الثلاثاء، 28 مارس 2017

مؤتمر القمة العربي...الارهاب والكباب والواقع العربي -د. رياض عبدالكريم عواد

مؤتمر القمة العربي...الارهاب والكباب والواقع العربي 
   

د. رياض عبدالكريم عواد

ينتهي فيلم الارهاب والكباب، بان يُبلغ قائد وحدة الامن المركزي التي اقتحمت مجمع التحرير، بعد ان وجد المواطن عادل امام/ممدوح نفسه ومجموعة من المواطنين متورطين في احتلال المجمع واحتجاز عدد من المواطنين داخله دون رغبة او تخطيط منهم، يُبلغ السيد وزير الداخلية، بانهم لم يجدوا ايً من الارهابيين "ما فيش ارهابيين يا بيه".


قد يعبر هذا الفيلم الذي قام ببطولته عادل امام منذ سنوات طويلة عن الاسباب الحقيقية لتفشي ظاهرة الارهاب في المجتمع العربي.
فالمواطن العربي المطحون وهو يجري خلف لقمة العيش "ويا دوبوا لاحق يطولها"، والذي يعاني من الزحمة وعبثية الحياة في كل مناحيها وتفاصيلها اليومية، كما يعاني من الاجراءات البيروقراطية في الدوائر الحكومية التي تُحول حياة الناس الى احباط ويأس شديدين من امكانية انجاز ولو عمل بسيط في وقته المحدد. والظلم الذي يوقعه المسؤولون المتنفذون على صغار الموظفين، وبعض الكبار منهم، واستخدامهم كأنهم عبيد يعملون في بيارة "اللي خلفهم"، وكخدم للست الهانم والابن المدلل. ويأس المجتمع، وخاصة الضعفاء منه، في الحصول على حقوقهم الشرعية من خلال القانون وعدالة المحاكم، كل هذه الظروف تدفع بالانسان العربي ان يكفر بحكومته ويُجبر على العمل ضدها بكل وسائل العنف المتاحة، ويتوهم أنه بالقضاء على هذه الدولة الظالمة ستتحقق امنياته في التغيير!
يترافق هذا الوضع المزري لحياة الانسان العربي في مجتمعه مع انتشار نسبة البطالة والتي تصل الى اكثر من ٣٤٪ في بعض المجتمعات، وترتفع هذه النسبة بين الشباب والمرأة بصفة خاصة. كما ان معدلات الفقر والجوع في تزايد خاصة في ظل الحروب العربية البينية، وتزايد اعداد المهجرين العرب، من بلادهم وفي داخل بلادهم، بسب الحروب الطائفية. وتتدنى المرتبات في الدول العربية الاساسية وتصل الى اقل من ١٥٠ دولار في الشهر. وتنعدم المحاسبة والشفافية في بلاد العرب لتصبح في ذيل دول العالم ترتيبا، وتزداد فئات الحرامية وتجار المخدرات والاغذية والادوية الفاسدة وكبار الموظفين والمتنفذين غناً وترفا على حساب الفئات المهمشة، التي يبحث بعض ابنائها عن ما يقيتهم في ما يلقيه هؤلاء المتخمون في الزبالة. ويتحول التعليم من عملية ابداعية تهدف الى  تخريج المتعلمين والفنيين والمثقفين الى وسيلة لتلقين وحشو عقول الخريجين بأفكار متخلفة ورجعية، تحض على رفض الاخر وتقدس كل ما هو غيبي، من أجل الحصول على شهادات لا تساوي في كثير من الاحيان الحبر الذي كتبت به.
ان هذه الاوضاع المزرية يتم تزيينها وتجميلها بواسطة وسائل الاعلام التي تجيد خلق المبررات والتبريرات لواقع المجتمع الظالم. كما تمثل هذه الاوضاع فرصة لانظمة الحكم لاستخدام حركات الاسلام السياسي في تصفية حساباتها مع الوطنيين والتقدميين. هذه الحركات التي بدورها، تستغل المساحة التي يمنحها لها النظام وتجمع من حولها كل الهاربين من نار السلطات والحكومات، وتحتظن هؤلاء الهاربين الضائعين وتربيهم على مزيد من الحقد ليس على الحكومات فقط، بل وعلى الدولة ومؤسساتها وجيشها، حيث تعمل هذه الحركات على ادلجة هؤلاء الشباب على ضرورة نبذ هذا المجتمع "الكافر"، ومعاداة جيشه وشرطته وقواته الامنية، واقناعهم بان قتال هؤلاء "الزنادقة" هو الباب الوحيد المفتوح للوصول الى الجنة ونعيمها والظفر بالحور العين والولدان المخلدون.
كما تترافق هذه الاوضاع المزرية مع تغول الدول الاستعمارية، وشجعها المتزايد على نهب مقدرات الشعوب الضعيفة، وتفتيبت دولها، بعد ان تنشر بينهم الحقد والكراهية، وتعمق من قيم وممارسات الطائفية والمذهبية والقبلية، وصولا لخلق حروب غير مفهومة وبدون افق او هدف بين مختلف مكونات المجتمع، وبين الدولة وجيرانها. تهدف هذه الحروب الى تحويل الدولة الى دولة فاشلة، واجراء جراحات ديموغرافية عميقة، من خلال تهجير مجموعات اثنية ومذهبية وقومية من مناطقها الى مناطق جديدة، لتخلق واقعا طائفيا جديدا على الارض، لا يمكن تجاوزه او اصلاحه، حتى بعد انتهاء الحروب واقامة شكل من اشكال الدولة التابعة والهزيلة؟!
في ظل هذه الوقائع، والواقع شديد التعقيد، يجد الوطنيون الحقيقيون انفسهم في ورطة شديدة، وقد تضيع منهم البوصلة، فيساهموا دون قصد بتدمير مؤسساتهم ودولتهم، ويجدوا انفسهم، دون تخطيط، ألعوبة في أيدي قوى ودول اقليمية ودولية، تعمل وفق مخططاتها وبناء لمصلحتها، غير مكترثة لاي من القيم الانسانية التي تدعي انها تعمل من أجلها.
وفي ظل الثورة التكنولوجية، وتحول العالم الى قرية واحدة، وانتفاء امكانية قيام ثورات وطنية، او حتى انقلاب عسكري يقوم به وطنيون من الجيش، دون تدخل مباشر من دول الاقليم وبالتفاهم مع الدول الكبرى، لا يجد الوطنيون امامهم من سبيل من اجل التغيير الاجتماعي والسياسي داخل مجتمعاتهم، الا الطريق الديمقراطي للتغيير، ومراكمة الاصلاحات والانجازات الصغيرة في هذا المجال، حفاظا على الدولة ومؤسساتها، والمجتمع وابنائه من صراع مجتمعي طويل وحرب اهلية وتدخل خارجي، يحيل حتى الانجازات ومستوى الحياة في ظل الانظمة الدكتاتورية، الى امنية يتمناها الكثيرون، بعد ان ذاقوا ويلات الحروب والتشرد والتهجير.

ان النظام العربي مدعو الى تطوير انظمته السياسية والاجتماعية، واتاحة الديمقراطية لابناء المجتمع، ومحاولة توزيع الثروات بالعدالة، وتطوير التعليم، حتى تستطيع دول الاقليم ان تحافظ على كيناتها وشعوبها من خطر التطرف والحروب الاهلية، ومخططات الخارج الذي يسعى الى تفتييت دولهم الى كيانات اثنية ومذهبية وقومية.

ليست هناك تعليقات: