الخميس، 29 مايو 2014

قراءة نقدية - ظمأ (ق.ق.ج) - بقلم الأديبة السعودية خولة الراشد

قراءة نقدية - ظمأ (ق.ق.ج)  - بقلم الأديبة السعودية خولة الراشد
*-*-*-*-*-*-*
ظمأ (ق.ق.ج) (( يحس بموجة صقيع تجتاح جسده .. تحيله هيكلا من ثلج..وحين موعد مع الشمس .. تسرب نزفه .. فابتلعته ظمأ الارض العطشى !! )) - 
أ/ م. زياد صيدم -غزة

تتَعدّد المفاهيم والنقد لهذه" القصة القصيرة" خاصة في الرمزية المُحبكة، بشكل حرفي مبدع ، تغزوها مشاعر الحزن والألم الدفين، يعبُر الكاتب إلى زمن مبهم، ويتناول الإنسان المجروح في كل الأزمنة دون تحديد،
أعجبني جدا.. استخدامك لجملة ،أعتبرها إبداع ورمز جميل ترمز به للعنوان والقصة قولك: "وحين موعد مع الشمس" حيث صارت القصة رمزية غير مرتبطة بظرف وزمن محدد أومكان محدد،أما" الشمس "التي تتالى ولا ندرك إلى أين المنتهى، تشع في القصة لتضيء بها جمال ذات طبيعة مرِنة مطواعة، تأخذ أكثر من شكل في البناء والصياغة لترسم بها مصداقية السرد بوحي وذلك لتوصيل العبرة الإنسانية ، ويتمثل في الاختلاف والتناظر والإجاز والتضاد في المعاني..هكذا أردت بجملة رمزية والتي تميزت بها "قصة ظمأ" وإن كانت عشوائية إلى أنها تدل على تميزك كقاص وتلاعبك في استخدامك للزمن والمكان والطبيعة والإنسان وهذه شروط القصة القصيرة جدا...هكذا عهدتك
سأبدأ بنقدي أو تحليلي لحالتين ...الأول
* مراحل الموت:
يحس بموجة صقيع تجتاح جسده " الجسد"
فتحتضر "الروح" لتحيله وتغطيه بالتراب هيكلا
أحال على القبر الترابَ / أُحيل على القبر التُّرابُ : غطّاه ، غُطّي بالتراب
وحين موعد الشمس :هنا نجحت في جعل الزمان مبهم ..أي حين موعد الدهر المبهم أو العمر والزمن وبهذا تعرب لجميع الأزمانة ..وحسب موقعها من الإعراب ، لأنها مبهمة
وهي تذكرني بمعنى الآية الكريمة " هل أتى على الإنسان حين من الدهر فلم يكن شيئا"
* فتبتلعه الأرض اليابسة جسده وكأنه لم يكن
هنا العطش من تعطش الأرض لهيكل الإنسان، وقبر ودفن فيها سواء شهداء أو غيرهم...وبظمأ الإنسان للحياة في أنفاسه الأخيرة ، لذا أنت قلت "ابتلعته ظمأ ، ولم تقل ابتلعه ظمأ، ابتلعت الأرض جسده أو هيكله" وهنا تتلاعب بالأسماء كالأرض ،والإنسان
...أما روحه كانت في المرحلة الأولى والثانية تتصارع مع الجسد بظمأ ..كما العنوان
وعندما استسلمت في المرحلة الأخيرة -للمرحلة الأبدية -والموت تعطشت لها الأرض بشهوة ...فابتلعتها متعطشة .

* أما إذا ما أخذناها من الناحية الإنسانية أي المشاعر والعاطفة:
..
* قد يكون من شدة الألم تجمد عندما صعق بالأمر المحزن فانكمشت أضلعه ، حينها توقف نبضه و تقشعر جلده فشعر ببرودة في أطرافه وأضلعه، حتى جفّ حلقة و لسانه و ظمأ فابتلعت الأرض روحه .
والأرض هنا يقصد بها الكاتب أنها- قضت على إنسانيته- وهي القلوب القاسية كما الحجر
والصقيع والبرد الذي اكتسبه من برودة المشاعر أدى إلى نزيف داخلي وجرح عميق -أبدي-،
* تعليق
سواء واقعية أو خيالية،تسرد العالم بسطرين فتعرض حالتين متناقضنتين لتصور طرف لا نتعرف عليه إلا من خلال وجهين من وجوه الحياة المختلفة تصارع بين الإنسان والطبيعة والحياة، وبين المشاعر والجسد أو العقل والوقع والروح والأحاسيس
يحس ( الإنسان ) أنه مُتْعَباً مجروح .. يمضغ واقعه القاسي وأنفاسه في مطلع القصة، يبقي وحيداً ومتعباً ومحبطاً يشكو موت أحلامه في نهاية القصة، فبين البداية و والنهاية، علاقة وثقى، فالجملة الأخيرة تعيدنا إلى الأولى، والإيحاء فيهما واحد، فالكاتب يريد أن( يركز اهتمامنا على قسوة الواقع وبؤس الإنسان..أو احتضار مشاعره أو حياته) والوصف تمثل بإنسان وشخص يعم الجميع ... وجمال القصة هو بدايتها بمضارع تبدأ من نقطة أبدية مبهمة
دوما الكاتب يستخدم الطبيعة ليرمز بها عن المشاعر إن كانت حارة بحرارة الشمس فهي جرح الروح والجسد بألم ..أما الجليد فهي برودة المشاعر
فهي صدمة جعلته يتقشعر ويتجمد فصار هيكل لا متصاص مشاعره
وأخيرا يربط الكاتب الحالتين بمشاعر الأرض الصلبة وهو كذلك يستخدم الأرض لتبتلع بلسانها المتعطش كل شيء رطب فتقضي عليه
*هكذا يختفي الكاتب وراء -اللص والأبطال -والظالم والمظلوم - التي يرسمها في معظم قصصه ، وذلك لأن الكاتب يستخدم إما الطبيعة -الكونية ،أو الإنسانية أوالحيوان-
نجد أنه أجاد عندما ألبس قصته برمزية الكون وزمن مبهم فانفجر الظمأ إلى عطش .. -الظمأ ثم شعوره بالعطش- وليس العطش شعور بالظمأ ، لذا هنا نجحت في وصف حالة الجفاف ، أحسنت في تدرج مفرداتك ولو قلت "عطش ..فظمأ" لما صارت بمثل ما رسمته من رموز وحبكة
ينظر إلى منظر يجعله ينكمش من شدة ألمه وفجعته يتنمل جسده فلا يستطيع التحرك يتجمد ..
وهنا " تقطع الحدث الأول أو المشهد الأول بالثاني ..لتفسر القفلة بحالة الشمس عندما انتقلت من الثلج ..من لهيب الشمس الحارة التي تحرق جراح وعذابه فيدفن الألم في أعماقه وكأنما يطأ بقدمه على جرحه ،
ولتأثير الشمس والثلج على الأرض التي يعيش عليها الإنسان أو المخلوقات في لحظة تبتلعها ..تمتص الأرض الصلبة حرارة الإنسان بالجروح والأحزان.
جميل استخدامك لمعاني متضادة كالثلج والحرارة أو الشمس، والطبيعة ،والزمان والمكان ..أبهرتني بقصة قصيرة ذات زمن مبهم مستمر ونهاية جميلة مفتوحة نقرأها بمتعة وتمعن.

*أخيراً أهنئك على هذه القصة الرمزية الجميلة، التي أخذتني لمراحل متعددة ، اعذرني على الإسهاب فإن كان ذلك فلأني أردت أن أطرح لك كل كلمة قرأتها وشعرت بها ..وأتمنى أن أكون قد أصبت و لو قليلا .. وإن لم أكن فاعتبره مرور و الظمآن يروي به عطشه .. للكتابة ..

ليست هناك تعليقات: