الأحد، 2 فبراير 2014

من سرق براءة سارقة القلوب؟ - دليلة حياوي

من سرق براءة سارقة القلوب؟
 دليلة حياوي
"كل مولود يولد على الفطرة، فأبواه يُهوّدانه أو ينصّرانه أو يُمجّسانه".. صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم.. وصدق عيسى عليه السلام الذي قال في حق امرأة كانت ستُرجم: "من كان منكم بلا خطيئة.. فَلْيَرْمِها بِحجر".. فهل بيننا من لم يولد بريئا؟.. أو من لم تضلّ براءته تلك الطريق يوما؟.. واسترجعها جزئيا أو كليا؟.. أو لم يسترجعها لسبب أو لآخر؟.. وهل؟ وهل؟.. الأسئلة قطعا كثيرة.. والأجوبة أكثر.. والتعليقات الموازية والهامشية.. المُنصفة والمجحفة أكثر وأكثر.. 

وبالطبع لم تسلم "روبي" أو "كريمة المحروق" مما سلف.. ولنتّفق أوّلاً.. أنني لست بصدد تحريرها من قفص الاتهام.. وإعلائها هودج الدفاع.. بقدر ما آمل فتح باب الاحتمال.. والآمال أيضا.. فمهما كانت فهي بعد صبيّة.. وجب الدعاء لها بالهداية.. ما دام باب التوبة نعلمه دائما مُشرعاً.. خاصة وبناتنا ضحايا الجهل والعنف قبل أن يكنّ ضحايا الفقر ثمّ العُهر.. وتوخيّاً منّي للحياد أنقل لكم بإيجاز ما سردَتْه في أول إطلالة لها عبر شاشة تلفزونية "الياقوتة.. سارقة القلوب".. كما وصفها "ألفونسو سينيوريني" في برنامجه "كاليسبّيرا" على القناة الخامسة بباقة "ميدياست" ليلة 19\20 يناير 2011.. لتحكي فصولا أنقلها إليكم بإيجاز لكن بأمانة ولكم الحكم.. قبل إثبات الجرم.. ولدت كريمة المحروق بمدينة قرب مراكش المغربية ـ تحاشت ذكر الفقيه بن صالح في البرنامج ـ لأمٍّ طباخة في المناسبات خارج وداخل المدينة الواقعة قرب مراكش ـ دائما حسب تعبيرها ـ وأب مهاجر بإيطاليا عامل بـ"طورينو" بشركة "فيات".. كان يأتي كل سنتين لزيارة الأسرة التي تضم عدا كريمة.. 6 أبناء آخرين.. كانت تعتني بهم الجدة العجوز في غياب الوالدين لتحصيل لقمة العيش.. لذلك ذكريات كريمة عن المغرب لا تتعدى الجمال الطبيعي على كل الأصعدة لكنه جمال محظور.. إذ تسترسل شارحة معاناتها من اللامساواة داخل الأسرة كما وصفتها في البرنامج.. فباعتبارها أنثى ورغم إجادتها وحبها للسباحة كانت تُمنع من ممارستها عكس إخوانها الذكور.. كما كانت تُمنع من إسدال شعرها لأنه علامة للفجور.. ولم تتمكن من إسداله على كتفيها لأول مرة في حياتها إلا بموافقة الأب ذات عيد وعمرها 9 سنوات.. بل لإرضائها عمد إلى وضع الكحل في عينيها رغما عن معارضة الأم.. وبالتالي لم يمرّ العيد بسلام ـ تكفكف دمعها وإن غيّر المنساب منه لون البودرة بخديهاـ إذ ما لبث أن تناوب على اغتصابها عَمّاها الإثنان.. وعندما أخبرت الأم أمرتها هذه الأخيرة بالصمت.. فردّة فعل والدها ستكون ذبحها.. وتطليق أمها وتشريد إخوتها.. والحل كان هو الضغط على الوالد لحملهما معه إلى إيطاليا.. وبمجرد تتميم معاملات التجمع العائلي.. ولحاق كريمة وأمها به.. تعرضّ لحادث في يوم عطلة سبب له عجزا دائما ثم طرداً من العمل.. فما لبثت أن نزحت الأسرة إلى "ريجو كالابريا" حيث بدأ العمل كبائع متجول للسّجاد يطوف به على كتفيه شتاءً بالشوارع وصيفا بالشواطئ.. دون إعفاء كريمة من التعليق كل حين بأن استقدامها إلى إيطاليا كان شؤماً على الأب ونحسا على العائلة ككل.. والتحقت كريمة بالمدرسة حيث اكتشفت خلال 3 سنوات ـ حسب تعبيرها ـ رقة تعامل الآباء الإيطاليين مع أبنائهم ومساحة حرية الفعل والقول التي يكفلون لهم.. إضافة إلى المحبة والتسامح اللذين تفيض بهما الكاثوليكية.. فما كان منها إلا أن اعتنقت المسيحية وعمرها 12 سنة.. وما كان من الأب بدوره إلا أن سكب عليها مقلاة ملؤها الزيت المغلي.. وأزاحت كريمة جزءاً من شعرها لتظهر للكاميرا بقع الصلع بمفرقها الأيمن الناجمة عن ذاك الحرق كما أشارت إلى كون ظهرها لازال يحمل نفس الآثار.. لأنها لم تعالج كما يجب خوفا من المتابعة القانونية.. كما منعها من الذهاب إلى المدرسة.. وهدّدها بما هو أفظع إن أخبرت لجنة التقصي الدراسية بكونها راغبة في التمدرس.. بعد مدة تحينت الفرصة للهرب من شرفة بيتهم بالطابق السادس ونطّت إلى شرفة الجيران الذين سمحوا لها بالخروج والعودة أيضا لأنها كانت تودّ إخبار مشرفي المدرسة بالحقيقة فقط.. وعند اكتشاف الأب للأمر طردها إلى غير رجعة.. بدون نقود ولا ملابس.. تلقّف الشارع كريمة الضائعة والجائعة.. وقادتها قدماها في المساء إلى حانة\مقهى.. لم تلبث أن اقترفت هناك والعُهدة عليها.. أول خطيئة في حياتها.. إذ أقدمت على سرقة حقيبة زبونة لازالت تذكر اسمها "مونيكا" كانت في 19 من عمرها.. وعثرت بداخلها على مبلغ 250 يورو وهاتفيين وبطاقة التسلسل الضريبي التي تقوم مقام الهوية رغم كونها لا تحوز صورة شخصية.. لذلك كانت وسيلتها لاستئجار غرفة بفندق باتت فيه ليلتها.. قبل اعتقالها في الغد من طرف "الكارابينييري".. الذي تقول إن معاملته لها خذلتها.. ولا علاقة لها بما ترسخ في ذهنها بشأن لطف وظرف رجاله من خلال متابعتها للمسلسل الذي يبث منذ سنوات ولا يزال عن طرائف هذا الجهاز الأمني.. المهم أن الجهاز المذكور وبعد اطلاعه على قصتها عهد بها إلى دار للرعاية.. ومن دار إلى دار بـ"صقلية".. وما بين هروب وعودة.. قررت كريمة التوجه إلى "ميلانو" وعمرها 14 سنة لاحتراف الرقص والغناء.. ولما سئلت من طرف الصحفي عن السبب.. أجابت بما مفاده أنه الطريق السهل للكسب.. خاصة لمن لا تملك شيئا في الحياة عدا الجسد.. وفي "ميلانو" زيّنت لها فتاة حياة الليل لكي تسدد تكاليف الإيجار والأكل والشرب.. وحملتها إلى فندق من صنف 5 نجوم "فور سيزنس".. لإرضاء زبون إيطالي من منطقة "بوليا" مقابل 1000 يورو.. وقصدت كريمة غرفته لكن بمجرد لمسه لها صرخت وانتفضت مذعورة.. ولما عرف قصتها أعطاها المبلغ المتفق عليه وطلب منها الذهاب إلى حال سبيلها والبحث عن عمل شريف.. وبالفعل ودائما حسب ما جاء في تصريحاتها فقد تدرجت بعد اختيارها لاسم "روبي" شغفا ببطلة مسلسل مكسيكي.. في أعمال لم تسلم فيها من تحرش أربابها ومقايضتهم لها ـ العمل مقابل المضاجعة ـ سواء بالمطاعم والحانات\المقاهي.. أو النوادي الليلية.. حيث كانت تعمل أحيانا.. بينما عملها الرسمي كان نادلة بمطعم بأجرة لا تزيد عن 700 يورو شهريا.. وقد أفصحت عن اسم المطعم لكنها ارتبكت بل أخطأت مرتين في اسم الشارع.. الشيء الذي جعل الصحفي مقدم البرنامج يرفع سبابته نحو أذنه في إشارة منه ربما إلى المخرج كي يضبط الصوت في سماعة كريمة.. مما يحيل على فرضية أن تحت شعر كريمة المنسدل ربما كانت هناك سماعة يلقنها أحدهم عبرها ما يتحتم عليها قوله.. عموما كانت هذه حياة كريمة المحروق حتى 14 فبراير 2010.. أي "سان فالنتينو" ما قبل الماضي.. وهو اليوم الذي كلمتها فيه صديقة سائلة مرافقتها إلى حفل عشاء بفيلا دون إخبارها عن هوية صاحبها.. وحملتها الصديقة بسيارة أجرة.. ومن فخامة المدخل سألتها لمن تكون الفيلا.. لتجيب الصديقة بكونها فيلا الرئيس.. لتسأل كريمة من جديد: "أي رئيس؟".. وتردّ الصديقة: "رئيس الحكومة".. لتعلق كريمة: "أنا التي كنت أقضي ليلي بمقاعد الشوارع حتى عهد قريب.. أحتفل ببيت الرئيس؟".. وهنا قاطعها المنشّط: " كيف تصرفتِ؟".. فأجابت: "قدّمتُ له نفسي قائلة: "بياتْشيري.. روبي".. فسأل المنشط مؤكدا:"هل أخبرته أن عمرك 17 سنة؟ وأنك حفيدة الرئيس مبارك؟".. لتجيب: "قلت عمري 24 سنة.. وإنني مصرية.. لكن لم أشر إلى مبارك لا من بعيد ولا قريب".. ليزيد الصحفي مستفسرا: "لماذا مصرية ولست مغربية؟".. وترد الفتاة: "كنت أخجل من القول إني مغربية.. والمغرب صادر حريتي وظلمني أكثر من مرة.. جعلني أعيش أكثر من حياة.. وأنا بحاجة فقط إلى والدين مغربيين يحباني كباقي الخلق.. يا ليتني أعود طفلة ذات سنتين لأتنعّم ببعض الحنان والعطف".. وقبل أن تتابع كريمة سردها وعيناها تدمعان.. أشارت إلى كونها ثاني مرة في حياتها تبوح باحتياجاتها العاطفية جهارا.. بعد بوحها لخطيبها الحالي "لوكا" الذي تأمل الزواج به وتأسيس أسرة معه بمعزل عن الفن.. فدعا الصحفي الخطيب ليلتحق بالمنصة مباركا رغبة كريمة في الزواج به.. وختمت فتاتنا سردها بشأن لقائها بالرئيس الذي تم بحضور مشاهير الفن والسياسة والصحافة.. وأشادت بإنصاته لحكايتها بصبر وأناة دون أن يلمس منها شعرة واحدة.. بل وجدت منه إصغاء وتفاعلا لم تجده لدى أطباء التحليل النفسي الذين كانوا يفدون على دور الرعاية حيث عاشت لسنوات.. وبعد انتهاء العشاء.. طلبت العودة إلى بيتها لأنها متعبة.. فسلّم عليها واضعا ظرفا في يدها.. وجدت بداخله بعد أن فتحته بالسيارة مبلغ 7000 يورو.. وقلادة.. وحسب كلامها.. فهو مبلغ لم تره يوما بعينها المجردة.. وتشكّ في كون والدها مسك به مجتمعا ذات يوم.. وزادت بكونها لم تر الرئيس بعد ذلك.. حتى اعتقلت باتهام صديقتها لها بالسرقة.. وبما أنها كانت آنذاك قاصرا وبدون أوراق تعريفية.. اتصلت من مركز الشرطة بسياسية من بطانة "برلوسكوني".. كي تساعدها.. وهي التي اتصلت بالرئيس الذي طلب من الشرطة إخلاء سبيلها لكونها حفيدة "مبارك".. لتكون هذه المكالمة بمثابة شرارة "كريمة المحروق" التي أحرقت و لا تزال العديد من الأوراق.. 
فبراير 2011
شاعرة و كاتبة مغربية 
مقيمة في ايطاليا

ليست هناك تعليقات: