الثلاثاء، 7 مارس 2017

غزة تحاول ان تتلقط رزقها ؟ د. رياض عبدالكريم عواد

غزة تحاول ان تتلقط رزقها ؟ 
 د. رياض عبدالكريم عواد

حَينا يتربع وسط اراضي زراعية كانت خضراء واسعة ذات يوم، وبيوته كانت قليلة متناثرة.....في حينا يستيقظ الناس مبكرا عند صلاة الفجر ليأخذوا نصيبهم من تقسيم الارزاق. العيشة بدها الخفية، وولاد حينا شاطرين وبحبوش قعدة الحيطان زي ولاد مخيمنا!!!
تجدهم في الصباح راكبين على الكارات أو مشعلقين على التكاتك المحملة سبانخ وفجل وبصل اخضر وسَلق، وبعضهم حامل بوقجة النعنع على ظهره وبسوق باسكليته، وواحد يحمل خضرته على الكارة متوجها الى سوق الجملة، واخر يحمل اغنامه في قفص حديد، صنع خصيصا ليحمله على كارته، ويتجه به الى سوق الحلال.

وتلك المرأة الستينية تحمل اقفاص الدجاج والبط والحمام والزغاليل وفقس الحبش البلدي على كارة ابنها لتجد لها مكانا في السوق قبل الزحمة لتعرض بضاعتها على الزبائن
وهذا ولد في العاشرة من عمره عائدا مستعجلا من السوق على كارته بعد أوصل السلق والسبانخ الذي جمعوه اهله عصر الأمس، يريد ان يلحق ليتناول فطوره ويغير هدومه ويذهب جريا حتى لا يتأخر عن مدرسته التي يحبها ويتفوق في دروسها
وهذه كارة تجرها حمارة ضعيفة يقودها رجل في منتصف العمر، بربيشه في ايده، حا يا حمار حا يا حمار، يريدها ان تطارد الريح، ناسي انه محمل عليها عمته التي تبيع الكشك والجرادة الناشفة والعدس البلدي، وزوجة اخية اللي بدها تبيع زوجين من البط لتصرف على العيال، وكمان جارتهم اللي بدها تبدل زوج الزغاليل البلدي بديك حتى يكبس الدجاجات.
ابوحسين، شاب في الثلاثينات، يشتري البقدونس والجرادة الخضراء من جيرانه، عصر كل يوم، يستيقظ فجرا، يدكها داخل بقجة من خيش ويحملها على دراجته المهترئة، يدفع الدراجة بجسمه الثقيل الذي ينقط عرقا رغم برودة الصباح، ويديه تمسك بقوة ببقجة البقدونس حتى لا تقع عن الدراجة، وصوت نفسه اللاهث باين للعيان، يصل الى شارع صلاح الدين، فينتظر احدى السيارات لتقله ليبيع بضاعته في احد الاسواق الاسبوعية، هذا حاله كل صباح، يعود من السوق مساء مغبرا يجر جسده المتهالك وكيس الخيش فارغ على كتفه، وقد جمع غلة اليوم من ٣٠-٥٠ شيكل، الف بركة وحمد وشكر


سوق "الأربعاء" بخانيونس.. السوق الشعبي الأشهر في قطاع غزة
بسام ، له بسطة في سوق خانيونس، يصلي الفجر ويخرج فور ان يتم الامام تسليمة الصلاة، يسابق الهواء ليصل الى بسطته، ويهيأها عسى ان يكون هذا اليوم يوما مباركا
نستيقظ في الصباح على اصوات متعددة، بنغمات ثابتة متكررة، لا يمل اصحابها من ترديدها، في الصباح والمساء ينادي بائع الحليب ، سخن وطازج يا حليب، جبنة بلدية.......وعند الظهر يكون بائع اللبن الخضيض ينادي ليبيع لبناته
باصات نقل اولاد المدارس والروضات تتوافد، ينتظرها الاطفال قبل طلوع الشمس، ساق الله على ايام زمان، كنا نروح على المدارس كعابي ومن غير آه وبشحوط نص نعل وبنطلون بخمس نظارات
صوت من فوق التكتك ينادي كلور...كلور...كلور....يالله يا كلور، يالله يا مية النار، يالله معطر غسيل، صابون جلي، نقع للغسيل، كم تستهلك غزة من الكلور؟! وما السر في ذلك؟! اكثر من عشرة بائعي كلور يمرون في حينا؟!
طحين مسوس، اللي عنده طحين مسوس للبيع، بيض جديد وطازة، الطبق ب ١١ شيكل، كيف اجتمع شراء الطحين المسوس مع بيع البيض! غزة بلد العجايب!!! في حدا في العالم ببيع طحين مسوس، هذا بركات الانروا وال CHF وكابونات الجمعيات
تكتك يتحرك بطيئا، يقوده شاب وينده شاب اخر، اللي عنده الومونيوم، غازات، مواتير خربانة للبيع، برابيش، براميل بلاستك، غسالات قديمة، كراسي مكسرة، يافتاح يا عليم يا رزاق يا كريم، من الصبح!! يشترون الالمنيوم والبلاستيك بالكيلو ويجمعون بعضه من الطرقات والزبالات، بائعي البلاستيك بتوع كيف ودين، في الصباح يكون صوت القران يلعلع من الميكرفون المثبت على الكارة، وفي المساء تغرد ام كلثوم او تنادي جوليا بطرس وين الملايين، على حسب الوضع السياسي؟!
من مدة قريبة اصبح يزور حارتنا تكتك مميز ينادي سائقه بصوته الضعيف اللي عنده شباك بده تصليح، اللي عنده باب بده قفل، بنصلح طناجر الكهربا وسخاناة الميه، جديد غزة ان الخدمات تصلك وانت جالس في بيتك، البطالة وقلة الشغل بتخلي الناس تخترع!!
عربية بيجو قديمة ينادي سائقها بندورة بالبكسة، خيار بالبكسة، بطاطا بلدية بالبكسة، وبطاطا حلوة، بصل بالبكسة، بندورة حمرة كدار بسبعة شيكل البكسة، والخيار بسبعة شواكل والبصل والبطاطا بسبعة كمان، هذه الايام البكسة انسخطت  وصارت كيس نايلون يتسع الى ٤-٥ كيلو! كم عربية بيجو تمر في حارتنا كل يوم؟!
ابو طه، على الكارة يردد ويعيد وينادي زهرة بشيكل، ملفوف الراس بشيكل، باذنجان الكيلو ب ٤ شواكل، جزر، افوكادو، موز وتفاح و فرسمونة  و كلمنتية  ال ٤ كيلو ب عشرة ، مين بيقول غزة مش مزدهرة، معقول سيادة النائب بكذب؟!
كارة السبانخ والسلق والفجل والبقدونس والجرادة الخضراء تشرفنا كل يوم قبل اذان الظهر بدقائق، ابو عاصي لا يتعب من المناداة على بضاعته، ربطة البقدونس بشيكل والسبانخ ب ٣ شواكل والسلق ب ٢ شيكل، يا بلاش؟!
عند الظهر يشرفنا بياع اصابع الحلب  والترمس والفول النابت، ازكى من اللوز يا ترمس، شاب جميل، له عدد من عربات لبيع الترمس والفول النابت والباسكويت واصابع الحلب، بيشغل عليها شباب صحابه، في الصباح يقف امام المدارس ومنذ الظهيرة حتى المساء يدور ويزق عربيته بحثا عن رزقه.
 
في المساء يشرفنا بياع الكعك والنمورة، سُخن الكعك، شَكل بيدك، الكيلو ب ٧ شواكل من البورما وشفايف الستات والكنافة والبقلاوة، طبعا هذه نمورة الغلابة مصنوعة من طحين مش من سميد!!

عوكة، سخنة العوكة ، لذيذة وطيبة العوكة ، بَيْع الكعك بالسمسم والعوكة المحشية شوكلاتة عادة قديمة، كانوا يحملونها على فرش خشب فوق رؤوسهم ويندهون عليها في شوارع مخيماتنا الضيقة، افتقدنا في هذا الزمان بياعي الذرة السخنة والمشوية، صاروا يبسطون بها على الشوارع والنواصي، بيولعو النار بعجال الكوشوك وقزايز البلاستيك، لان دخنتها السودة تجعل الذرة صحية وطعمها لذيذ!!

مازال الوقت مبكرا على بائعي البرد والبوظة، بطفي الشوبة البرد، ما زالت الدنيا لم تولع حتى نطفيها بالبوظة و حتى نطفيها بالبوظة والبرد

من النادر ان تسمع بياعي السمك في حارتنا، السمك في غزة انقطع والبحر اللي كان يكب علينا السردينة صرنا نكب فيه مجارينا، شرد السمك وماتت فقساته، احيانا تصلنا عجوز مع ابنها على كارة معها كم سمكة بوري صيداها من عند وادي غزة، بتبيعهم على اللي الله منعم عليهم، بعد ما تحلف الف يمين انهم سمكات طازة ومصيودين من نص البحر؟!

شوارعنا تعج بالاسواق المتحركة على سيارات قديمة مهترئة، وتكاتك وعربات كارو تجرها حمير تعبانة وجعانة، الكل بيحاول يلقط رزقه، والرزاق هو الله، ضيق الحال بسوي اكثر من هيك، مش هي رغيدة


شباب زي الورد، بياع الحليب معاه ماجستير في الارشاد النفسي، وبياع الغنم متخصص في الرياضيات، وبتاع الخردة معلم صف وووووو شباب ملهاش حظ؟!

اصوات تتداخل احيانا، بعضهم يستخدم مكبرات الصوت، واخرين يستخدمون مسجل للصوت، ينادي تارة ويغني اخرى، والبعض حباه الله بحنجرة تُغنية عن كل ذلك. تنزعج احيانا من اصواتهم واحيانا اخرى تشتاق الى حركتهم وتدعو الله ان يرزقهم.

شباب وولاد صغار بتلم الدبش والصرار والحجار المكسرة من الردم المرمي في الشوارع ، تحمله على كارة وتبيع حمولة الكارة ب ٥ شيكل، تكسره مصانع البلوك وتعيد استخدامه في غش وصناعة حجارة البناء، مصيبة قوم عند قوم فوائد!!!

جرس سيارة المياه المفلترة مميز، اعتقد ان كل غزة تشرب مياه مفلترة، هل الرقابة الصحية على هذه المياه من المصدر الى المستهلك كافية، هل نسبة الاملاح المتبقية فيها وهي ضرورة للصحة العامة حتى لا يصاب الاطفال بضعف الاسنان ولين العظام يتم مراقبتها، نتمنى ذلك، سؤال لاصحاب الاختصاص، متى سنستبدل براميل البلاستيك ببراميل اساتنستيل حتى نحافظ على صحة أُسرنا؟! بدها مشروع قطري، وينك يا عمادي!!!

كارات حاملة خشب الباطون، وتكاتك تحمل الاسمنت، واخرى تحمل الرمل والحصمة ، وبغال تجر سياخ حديد الباطون، جرافات بتحفر وتراكتورات بتحرث، حركة الحياة والبناء واعادة الاعمار نشطة في غزة هذه الايام، رغم خوف الناس من الحرب، شكرا لكل من ساهم وسيساهم في اعمار غزة بعد كل حرب قديمة وجديدة، اليهود يدمرون والعالم يساعدنا في اعادة البناء، مرونجية ولكل دوره المحدد، شكرا يا عالم!!!

ليست هناك تعليقات: