأساسية للنقاش السياسي في بلادنا برزت بوضوح من خلال تعاطي نخبتنا مع مجريات الأحداث بمصر والتي تجعلنا نسقط في الجدال العقيم، هذه المعيقات التي تجعلنا غير قادرين على فتح نقاش رصين قادر على مصارعة الأفكار بالأفكار والوصول إلى مقترحات في مختلف المجالات.
إن ما ينتظر من نخبتنا هو تحليل ما آلت إليه الأوضاع بمصر ومحاولة الإسهام في فهم ما جرى لاستنباط العِبَر والدروس منه بالنسبة لبلادنا، دون السقوط في المقارنات السطحية بين الوضع بالمغرب والمسار الذي اتخذته الأحداث في مصر أو في دول أخرى بالمنطقة، مما قد يؤدي تبعا لذلك، الى استنتاج خلاصات خاطئة تغيب ما يميز بلادنا من حيث طبيعة النظام المؤسساتي وتراكمات النضالات الديمقراطية لشعبنا منذ عقود.
و بالرجوع الى مصر، ففي 25 يناير 2011 انطلقت انتفاضة الشعب المصري ضد نظام مبارك في سياق الأحداث التي عرفتها تونس والتي قضت على نظام بنعلي الذي كانت تجمعه مع النظام المصري عدة نقط لقاء منها تحكم أقلية أوليغارشية في الاقتصاد الوطني وفي جميع المؤسسات عبر حزب أغلبي يسيطر على كل مناحي الحياة الاقتصادية والسياسية والاجتماعية.
ولقد التقت آنذاك إرادة الفئات الثائرة من الشعب لإنهاء نظام مبارك مع إرادة الجيش المصري الذي لم يستسغ آنذاك شيئاً أساسياً وهو توريث الحكم إلى ابن الرئيس الآتي من خارج الدوائر العسكرية و هو ما كان قد يشكل قطيعة مع قاعدة ميزت جميع رؤساء مصر منذ سيطرة الضباط الأحرار بقيادة جمال عبد الناصر على الحكم بالبلاد.
و من جانب آخر فأن الجيش المصري تدخل في 2011 للإسراع بعزل الرئيس حسني مبارك حتى لا تشتعل البلاد أكثر وتتوسع الانتفاضة لتأتي على اليابس والأخضر بما في ذلك مصالح الجيش نفسه.
ولقد تم التوافق بعد ذلك مع الجيش على أن يصل الإخوان المسلمون إلى السلطة وذلك بمباركة الولايات المتحدة الأمريكية وبدون معارضة القوى اللبرالية واليسارية المصرية؛ بل أكثر من ذلك فإن هذه القوى ساهمت بشكل حاسم في فوز مرشح الإخوان المسلمين الدكتور محمد مرسي خلال الدور الثاني من الانتخابات الرئاسية. وكلنا يتذكر كيف ذهب الرئيس المنتخب الجديد إثر الإعلان الرسمي لنتائج الانتخابات الرئاسية إلى ميدان التحرير وكيف خصص له المتجمهرون فيه استقبالاً حاراً و حماسيا لأنه كان يجسد بالنسبة اليهم الفوز على فلول النظام السابق المتمثل في المرشح الآخر الفريق أحمد شفيق.
لكن ما أن تربع الدكتور محمد مرسي على كرسي الرئاسة حتى توالت أخطاءه وخاصة لما أصدر إعلاناً دستورياً مَنَحَ بِهِ لنفسه صلاحيات وسلطات واسعة، إلى جانب التدابير المتخذة والتعيينات والإقالات والتصريحات المتتالية التي جمت عليه غضب أجزاء واسعة داخل فئات لها مصداقية و تأثير على الرأي العام من قضاة وفنانين وجيش وإعلاميين و رجال أعمال،...
وفي هذا الجو المشحون بالتوتر والتشنج بين الرئيس محمد مرسي والنخبة بمختلف مكوناتها تفاقمت الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية حيث فاقت نسبة التضخم العشرة في المائة (10%) وعجز الميزانية وصل إلى 12% وتراجعت نسبة النمو وارتفعت نسبة العطالة مع الغياب المتكرر لبعض المواد الأساسية من السوق كالبنزين والغاز وغيرها.
هذا الوضع الاقتصادي المتدهور أدى إلى احتقان اجتماعي زاده الوضع السياسي تعقيداً، حيث بدأت القوى اليسارية والليبرالية التي ساندت الدكتور محمد مرسي تحس وكأنها خدلت من طرفه وبدأت تشعر و كأنه أصبح مجرد أداة في يد جماعته من أجل، حسب تعبيرها، "أخونه" الدولة ومؤسساتها. و على أساس ذلك اتسعت دائرة المعارضين للرئيس المنتخب الدكتور محمد مرسي لتشمل حتى فصائل من السلفيين كحزب النور، علما بأنهم من حلفائه الطبيعيين.
في هذا الجو المتشنج و المتوتر سياسيا واقتصاديا و اجتماعيا ظهرت حركة "تمرد" التي جاءت حسب قولها لإتمام ما لم تنجزه ثورة 25 يناير 2011 واضعة كهدف أول لها الإطاحة بالرئيس محمد مرسي يوم الذكرى الأولى لانتخابه. وهكذا بدأت في حشد المعارضين وجمع التوقيعات المطالبة بإقالة الرئيس المنتخب حتى وصلت حسب قادة الحركة إلى 22 مليون توقيع.
ولقد تعامل الرئيس محمد مرسي وجماعة الإخوان المسلمين مع هذه الحركة بنوع من الاستخفاف، بل أكثر من ذلك فإن بعض الممارسات والخطابات ساعدت حركة "تمرد" على حشد أكبر للمصريين والمصريات المعارضين للإخوان المسلمين.
وهذا الاستخفاف يفسره بعض المحللين بكون حركة الإخوان المسلمين تنطلق من اليقين أن نهجها هو الصحيح وبأنه سينتصر في نهاية المطاف رغم الصعوبات والمحن التي هي امتحان فقط لقدرة الحركة على الصمود والمثابرة. وهذا يجعلها غير قادرة على استيعاب التطورات السريعة للمجتمع وتركز العمل على ذاتها متناسية الخصوم والأطراف الأخرى.
أمام هذا الوضع المتشنج وبتزايد مئات آلاف المحتجين والمطالبين برحيل الدكتور محمد مرسي بميدان التحرير وجل ميادين المدن المصرية الأخرى، تحرك الجيش وأعلن بلاغه الشهير يوم 30 يونيو 2013 الذي أعطى من خلاله مهلة 48 ساعة للرئيس محمد مرسي لاتخاذ التدابير اللازمة، وذلك ما وقع بالفعل حيث قام الجيش بإقالة الرئيس المنتخب ووضع رئيس المحكمة العليا للقيام بمهام رئيس مؤقت للجمهورية في انتظار تنظيم انتخابات تشريعية ورئاسية مبكرة مع المصادقة على دستور جديد.
وكما كان منتظراً فإن حركة الإخوان المسلمين رفضت هذا الوضع وظلت متشبثة بالدكتور محمد مرسي كرئيس للجمهورية بصفته يمثل في رأيها الشرعية الديمقراطية مطالبة مناصريها بالمرابطة بساحة رابعة العدوية إلى حين رجوعه إلى الرئاسة؛ في حين ظل الجانب الآخر يقدم مقولة الشرعية الشعبية والثورية الرافضة للرئيس المُقال من خلال ملايين الموقعين على عريضة الإقالة و من خلال المتجمهرين في ميدان التحرير بالقاهرة وميادين المدن المصرية الأخرى.
و هكذا فإن حركة الإخوان المسلمين ربما قد تكون خسرت معركة كما خسرت معارك من قبلها عبر التاريخ المعاصر لمصر، لكنها لم تخسر بعد الحرب، لأنها قادرة على التركيز على ذاتها وتنظيماتها لتحافظ على قدراتها لخلخلة خصومها، مما قد يؤدي إلى التصعيد الذي قد يفضي الى تطاحن دامي كما وقع يوم الاثنين 8 يوليوز في واقعة نادي الحرس الجمهوري بالقاهرة التي سقط خلالها حوالي 60 قتيل و عدد كبير من الجرحى.
و مما يدفع من جانب آخر في اتجاه التصعيد هو كون بعض الأوساط و الجهات المتطرفة في معارضتها و رفضها لجماعة الاخوان المسلمين قد تنساق مع المنحى الاستئصالي لمحاولة الالغاء النهائي لهذه الجماعة و اقصائها نهائيا في المرحلة الانتقالية الحالية معتبرة أنها بذلك و بكيفية ارادية ستزيحها من الحقل السياسي المصري نهائيا، و هي في ذلك واهية لأن حركات من هذا الطراز لا يمكن أن تواجه الا بدحض افكارها داخل المجتمع.
و في هذا الصدد فان المهمة الأساسية المطروحة على مصر الآن هي صيانة الوحدة الوطنية لهذا البلد الشقيق والحفاظ على استقراره وطمأنينة شعبه، والذي يجب كدلك أن تُصان مصالحه وتطلعاته إلى الحرية والديمقراطية والتقدم والكرامة. كما أن جميع الفرقاء السياسيين مطالبون في هذه المرحلة الدقيقة من تاريخ مصر بتغليب المصالح العليا للوطن والشعب حقْناً للدماء وحفاظاً على أمن واستقرار مصر لما تلعبه من دور أساسي في المنطقة وما يمكن أن يكون للأوضاع بها من تأثيرات على جميع بلدان المنطقة.
و لن يتم ذلك في رأيي الا من خلال بناء الدولة الديمقراطية التي تحمي وتحافظ على كل أعضاء المجتمع بغض النظر عن الدين أو الطائفة أو المعتقد. الدولة الديمقراطية المبنية على دستور يُكرس توافقا سياسياً في المجتمع حول المعاش المشترك وحماية الأقليات ويضمن فصلاً متوازناً للسلط. الدولة الديمقراطية التي ترفض الخلط بين الدين والسياسة، لكنها لا تُعادي الدين، بل ترعاه لأنه مشترك للمجتمع ولأنه يلعب دوراً أساسياً في تهذيب هذا المجتمع.

امحمد كرين
الرباط
الثلاثاء 10 يوليوز 2013

ليست هناك تعليقات: