الاثنين، 14 مارس 2016

قبل أن تنفجر القنبلة بقليل - شعر أحمد قشقارة

قبل أن تنفجر القنبلة بقليل 
الشاعر أحمد قشقارة
قبل أن تنفجر القنبلة بقليل
وتصير جثة صديقي مجرد أشلاء مبعثرة
كنا نتحدث عن الشعر والحرب...
قال لي .. ليس بالضرورة أن تحكي القصيدة
عن ترّهات الأيائل والمطر الناعم والحنين 
وغابات الصنوبر والياسمين
والأشواق والعناق ساعة الفراق...
يمكن أن ينتاب الشاعر أحيانا
إحساس بأنه مثلا ابن كلب 
أو صرماية عتيقة
يمكن للشاعر أن يكتب عن علاقة الصداقة
التي نشأت بينه وبين جرذ كان يتقاسم معه
رغيف الخبز اليابس في زنزانته الانفرادية.. 
يحق للشاعر من باب العبث والقهر والجنون 
أن يلوي عنق اللغة ويفتعل القوافي 
ليقول إنه حلاق في بلاد الواق واق 
وإنه سرّاق أفّاق يتقن النفاق
قاق قاق قاق قاق........... 
وإنه يفضل قرطلا من التين 
على كل قصائد الحنين
نين نين نين نين ......


قبل أن تنفجر القنبلة بقليل 
(ليل ليل ليل ليل......)
أطفأ صديقي الحزين سيجارته 
وراح يحدثني عن رأيه 
بأن هذه الحرب كان لابد لها أن تستعر
حتى نكتب وصايانا 
للباقين بمحض الصدفة المهزلة 
للناجين بمحض المعجزة 
من جحيم المحرقة...

قبل أن تنفجر القنبلة بقليل
لم يكن صديقي يعرف أن قصيدته التي سيقرأها علي 
ستكون الأخيرة
تماما كما هي سيجارته الأخيرة..
قال لي:
كأني أراكم أيها القادمون من أصلابنا النتنة
حين نصير نحن السلف البائد
ويضيق التراب برفاتنا المدنسة
وأنتم تسيرون في مدن الرماد المدمّرة
كأني أراكم تلعنوننا صباح مساء 
تبولون على قبورنا
حين تقرؤون سيرتنا 
نحن الآباء السفلة المجرمون القتلة...
رأيتكم البارحة في المنام
رأيتكم في الزمن القادم
تشنقونني فوق جبل من رخام 
تلفون حول عنقي حبلا باردا 
من السيلوفان ...
كنتُ عطشانا 
وكانت عيونكم تحدق بي
كنت أبحث بين الجموع الواجمة
عن وجه يعرفني 
يذكّرني كيف كان
وكيف يكون البكاء....!

قبل أن تنفجر القنبلة بقليل
لم يحدثني صديقي عن رأيه في الشعر
ولم يطفئ سيجارته الأخيرة 
ولم يقرأ علي أية قصيدة
في الحقيقة لم يمت صديقي 
ولم تتحول جثته إلى أشلاء متناثرة
في الحقيقة كنت وحيدا بلا صديق
ولم أكن أسير في الشارع
ولم تنفجر القنبلة...
أو....؟
لعل الانفجار حدث فعلا 
وجثتي هي التي صارت أشلاء
وصديقي هو الذي كتب هذه القصيدة..!

ليست هناك تعليقات: