الثلاثاء، 28 يناير 2014

د.صبري لحو: روس يخرق مبدأ الحياد في تدبير مفاوضات الصحراء

د.صبري لحو: روس يخرق مبدأ الحياد في تدبير مفاوضات الصحراء
أكد الدكتور صبري الحو، الخبير المغربي في القانون الدولي، أن المبعوث الشخصي للأمم المتحدة، كريستوفر روس، "لم يُظهر تغييرا في طريقة إدارته لملف المفاوضات حول الصحراء توحي بالتزامه الحياد"، مبرزا أنه "لم يحد عن سياسة الانحياز الواضحة التي طبعت عمله الحالي والآني من تصرفات تدحض سابق تطمينات الأمين العام با كي مون".
مع اقتراب الموعد السنوي لتقديم المبعوث الشخصي للأمم المتحدة لتقريره السنوي بخصوص الحالة في الصحراء، ودراسته من قبل مجلس الأمن، بدأ الملف والنزاع يشد إليه اهتمام وترقب الأطراف، وبدأ عداد السرعة يتزايد، والتحرك يتضاعف، والملفات تفتح، والتقارير تتناسل والأبواق تخطب، وصوت النفير والنذير والاحتجاج يعلو، وآلة الإعلام تقزم أو تضخم، وتركز أو تتغاضى حسب "قانون" العرض والطلب.

وهي في الحقيقة وقائع وتصرفات لم تتوقف للقول بانطلاقها ولا ألسنة أُخرست للقول بنطقها، ولا احتجاج علق للقول باستئنافه، ولا إعلاما موضوعيا وحياديا للقول بانحرافه وتدخل ذاتيته، ولا ملف أو نزاع أفل للقول بأنه انجلى وبزغ، وكل ما في الأمر أن كافة الأطراف ( المغرب، الجزائر البوليساريو، موريتانيا والأمم المتحدة والدول صاحبة حق النقض والكبرى ودول أصدقاء الصحراء) تتعمد إدارة كل حقبة رعاية لمصلحتها ووفقا لما يطبعها من تحديات جديدة أو عناصر استجدت معتمدة منطق وقاعدة عدم المجازفة ولا المغامرة ولا المقامرة لما بين أيديها وتحت سيطرتها وحيازتها وحرصها أشد الحرص على عدم حصول تغيير في مركزها ورتبتها ومصالحها.

وما بين الأمس واليوم، وطيلة مدة عمر النزاع، الذي عمر 38 سنة، ومن المحتمل أن يطرد ويستمر في تراكم السنون والأعوام تعاقب على إدارته ملوك ورؤساء وأمناء عامون أمميون وأمناء جبهة البوليساريو ومبعوثون شخصيون دائمون للأمين العام في الصحراء، ولدى البعثة الأممية لمراقبة الاستفتاء في الصحراء "المينورسو"، ووقعت انتفاضات واحتجاجات 1999، التي حملت شعارات اجتماعية وما فتئت للتحول إلى سياسية بلا بديل عن تقرير المصير، ثم احتجاج إكديم إزيك 2010 وهناك في المخيمات من انتفاضة 1988، التي عمت كافة جسم البوليساريو والحراك الحالي في المخيمات، منها اعتصام في الرابوني واحتجاجات مستمرة في مخيم السمارة..

وقد راكم كل طرف إلي حدود الآن أخطاء جسيمة ومتعددة، دون أن يتمكن أحد من تغليب الكفة لصالحه، ولا ترجيح الميزان جهته، ولا استقطب كافة المجموعة الدولية لموالاته، ولا نال موقفه تعاطف كل الصحراويين لصفه، ولا وصلت الأطراف الدولية إلى تطابق أو تكامل في مصالحها المرتبطة بالنزاع أو المحمية به، أو التي تتوخى جني ثمار الصراع، ليبقى القاسم والعامل المشترك في تكتيكات الأطراف، هو بقاء الحال على ما كان، تجسيدا للمثل الانجليزي عصفور واحد في اليد خير من عصفورين في غصن الشجر.

وهكذا فالمغرب لا يقبل، وهو الذي استرجع الإقليم من الدولة المستعمرة اسبانيا وخاض حربا من أجل حق يؤول له وتحملت أجيال عبء إعمار الإقليم بضخ استثمارات عمومية هائلة، من المجازفة بضياعه من بين يديه على إثر مجرد عملية تصويت غالب الظن إقصاء كافة ساكنة الإقليم من المشاركة فيه( حسب إحصائيات بعثة المينورسو فعدد المتفق على أحقيته في المشاركة في التصويت 84000، وهو نفس العدد الذي تطالب البوليساريو به) يزيد من درجة الشك وعدم اليقين من حصول الحياد و احتمال التلاعب والمناورة وإحجام الجزائر، وبتواطؤ المفوضية السامية للأمم المتحدة لغوث اللاجئين وتلكئها عن إحصاء الصحراويين داخل المخيمات، ولا تمكينهم من حرية التعبير والتنقل للكشف عن طموحاتهم ورغباتهم بكل حرية.

كما أن الجزائر وهي التي تحملت ميزانيتها ملايير الدولارات وصل حسب آخر التقديرات 380 مليار دولار، وعلى حساب حقوق وحريات شعبها، غير مستعدة لمباركة أو دعم حل انضمام وعودة الصحراويين إلى الإقليم في إطار حل الوحدة، فذاك سيكلف القادة الحالية، التي هي استمرار لقادة العسكر السابقة مساءلة وحسابا أكيد أن ما سيكشف عنه من فضائح فساد سيغتالها سياسيا وشخصيا، فأدركت أنها مجبرة غير مختارة على الاستمرار في الضلال، وكل رئاسة دولة أو رئاسة حكومة تعتمد مقولة وشعار أنا ومن بعدي الطوفان.

وبخصوص البوليساريو فهي عاجزة على قلب الطاولة على ولية نعمتها وصنيعتها الجزائر، لأن الأخيرة استحكمت القبضة بتولي قيادة البوليساريو شخصيات جزائرية أو موالية لها أو منها، وهكذا فمحمد عبد العزيز، الرذيس والزعيم نازح من طانطان جنوب المغرب وانتماؤه القبلي لقبيلة الفقرة القاطنة بتندوف ، والوزير الأول عبد القادر الطالب عمر ينتمي لقبيلة ايدا والحاج الموريتانية، ومحمد الأمين البوهالي، وزير الدفاع كان عسكريا في الجيش الجزائري، وقبيلته أهل إبراهيم وداود، التي تقطن منطقة تندوف ورئيس برلمانها ووفدها المفاوض خطري يدود فهو من قبيلة تنواجيب الموريتانية، أما وزير دفاعها اباه الشيخ فينتمي لقبيلة أيدا وعيش الموريتانية، أما مكلفها بالاستفتاء وبالتنسيق مع المينورسو وعضوها المفاوض امحمد خداد فهو نازح من شمال موريتانيا وكان والده ممثلا عن حزب الشعب الموريتاني في زويرات شمال موريتانيا بينما ينتمي أحمد البوخاري ممثل البوليساريو بالأمم المتحدة وعضو الوفد المفاوض فهو من قبيلة القرع الموريتانية. أما منسقها مع المنظمات الدولية ورئيس هلالها الأحمر يحيى بوحنيني فهو من قبيلة بوحبيبي الموريتانية... وغيرهم كثير فهم من ذوي أصول جزائرية أو من قبائل لا تنتمي إلي منطقة النزاع، أو من قبائل جهة الجزائر وموريتانيا. علاوة على ما يوفره لهم الوضع القائم من مساعدات ومعونات إنسانية حولوها إلى تجارة مربحة لن يوفرها لهم حل يلغي عنهم صفة اللجوء، فآثروا البقاء فيه.

أما بخصوص موريتانيا، فقد سبق لها أن اكتوت بنار اتفاق مدريد نتيجة هجمات البوليساريو عليها سنوات امتدت منذ نهاية سنة 1975 إلى أواخر سنة 1978، و ذاقت ويلات الانقلابات نتيجة ميلها إلى جانب المغرب أو توليها صف الجزائر، فهي كلما ضبطت عقارب ساعتها صوب الرباط أو اتجاه الجزائر، إلا وأدت الثمن، حسب تعبير أحد الأصدقاء الموريتانيين أثناء ندوة شاركنا فيها في نواكشوط في ضيافة المركز الإفريقي للإعلام والديمقراطية خلال الصيف الفائت.

أما من حيث الأطراف الدولية، فهي تنظر إلى النزاع من نواحي متعددة، أولها المصلحة الاقتصادية أولا وأخيرا. غير أن تسارع الأحداث على اثر ما أعقب انتفاضات بعض دول شمال إفريقيا وسقوط أنظمة في ليبيا وتونس ومصر ومالي، وما رافق ذلك من انتشار للسلاح في منطقة الساحل والصحراء، وما يشكله ذلك من تهديد حقيقي للخطط والاستراتيجيات الأمنية الغربية، أكدته عمليات اختطاف مواطنين من جنسيات إيطالية وإسبانية وفرنسية في كل من مخيمات الرابوني وفي موريتانيا و في مالي، و كذا ما أظهرته عملية عين أميناس من فراغ أمني رهيب، جعل مفهوم المصلحة التقليدي في العلاقات الدولية يختلط بمفهوم الأمن القومي، ويستدعي حماية الاستثمارات الغربية في المنطقة ومحاربة الإرهاب والجريمة المنظمة.

وهي التطورات التي حتمت على تلك الدول النظر بعين الريبة وعدم الاطمئنان إلى ما قد يسفر عنه دعم إنشاء دولة ضعيفة في المنطقة بمساحة كبيرة وعدد سكانها قليل، وحتمية تحويلها إلى الولاية جزائرية رقم 49، ناهيكم عن احتمال اختلال التوازن الحاصل بين المغرب والجزائر، وتغيير الوضع الحالي الذي يشجع على تسابقهما نحو التسلح، وما يعنيه ذلك من ضمان سوق حقيقية لبيع السلاح و ضياع صفقات ومواقف وتعاون خفي أو متستر تحت عناوين مختلفة.

هذا دون الحديث عن ما قد يسفر عنه فرض حل عن طريق مجلس الأمن ضدا على رغبة الأطراف أو طرف من ردة فعل ورفض وعدم القبول، الأمر الذي سيعرض المنطقة ككل لمخاطر لن تستثن نتائجها لن أحدا، ولن تجد نفعا لطرف من الأطراف المتدخلة، بقدر ما ستتحول المنطقة إلى بركان ثائر سيصل مدى حممه الجميع لا سمح الله.

لذلك نرى أن الدبلوماسية المغربية، والتي تتمتع بوضع أفضل في ملف الصحراء، ولكنها إلى حد الآن لم تحسن استغلاله، وهي بذلك تدع فرصا تاريخية للحسم تنفلت من بين يديها كما انفلتت أخرى من ذي قبل.

وبالرغم من قصور في دفاع المغرب عن مقاربة أمن المنطقة ككل بخلق دويلة ضعيفة. فإن المجتمع الدولي أدرك ذلك عبر مجلس وصار يحث الأطراف علي البحث للوصول إلى حل سياسي، وذلك وفقا للمضمن في التقارير السنوية والدورية للمبعوث الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة التي يصادق عليها مجلس الأمن في ابريل من كل سنة، على الأقل منذ 2007. و هي نفس التوصية التي صدرت سنتي 2012 و2013 عن اللجنة الرابعة بالجمعية العامة للأمم المتحدة، المختصة في إنهاء الاستعمار، وللإشارة فهذه اللجنة سيطرت عليها جهات معادية للمغرب. هذا بالإضافة إلى أن توصية البحث عن حل سياسي اعتمدته تجمعات إقليمية قوية، منها الاتحاد الأوروبي، وتلقفته دولا عديدة فسارعت إلى سحب اعترافها بما يسمى "الجمهورية الصحراوية" وآخرها الأوروغواي، ليبقى الاختلاف بعد استبعاد المجتمع الدولي لحل الاستفتاء وتأكيده المستمر على الحل السياسي هو في شكل الحل السياسي الذي سيحظى بتأييد وموافقة كافة الأطراف، فالمغرب يؤكد على مقترح الحكم الذاتي بينما البوليساريو لم تتقدم بأي حل سياسي للحل يتجاوز الاستفتاء، الذي بات مستنفذا ومتجاوزا بل ومتناقضا مع رغبة وقرارات مجلس الأمن المتواترة، بينما تنقل الإشاعة منذ المنتصف الثاني لسنة 2013 نية المبعوث الشخصي طرح مشروع على الأطراف يجمع بين مقاربة تجمع الفدرالية والكنفدرالية.

إلا أن المبعوث الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة والذي سبق للمغرب بتاريخ يوليوز 2012 أن عبر عن رفض التعامل معه بسبب الانحياز لاتهامه المغرب بالمتسبب في تعثر المفاوضات، قبل عودة وعن مضض استئناف عمليات البحث عن حل تحث إشرافه بسبب تطمينات صادرة عن الأمين العام للأمم المتحدة في مكالمة هاتفية بين بان كي مون وملك المغرب، وفقا للصحافة المغربية، وبعد استشعار وقراءة المغرب لتشبث أمريكا والأمين العام بروس وغياب مساند مباشر وقوي للمغرب فيما جنح إليه من موقف، مثل إحدى الدول الكبرى العضو في مجلس الأمن. والآن وبعد مرور سنتين من تاريخ العودة والرجوع فإن روس لم يظهر تغييرا في طريقة إدارته لمهمة المبعوث توحي بالتزامه الحياد، ولا حاد عن سياسة الانحياز الواضحة التي طبعت عمله الحالي والآني من تصرفات تدحض سابق تطمينات الأمين العام وتكذب هدوءه الخداع، ومنها ما يلي :

- إصراره على زيارة أحياء في العيون في آخر زيارة قبل الحالية بتاريخ اكتوبر 2013 لإثارة وتشجيع أنصار الانفصال للخروج في مظاهرات بغية توثيقها وتحين توثيق هفوة أو خطأ للسلطات العمومية.

- رفض روس الاستماع لصوت خارج دائرة أنصار الانفصال من داخل المخيمات بنزوله المتعمد والمقصود في مخيم "أوسرد" عوضا عن مخيم" السمارة" الذي اعتاد النزول فيه تفاديا ودرءا منه معاينة الاحتجاجات التي يعيشها حاليا مخيم"السمارة".

- إصراره على إنهاء زيارته الحالية للمخيمات الخميس الماضي دون أن يلتقي بالمعتصمين أمام مكاتب مفوضية غوث اللاجئين المكلفة بتبادل الزيارات وتدابير بناء الثقة في بعثة المينورسو منذ 19يناير الحالي.

- مروره بنواكشوط دون التقاء بصوت مصطفى ولد سلمى، الذي يمثل رمزا لتيار قائم داخل المخيمات يساند مقترح الحكم الذاتي كطريقة لحل النزاع وإنهاء المعاناة، وهو التيار الذي يتم قمعه وإسكاته بالحديد والنار من طرف البوليساريو وأجهزة المخابرات العسكرية الجزائرية وبتواطئ من المفوضية السامية لغوث اللاجئين والمفوض السامي والأمين العام باعتبار أن المفوضية تشتغل تحت سلطة الأول ورعاية الثاني، ويغض روس الالتفات إليه وتسجيله عنوة وبسوء نية.

ألا يعتبر ذلك خرقا لمهمة المبعوث، تغاضى المغرب عن كشفه وتسجيله، وهل ينتفض المغرب من جديد ضد روس أم ينظر لحظة وفرصة تسديد ضربة قاضية له يسقط ولا يقدر على استئناف المباراة؟

والى أن يتحقق ذلك فإنني أخشى أن يراكم خصم المغرب الحقيقي، المتمثل في الجزائر والبوليساريو، النقط فيتم إنهاء المباراة قبل أن تتحقق للمغرب فرصة توجيه لكمة لإسقاط روس.

ليست هناك تعليقات: