الثلاثاء، 24 مارس 2015

تركيا ومصر ونهاية اللعبة !! - الكاتب/ محمد مصطفى

تركيا ومصر و نهاية اللعبة !! 
الكاتب/ محمد مصطفى
 الكاتب/ محمد مصطفى

لم يكن يسيراً على أمريكا سقوط أهم أسلحتها فى المنطقة ـ تركيا ـ فى جولة الخريف العربى .. الحليف الاستراتيجى والأهم للعالم الغربى فى مشاغلة المنطقة العربية والحيلولة دون قيامها،خاصةً الرأس منها ـ مصر ـ لكنها الأقدار الإلهية التى أوقعت السيد الأمريكى وخادمه فى شراك ثورة المصريين على المؤامرة فى الثلاثين من يونيو 2013 .. فكان مُهيناً بل ومؤلماً على تركيا أن ترى من أوعز إليها ( الأمريكى ) يلهث صوب مصالحه التى اقتضت التخلى عنها لتلقى تركيا مصيراً قاتماً ببزوغ نجم مصر الحضارة والتاريخ .. ولسوف يتم تأديبها أدباً تتسامعه الدنيا،ولن تنقذها أمريكا الغارقة فى أوحال الشرق الأوسط .. وقبل أن تتسامع الدنيا بهكذا أدب، فلنسمع معاً ما دبروه وأسيادهم الأمريكان بالأمس لإضاعتنا وتحطيمنا .


جعلت أمريكا من تركيا أيام حكم العسكر، قوة ضاربة في مواجهة الأصولية الإسلامية والشيوعية .. وسمحت لها بإقامة قواعد عسكرية في جميع أرجاء البلاد.. والإبقاء على نصف مليون جندي تركي تحت السلاح.. وإقامة مناورات عسكرية دورية أمريكية ـ تركية ـ إسرائيلية .. فالمسؤول الأمريكي عندما كان يزور أنقرة على سبيل المثال.. كان يلتقي برئيس الأركان التركي، وفي اللقاء يتم التفاهـم على كل النقاط التي تهم السياسات المشتركة التركية – الأمريكية، وتبقى زيارة رئيس الجمهورية أو رئيس الوزراء من باب العلاقات العامة والبروتوكول الواجب لا أكثر .
وبعد سقوط الاتحاد السوفيتى (1991) بدأ الترويج للنظام العالمى الجديد .. فيه أمريكا تحدد مصير العالم وفق رؤيتها .. فبدأت كلمة شرق أوسط جديد تظهر للعلن فى عهد بوش الابن عبر ما أسموها ( الفوضى الخلاقة ) وقد صرحت بذلك الوزيرة كوندوليزا رايس بشكل واضح عندما اجتاحت القوات الاسرائيلية جنوب لبنان عام 2006، قائلة : لقد بدأت عملية ولادة الشرق الأوسط وعلى دول المنطقة الصبر وتحمل آلام المخاض .. فتفتق الذهن الأمريكى لطرح نماذج للإسلام المهجن ـ إسلام بمواصفات غربية ـ دينها الإسلام وإيمانها العلمانية تساعدها في تحقيق أهدافها .. ووجدت ضالتها في تركيا وباكستان .. وإذا كان النموذج الباكستاني مازال غير مهيأ للتبعية الكاملة، فإن النموذج التركي جاهز .. فقد تم التفاوض عليه منذ عام 1997.. أي قبل إسقاط حكومة نجم الدين أربكان ..
بحثت أمريكا عن النموذج الذي يصلح لهذا الدور حتى كوَّنته ولمت شعثه ( حزب العدالة والتنمية ) وأطلقوه هادراً يكتسح أمامه كل العقبات المحلية، حتى وصل إلى المحطة الأخيرة ليصبح النموذج المطلوب . لتكون تركيا وهى الحليف الأمريكى هى المرشحة لهذا الدور الرائد في مشروعها ليس فقط لترويض المنطقة، ولكن أيضاً لتقديم نموذج الإسلام الذي تتوافر فيه الشروط الأمريكية . فكان أن وصل حزب العدالة والتنمية إلي السلطة في تركيا في نوفمبر 2002، فقامت أمريكا بتنشيط الدور التركى اقتصاديا لتقدمه للعالم الإسلامى على أنه الإسلام المناسب المعتمد لدينا .. وبدأ التخطيط ..
فقد نشرت صحيفة (يني شفق التركية ) شبه الرسمية في 30/1/2004 خبراً مفاده أن الرئيس الأمريكي جورج بوش عرض على رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان خلال استقباله في البيت الأبيض يوم 28/1/2004 معالم المشروع الأمريكي الجديد لـ(الشرق الأوسط الكبير)، الذي يمتد من المغرب حتى إندونيسيا، مروراً بجنوب آسيا وآسيا الوسطى والقوقاز .
حسب الصحيفة فإن المشروع طبقاً لما عرضه الرئيس الأمريكي،جعل من تركيا عموداً فقرياً، حيث تريد واشنطن منها أن تقوم بدور محوري فيه، حين تتولى الترويج لنموذجها الديمقراطي واعتدالها الديني، لدرجة أن الرئيس الأمريكي اقترح أن تبادر تركيا إلى إرسال وعاظ وأئمة إلى مختلف أنحاء العالم الإسلامي لكي يتولوا التبشير بنموذج الاعتدال المطبق في بلادهم، وأن هذا النموذج هو الأصلح للتطبيق في العالم الإسلامي، ومن ثمَّ الأجدر بالتعميم لأسباب ثلاثة:
أولها: أنه ملتزم بالعلمانية التي تهمش دور الدين إلى حدّ كبير، بل وتعارض أي دور للدين في الحياة العامة .
السبب الثاني: أن تركيا تعتبر نفسها جزءاً من الغرب، وموالاتها للولايات المتحدة ثابتة ولا شبهة فيها، وبالتالي فهي تعد جزءاً من العائلة الغربية، وتحتفظ مع العالم الإسلامي بعلاقات شكلية.
السبب الثالث: أن تركيا لها علاقاتها الوثيقة مع إسرائيل، الأمر الذي يلقي ترحيباً وتشجيعاً كبيرين من جانب واشنطن ودول الاتحاد الأوروبي .
ونقلت صحيفة ( وقت ) التركية فى عددها الصادر 14/2/ 2004 تعليقا لشيمون بيرز رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق وزعيم حزب العمل على ما يدور بين تركيا وأمريكا من اتفاقيات
( قال بيريز: إنه إذا كان الاتحاد الأوروبي يرغب في القضاء على الصراع الكبير الجاري بين العالم الإسلامي والمسيحي فعليه منح تركيا عضوية الاتحاد الأوروبي، لأن ذلك هو الحل المناسب لمنع صراع الحضارات .
ورأى بيريز أنه باستطاعة تركيا أن ترسم طريقها الاستراتيجي من الناحية الأطلسية وطريقها الاقتصادي من الناحية الأوروبية، وطريقها السياسي من ناحية البحر الأبيض المتوسط.
وقال: إن العلاقة الجيدة التي تمتلكها تركيا مع إسرائيل والعالم العربي تؤهلها للعب دور الوسيط بين إسرائيل وسوريا لحل الخلافات القائمة بينهما )
ولمَّا تقلد باراك أوباما الرئاسة زار تركيا كأول بلد إسلامي،بعد تسلمه مهام الحكم في الولايات المتحدة، وألقى كلمة في مؤتمر إسلامي ثقافي احتضنته تركيا، وأعلن أن لا عداء بين الولايات المتحدة والعالم الإسلامي، بل هناك مصالح مشتركة سيجري التعامل على أساسها، متجاهلاً أي ذكر للعالم العربي، ومعترفاً بالدور التركي كممثل للعالم الإسلامي، وبذلك يكون أعطى الضوء الأخضر لحزب « العدالة والتنمية » ذي الجذور الإسلامية باعتباره الممثل للعالم الإسلامي الذي ستتعامل معه الولايات المتحدة.
وتدور الأيام دورتها وتتحول تركيا لتكون العاصمة الأم للتأسلم السياسى الغربى .. الإخوان والمتحلقون حولهم من المتسلفة الوهابية والتكفيريين، بل وتتأهب للضربة الكبرى للإنقضاض على المشرق العربى لتمزيقه إرباً إربا .. عبر الدفع بالإخوان المتأسلمين للإحلال محل الأنظمة الحاكمة، ومن الخلف تقف أمريكا بالتوجيه والإعداد والتمويل .. وكان جل هم تركيا إسقاط رأس المنطقة ـ مصر ـ لتحل هى محلها كشريك لإسرائيل، وشهدت المنطقة العربية أعتى موجة من موجات التآمر التاريخى، وها بدأت الفوضى التى أسموها خلاقة تعربد فى البلدان العربية هنا وهناك، وارتفعت أسهم تركيا لدى سيدها الأمريكى، حين دعمت الإخوان المتأسلمين بكل ما أوتيت من قوة لإيصالهم الحكم .. ودعمت الدواعش والتكفيريين الماسون ليعيثوا خرابا فى المنطقة العربية، ويطول ليل دامس حالك الظلام على الكبيرة فى المنطقة ( مصر ) لكنها تعد اللحظات عداً وتناجى السماء وترجو الإله .. أن يرد كيد المتربصين فى نحورهم .. فكان .. حين هب الشعب الأبى فى ثورته المجيدة العظيمة الثلاثين من يونيو ليطيح بكل المخططات التى حيكت على مدار عقود خلت .. لتقول مصر للأمريكى المعربد : انتهى اللعب الخشن فهيا إلى اللعب الناعم ـ اللعب على المصالح ـ على ألا شأن لك بخادمك الذى دفعته ناحيتنا ( تركيا ) .. ويقبل السيد الأمريكى التخلى عن خادمه .. وقد حان وقت تأديبه أدباً تتسامعه الدنيا .. المجد والخلود لمصر الحضارة والتاريخ .. السؤدد والعلياء لشهدائها الأبرار .. العز والإباء لشعبها المغوار .
الكاتب/ محمد مصطفى

ليست هناك تعليقات: