الاثنين، 27 مارس 2017

سياسة الاغتيال الاسرائيلي والرد الفلسطيني - د. رياض عبد الكريم عواد

سياسة الاغتيال الاسرائيلي والرد الفلسطيني 
د. رياض عبد الكريم عواد

إن سياسة الاغتيال السياسي ليست جديدة في إسرائيل، لقد استخدمتها داخل الأراضي المحتلة وخارجها منذ زمن طويل، حيث لم تتوقف هذه  السياسة حتى قبل قيام دولة اسرائيل. لقد حفل التاريخ الاسرائيلي منذ نشأتها في مايو/أيار 1948 بملاحقة الشخصيات العربية والفلسطينية التي تناهض سياستها واغتالتها في الداخل والخارج، وفي كثير من دول أوروبا وأميركا.
 وقد يكون من أهم أعمال الارهاب الاسرائيلية قبل عام 1948، التفجيرات في الأسواق العربية، في حيفا ويافا والقدس، وتوجت هذه الأعمال باغتيال الوسيط الدولي الكونت برنادوت في القدس في 17 سبتمبر/أيلول 1948، بسبب صياغته تقريراً للأمين العام للأمم المتحدة يدين إسرائيل ويحملها تبعات النكبة الكبرى.
صمتكم يؤلمنا


 ولم تتوقف هذه السياسة الاسرائيلية إزاء الشعب الفلسطيني ورموزه ليومنا هذا، بغض النظر عن الخلفية السياسية لهذا الرمز أو ذاك. لهذا تعتبر عمليات الاغتيال الإسرائيلية دالة على الإرهاب المنظم الذي تقترفه الحركة الصهيونية وإسرائيل ضد الشعب الفلسطيني.

المجلس الوزاري الإسرائيلي المصغر في 3 يوليو/تموز 2001، أشار إلى مواصلة سياسة الاغتيالات والتصفيات ضد النشيطين الفلسطينيين، وذهب المجلس المذكور إلى أبعد من ذلك، حيث أكد أنه ليس هناك أحد من الفلسطينيين محصناً أمام الاغتيال. وأعلن أفرايم سينيه، نائب وزير الحرب الأسبق، أكثر من مرة أن جيش الاحتلال سيواصل ضرب الفلسطينيين، وأن الاغتيالات والتصفية الجسدية للفلسطينيين تعتبر وسيلة فاعلة وأكثر دقة من غيرها، في حين زعم الرئيس الإسرائيلي السابق موشيه كتساف في أكثر من مناسبة، أن اغتيال إسرائيل لكوادر فلسطينية يندرج في إطار الدفاع عن النفس.

لو تتبعنا بعجالة بعض عمليات الاغتيال التي قامت بها اسرائيل، لوجدنا انها اقدمت في 1972 على إغتيال الكاتب والمفكر غسان كنفاني في بيروت بتفجير سيارته،  وفي أبريل 1973 اغتالت القادة محمد يوسف النجار وكمال عدوان وكمال ناصر في عملية الفردان. وتم اغتيال أبو جهاد في ابريل ١٩٨٨ من خلال فرقة كوماندوز إسرائيلية في تونس على اثر اندلاع الانتفاضة الاولى. كما اغتالت في يناير 1991 القادة صلاح خلف وهايل عبدالحميد وابو محمد العمري فى تونس. ولاحقت واغتالت سفراء م ت ف ومثقفيها امثال وائل زعيتر ومحمود الهمشري وباسل الكبيسي. واغتالت قادة الفصائل امثال فتحي الشقاقي وخالد نزال وحاولت تسميم خالد مشعل. هذا بالاضافة الى اغتيالها عدد كبير من العلماء والمثقفين العرب، خاصة الذين يعملون في مجالات الذرة والتكنولوجيا الحديثة.

وتصاعدت حدة الاغتيالات الاسرائيلية منذ عام 2000، حيث بلغ ذروتها باغتيال القادة الفلسطينيين أبو علي مصطفى، والشيخ المقعد أحمد ياسين، والدكتور عبد العزيز الرنتيسي. بالاضافة الى عدد كبير من القادة والكوادر الميدانيين الفلسطينين. وواصلت اسرائيل سياستها باغتيال القيادي محمود المبحوح في دولة الامارات عام 2010، والقائد أحمد الجعبري في نوفمبر ٢٠١٢. واغتال الموساد الإسرائيلي الشهيد عمر النايف في فبراير ٢٠١٦ في بلغاريا، ومهندس الطيران التونسي محمد الزواري في مدينة صفاقس في ديسمير ٢٠١٦، والشهيد مازن الفقهاء في غزة في مارس ٢٠١٧

إن هذه المتابعة الموجزة لسياسة الاغتيالات الاسرائيلية، تؤكد أن الاغتيال أصبح فكراً ومنهجاً منظماً لدى قادة اسرائيل وحكوماتها المتعاقبة، لا سيما أن الكثير من هؤلاء القادة قد شاركوا بالعديد من الاغتيالات، وعلى رأس هؤلاء بعض الشخصيات التي تبوأت منصب رئيس وزراء إسرائيل، مثل إسحاق شامير، وإسحاق رابين، وأرييل شارون، وشمعون بيريز، ومناحيم بيغن، حيث انضووا في إطار العصابات الصهيونية، الهاغانا والشتيرن والأرغون وغيرها.
 
ان اسرائيل تهدف من وراء سياسة الاغتيال التي تتبعها الى:
اولا، كسر حلقات النضال الفلسطيني ووقف هذا النضال، معتقدة ان غياب القادة سيؤثر سلبا على هذا النضال.
كما تهدف اسرلئيل ثانيا الى، بث الخوف ونشر الرعب بين الفلسطينيين، وايهامهم بان يد اسرائيل العسكرية والامنية طويلة وتستطيع ان تصل الى "اكبر رأس" والى الجميع.
بالاضافة الى ذلك، تهدف اسرائيل ثالثا، الى نشر البلبلة بين صفوف الفلسطينيين والتأكيد لهم ان فصائلهم ومؤسساتهم واصدقائهم، جميعهم مخترقين من قبل اسرائيل، وتستطيع اسرائيل ان تستخدمهم كيفما ووقتما شاءت. كما تهدف الى زرع الوهم في العقل الفلسطيني الجمعي حول العملاء وعددهم ومقدرتهم، وان هؤلاء العملاء متواجدين في كل مكان وبين صفوف جميع التنظيمات وفي كل المؤسسات المحلية والدولية، وبالتالي لا فائدة كبيرة ترجى من هذا الشعب ولا من مؤسساته ولا من اصدقاءه ولا من تنظيماته!!!
والهدف الرابع، وليس الاخير، الذي تسعى له اسرائيل من وراء هذه السياسة المجرمة، هو زرع اليأس والاحباط بين صفوف الفلسطينيين الذين يرون يد اسرائيل الطويلة ومقدرتها على القتل والعبث في الداخل والخارج، وفي نفس الوقت لا تجد هذه الجماهير من يفي بوعوده وتهديداته الكثيرة والمتكررة بعد كل عملية اغتيال.

هل استطاعت اسرائيل ان تحقق اهدافها من وراء سياسة الاغتيالات التي اتبعتها، هل توقف الفلسطينيون عن الكتابة والابداع والتفكير بعد اغتيال كنفاني، هل توقفت الانتفاضة الاولى باغتيال ابو جهاد، هل انتهت فتح والشعبية وحماس والجهاد باغتيال ابو اياد وابو علي مصطفى والياسين والشقاقي؟! اعتقد، لا داعي للاجابة على هذا السؤال البسيط، فحلقات النضال الفلسطيني تتواصل بل وتتصاعد الى الامام.

ولكن علينا ان نسأل، كيف تعامل الفلسطينيون مع هذه الاغتيالات، إن المتابع  للفلسطينيين وتنظيماتهم يجد انهم قد تعاملوا مع ذلك بالوعود والتهديدات، وزرعوا في العقل الفلسطيني اهمية وقدسية الثأر والانتقام بعد كل عملية اغتيال، فهل استطعنا تنفيذ ذلك؟! في الحقيقة اننا حاولنا ذلك، ونجحنا هنا وفشلنا هناك، ولكن بالاجمال، لا تسمح امكانياتنا وظروفنا وواقعنا، ان تكون سياسة العين بالعين والسن بالسن والرأس بالرأس، هي سياسة ممكن اتباعها وتطبيقها بعد كل عمل

هي سياسة ممكن اتباعها وتطبيقها بعد كل عملية اغتيال. كما لا تسمح امكانياتنا بالرد الفوري على كل عملية اغتيال، ومن البديهي ان تكون ردودنا محسوبة وفقا لامكانياتنا، على الا تجلب لنا مزيدا من القتل والدمار وتجعلنا نقع في الشرك الاسرائيلي، وننجر دون ان ندري لتنفيذ سياساته وتحقيق اهدافه من عملية الاغتيال. ان هذه التعبئة الخاطئة ووضع الاهداف غير ممكنة التحقيق هو من يزرع اليأس والاحباط في عقول الجماهير الفلسطينية.

ومن الملاحظ ايضا، أنه بعد كل عملية اغتيال تزداد نبرة اتهام العملاء بانهم هم الذين نفذوا تلك العملية القذرة، وترتفع الاصوات التي تحذر من تزايدهم بين ظهرانيينا، وان من فعل ذلك هم من ابناء جلدتنا، وان التنسيق الامني بين السلطة واسرائيل هو المسؤول المباشر عن هذه العمليات الجبانة، وتزداد المطالبة بملاحقة العملاء وتتوزع الاتهامات على هذه المؤسسات وتلك المنظمات المحلية والدولية، ويجمع الكثيرون انه لا حل ولا علاج لهذا الوباء الا بمحاكمة العملاء محاكمة عسكرية وفورية، واعدامهم دون رحمة او شفقة.

 ولكن السؤال، هل اعدام العملاء فيما سبق اثر على وجود العملاء بين الشعب الفلسطيني؟! أليس هذا الخطاب وهذه السياسة هي التي تزرع الشك واليأس بين صفوف الجماهير وتجعلها تشك في نفسها وفي كل من حولها. طبعا لا احد ينكر ان هناك عملاء بين صفوف الشعب الفلسطيني، كما كان هناك عملاء بين صفوف كل الثورات في العالم، ولكن هل تضخيم حجمهم وامكانياتهم يمكن ان يكون في صالح استمرار النضال الفلسطيني. علينا ان نتعامل مع ظاهرة العملاء تعامل اي طبيب ماهر يود ان يكون الشفاء حليف مريضه ومجتمعه فيبحث عن السبب/الاسباب الحقيقية التي ادت الى هذا المرض او هذا الوباء، ويعالجها ولا يهتم كثيرا بمظاهر المرض، الاحتلال هو السبب الحقيقي!!!

ان علينا كفلسطينيين أن نتعامل مع سياسة الاغتيالات الاسرائيلية تعاملنا مع مجمل سياسات الاحتلال الاسرائيلي من قتل واستابحة لمناطقنا، ومصادرة لمياهنا واراضينا واقامة المستوطنات عليها، وتهويد الاقصى وتدنيس مساجدنا، وهدم بيوتنا ومختلف سياسات القمع والمصادرة والحصار والاذلال التي تنتهجها حكومة الاحتلال الاسرائيلي ضد شعبنا. يجب ان نتعامل مع الاحتلال بكل سياساته "بالجملة مش بالمفرق". هذا هو المؤشر على مقدرتنا على مواصلة نضالنا الطويل، لا نستطيع ان نتعامل مع كل سياسة تنتهجها اسرائيل بمعزل عن السبب الاساسي والحقيقي الذي ادى الى كل ذلك، ألا وهو الاحتلال.


إن مواصلة نضالنا ومقاومتنا الشعبية، ونضالنا السياسي والحقوقي والدبلوماسي، وفضح سياسات اسرائيل العدوانية، بما فيها سياسة الاغتيالات، في المحافل الدولية، واستخدام المنظمات الدولية والقانون الدولي، وحشد الرأي العام العالمي ودول العالم الصديقة، ضد كل سياسات الاحتلال، بما فيها الاغتيال السياسي، هو الطريق الصحيح والممكن الذي يستطيع ان يستخدمه شعب ضعيف في مواصلة نضاله الشاق والطويل نحو الحرية والانعتاق واقامة الدولة المستقلة.

ليست هناك تعليقات: