السبت، 25 مارس 2017

اولوياتنا الوطنية.. - د. رياض عبدالكريم عواد

اولوياتنا الوطنية.. 

د. رياض عبدالكريم عواد

ليس جديدا ان نعيد التأكيد على تغير الوضع الدولي وصعوبته، في ظل تنامي اليمين الاوروبي والامريكي والصهيوني، ووصول رموزهم الى سدة الحكم، واتخاذهم من وصول ترامب لرئاسة البيت الابيض نموذجا يقتدى به. هذه الصعوبة تتمثل في الهجوم على الشعوب واستنزاف مقدراتها واعادة تقسيمها، بما يتلائم مع مصالح الاستعمار الجديد .
ان ما يحدث في العراق وسوريا، وسيحدث في ليبيا واليمن، من اعاد تقسيم هذه الدول في اطار فيدرالي، وخلق كيانات قومية جديدة داخلها، تحت مبرر حق الشعوب في تقرير مصيرها. هذا بالاضافة الى انشغال مختلف دول المنطقة بمشاكلها الامنية والاقتصادية، التي تتفاقم حدتها في مختلف دول الاقليم. بالاضافة الى تصاعد العداء ضد ايران واعتبارها العدو الرئيسي بدلا من اسرائيل، مستغلين عبث ايران وتداخلاتها السافرة في عدد من دول المنطقة، هذا العداء وصل بالبعض الى الدعوة الى انشاء حلف "سني" ضد ايران، ليس من المستبعد ان تكون اسرائيل داعما له، إن لم تكن هي احد اطرافه؟!
في ظل هذا الظرف الدولي والاقليمي والفلسطيني، الذي يعاني من ضعف كبير في كثير من مكوناته، تحاول اسرائيل ان تكثف هجماتها العدائية ضد الشعب الفلسطيني، فلا يمر يوما والا ويسقط شهيدا هنا او هناك، هادفة من وراء ذلك، قتل الامل في نفوس الفلسطينيين، وزرع الشكك واليأس بدلا منه، واظهار السلطة الوطنية بمظهر الضعيف والعاجز عن الدفاع عن الشعب، وجر فصائل المقاومة الى ردات فعل غاضبة وسريعة تصب في مخططاتها السياسية؟!
تحاول اسرائيل والادارة الامريكية استغلال هذه الظروف ايضا، من أجل زيادة الضغط على السلطة الوطنية، وطرح متطلبات وشروط قاسية لاستمرار عملية التسوية واعادة احيائها، تتمثل هذه الشروط بالتركيز على ما يسمى بالتنسيق الامني، والهجوم على م ت ف والصندوق القومي الفلسطيني واتهامه بالارهاب، ومطالبته بوقف دعم اسر الشهداء والجرحى، وصولا الى المطالبة بتغيير جذري في منهاج التعليم الفلسطيني، بحجة انه يحرض على العنف والارهاب،
وتستغل اطراف عديدة، فلسطينية وعربية واقليمية، هذا الضعف الفلسطيني، وضعف م ت ف واهتمامها بفلسطيني الخارج، وتحاول ان تعقد العديد من المؤتمرات لضرب وحدانية التمثيل الفلسطيني، والتشكيك في مقدرة المنظمة على هذا التمثيل. كما تحاول دول اخرى ان تمارس ضغطا في الاتجاه الاخر، من اجل اضعاف الكل الفلسطيني، وخير مثال على ذلك، ما صرح به الوزير التركي جاويش اوغلو "مارسنا ضغوطنا على حماس لالقاء السلاح والدخول في مفاوضات مع اسرائيل، وقد ابدت استعدادها للقبول باسرائيل في حال حدوث اي تسوية". كما لا يخفى على احد، الدور القطري وما يقوم به مندوبها الدائم في غزة، من ضغوط في مجالات متعدد، مستخدمة ما تقدمه من دعم مالي في مجالات البنية التحتية والموظفين، وسيلة لتحقيق اهداف سياسية لم تعد خافية على احد.
ان كل ما طرحناه أنفا، وغيره الكثير، يدفعنا لطرح سؤالنا الاساسي، ما هي اولوياتنا الوطنية، هل نستطيع كفلسطينيين، رسميين وقوى وفصائل وغير ذلك، الاجابة على هذا السؤال بوضوح وتواضع وواقعية، تستلهم ظروفنا وامكانياتنا وامالنا وتاريخنا ومستقبلنا، ساحول ذلك من خلال النقاط الثلاث التالية:
اولا، المحافظة على السلطة الوطنية الفلسطينية وتعزيزها
ان دعم وجود الشعب الفلسطيني في غزة والضفة والقدس المحتلة فوق ارضه، وعدم المساعدة في خلق اوضاع سياسية واقتصادية تساهم في مساعدة اسرائيل على تنفيذ مخططاتها الهادفة الى تهجير شعبنا، وخاصة الشباب منه خارج وطنه، هو هدف ومهمة شاقة يحب مواصلة العمل من اجلها. ان هذا يستلزم الاعتراف بان السلطة الوطنية هي اهم انجاز تاريخي حققه الفلسطينيون في هذا العصر، وان هذه السلطة، بكل ما فيها من عجر وبجر، هي حاجة ضرورية للشعب الفلسطيني، وان هذه السلطة هي الجهة الوحيدة القادرة على دعم صمود الناس فوق ارضهم من خلال ما توفره من مرتبات للموظفين وللكثير من فئات المجتمع الاخرى، بالاضافة الى ما تقوم به في مختلف المجالات الاقتصادية والاجتماعية والصحية والتعليمية. إن فذلكة ونقد الكثير من المثقفين والقوى السياسية لهذه المهمة الاستراتيجية، التي تقوم بها السلطة ووصفها بانها "صراف آلي وحارس لامن اسرائيل" هو نقد غير حقيقي وغير موضوعي، ويمثل عدم معرفة واستيعاب لاهمية هذا الدعم، ودوره في تعزيز صمود شعبنا فوق ارضه، كما يمثل عدم مقدرة هؤلاء على تخيل حجم الكارثة التي ستحدث لشعبنا، ان لم تستطع هذه السلطة الايفاء بالتزامتها الاقتصادية والاجتماعية، ويؤكد على عدم استفادة الفلسطينين من تجاربهم السابقة واستلهام دروس سقوط حكومة عموم فلسطين؟!
ثانيا، منع قيام حرب على غزة
اسرائيل مستعجلة من امرها في شن حرب جديدة على غزة، تكون اشد واعنف واقسى من كل حروبها السابقة، تبدأ فيها من حيث انتهت حربها الاخيرة على غزة عام ٢٠١٤ من تدمير للابراج السكنية في غزة، واحتلالها، والبطش بالسكان وايقاع عدد كبير من القتلى والجرحى في صفوف المدنيين، وتوجيه ضربة قاصمة لقيادات الاجنحة العسكرية وتصفية النشيطين والمبدأيين من بينهم، من اجل فرض مخططاتها وشروطها التي تعمل عليها من زمن بعيد، ويآتي على رأس ذلك محاولة تهجير اهل غزة او نسبة كبيرة من بينهم، للتغلب على الخطر الديمغرافي الذي تمثله غزة والشعب الفلسطيني على الكيان الصهيوني، ومحاولة فرض مشروع دولة غزة كحل استراتيجي للمشكلة الفلسطينية،
ثالثا، النضال ضد مشروع دولة غزة
رغم تأكيد كل الاطراف الفلسطينية، بانه لا حل سياسي بدون غزة، ولا دولة منفصلة في غزة، ولا دولة بدون غزة، الا ان المعطيات والممارسات العديدة على الارض، ليس من قبل العدو فقط، تستلزم على الكل الفلسطيني، ان يبقى يقظاً تجاه ما يتم طرحه من مشاريع في هذا المجال، والعمل على افشاله في المهد، لان في تحقيقه تدمير لمرحلة طويلة من النضال الوطني الفلسطيني، من اجل تحقيق الكيانية الفلسطينية، وصولا لاقامة دولة وطنية فوق الاراضي المحتلة عام ١٩٦٧ عاصمتها القدس.
هذه هي اهم اولوياتنا الوطنية، فهل نمتلك المقدرة والوعي ونتحلى بالواقعية، ونبتعد قليلا عن الخطابة والرتابة والكلمات الكبيرة والمنمقة، ونكف عن الكذب وبيع الناس جوز فارغ، من أجل تحقيق اهدافنا الوطنية، ونمنع تدمير شعبنا واماله ومستقبله، ووقوعه في شرك المخططات الاسرائيلية، وفقا لمعطيات المرحلة وموازين القوى السائدة، ام نغني مثلما كنا نغني، مع الاعتذار لشاعر روحنا!!!!

ليست هناك تعليقات: