الثلاثاء، 21 مارس 2017

الامم المتحدة واستقالة ريما خلف - د. رياض عبدالكريم عواد

الأمم المتحدة واستقالة ريما خلف  
  
د. رياض عبدالكريم عواد
اسرائيل دولة فصل عنصري (أبرتايد)، هذه هي خلاصة التقرير الصادر عن لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا (الإسكوا) التي أُنشأت في 9 آب 1973. أدى هذا التقرير الى استقالة الأمينة العامة التنفيذية للجنة، ريما خلف، بعد ضغوط كبيرة عليها لسحب التقرير، لكنها قالت بشجاعة "استقلت لأنني أرى من واجبي الا أكتم شهادة حق عن جريمة ماثلة، وأُصر على كل استنتاجات التقرير". وقد قبل الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس استقالة خلف.
د. ريما خلف ...صوت الضمير الإنساني
وزارة الخارجية الفلسطينية اعتبرت أن التقرير يدق ناقوس الخطر، ويجب أن يقود إلى صحوة في المجتمع الإسرائيلي للضغط على حكومته لوقف احتلالها واستيطانها وممارساتها العنصرية، قبل أن يغرق المجتمع الإسرائيلي نفسه في نظام الفصل العنصري". في حين هاجم سفير إسرائيل في الأمم المتحدة داني دانون هذا التقرير مطالباً "الأمين العام للمنظمة الدولية التنكر تماماً لهذا التقرير الكاذب الذي يسعى الى تشويه سمعة الديموقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط".
في نص استقالتها من رئاسة الاسكوا الموجهة الى الامين العام للامم المتحدة، قالت السيدة ريما خلف، انها "تتفهم القلق الذي ينتابه بسبب هذه الأيام الصعبة والتي لا تترك له خيارات كثيرة". وأضافت: "ليس خافيا عليَّ ما تتعرض له الأمم المتحدة، وما تتعرض له أنت شخصيا، من ضغوط وتهديدات على يد دول من ذوات السطوة والنفوذ، بسبب إصدار هذا التقرير".
وكان الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريس، قد حذر من اقدام الولايات المتحدة على خفض مفاجئ في تمويل المنظمة، قائلا إن تلك الخطوة قد تقوض جهود الإصلاح. خاصة بعد ان نشر البيت الأبيض مخطط موازنة عام 2018، التي تسعى إلى إجراء تخفيضات كبيرة في الدبلوماسية الأميركية والمساعدات الخارجية. وتشير التقارير إلى أن الولايات المتحدة تدفع حاليا نحو 28 في المئة من كلفة بعثات حفظ السلام للأمم المتحدة، أو 7.9 مليار دولار سنويا، وهي أكبر حصة حاليا.
وكان الرئيس الفلسطيني محمود عباس قد منح السيدة ريما خلف أعلى وسام فلسطيني "تقديراً لشجاعتها ودعمها ووقوفها إلى جانب الشعب الفلسطيني وقضيته العادلة". فيما عبرت الحكومة الإسرائيلية، عن امتعاضها، من هذا  القرار، وقالت إن هذه الخطوة تشكل دلالات على قيام الرئيس محمود عباس بدعم جهات وصفتها بـ "المتطرفة"، بل أيضًا على شنه حرب دبلوماسية ضد إسرائيل.

درس ريما خلف: «الرجولة» ليست فعلاً ذكورياً فقط

كما اشاد العديد من الفلسطينين بموقف السيدة ريما خلف ووصفوه بالشجاع وبالرجولة وانها في هذا الزمان "إمرأة خير من ألف رجل" وتساءل اخرون "أين الرجولة" مما اثار حفيظة بعض الناشطات النسويات اللواتي استنكرن الربط بين الشجاعة والذكورة، حيث تساءلت السيد زينب الغنيمي، احد الناشطات النسويات "منذ متى والمواقف المبدئية والشجاعة حكرا على الرجال" و"منذ متى والرجل هو صاحب الحكمة والموقف فقط". كما عبر البعض عن موقفه من الامم المتحدة واعتبارها لعبة في يد امريكيا من اجل خدمة مصالح اليهود واسرائيل. ان هذا الموقف الاخير يبين الى اي مدى استهانة بعض الفلسطينيين بالنضال الحقوقي والدبلوماسي، وان المجتمع الفلسطيني، وخاصة الشباب من بينه، بحاجة الى مزيد من التعليم والوعي في هذا المجال الهام.
اظهرت استقالت السيدة ريما خلف، والموقف الامريكي الضاغط على الامم المتحدة وامينها العام، والتلويح بامكانية خفض حصتها من الموازنة العامة للامم المتحدة، وتصريحات ترامب في حملته الانتخابية واثناء فترة رئاسته الوجيزة، من ان الامم المتحدة في عهده ستكون شيئا اخرا. كل هذه المواقف تسلط الضوء من جديد على معضلة تمويل الامم المتحدة ومقدرة الدول الممولة على الضغط عليها، وعلى امينها العام ومؤسساتها، بعيدا عن القانون او القيم الانسانية؟! كما تبين بوضوح، باننا لسنا احرارا في التعامل مع الامم المتحدة ومؤسساتها، وانه يجب مراعاة موازين القوى داخل هذه المنظمة، وتأثير الدول القوية على آلية اصدار القرارات، وتبين مدى الصعوبة المستقبلية التي ستواجهنا كفلسطينيين، من اجل استصدار قارارات تدين دولة الاحتلال وممارساتها، وان الامم المتحدة في عهد ترامب تختلف عما كانت في عهود غيره.
إن النضال الدبلوماسي لا يمكن ان يحقق اهدافه بالضربة القاضية، وهو بحاجة الى طول نفس، ومراكمة للعديد من الانجازات السياسية وصولا لتحقيق اهدافنا. إن القرارات الدولية، وإن كان يصعب تنفيذها، فإنها تساعد الفلسطينيين على ملاحقة الاحتلال في المحاكم الدولية، لأن هذه المحاكم تستند للقانون الدولي عندما تستخدم قراراتها.
ان تطوير مواقف الامم المتحدة، وجسر الهوة بين اتخاذ القرارات وتنفيذها عمليا، يحتاج إلى موقف عربي موحد وواضح من الابتزاز الأمريكي المالي للأمم المتحدة. إن كل الدلائل تشير الى عدم جدية العرب وعدم مقدرتهم على اتخاذ مثل هذا الموقف، مما يتطلب منا كفلسطينيين، مواصلة نضالنا الدبلوماسي وفقا ما نملكه من نقاط قوة في عدالة قضيتنا ومبدئيتها، وما نجده من دعم شعبي ورسمي من كثير من شعوب ودول العالم.

ليست هناك تعليقات: