الأحد، 5 مارس 2017

غزة .. سؤال الحرب والتهجير - د.رياض عبد الكريم عواد

غزة ...سؤال الحرب والتهجير
 د. رياض عبدالكريم عواد

تسود العالم العربي حالة من الفوضى والحروب الطويلة تستهدف في الاساس تدمير الدول المركزية العربية، وتفتيتها واعادة تركيبها من جديد، على أسس أثنية وطائفية. إن واحدة من نتائج هذه الحروب هو موجات اللاجئين التي تهرب من أتون الحرب، وفقدان الامن، وتردي الاوضاع الاقتصادية. فالحرب على سوريا شردت أكثر من 11 مليون سوري، داخل البلاد وخارجها، والحال في العراق وليبيا واليمن لا يقل بشاعة ومأساوية عن الوضع السوري
.

ان واحدة من الاسئلة التي تهمنا كفلسطينيين هو: هل ستحاول اسرائيل ان تستغل هذا التأييد الامريكي الاعمى لها في عهد ترامب، في ظل الضعف العربي والوضع المعيشي الصعب في قطاع غزة، من أجل شن حرب مدمرة على قطاع غزة، يكون احد اهدافها تهجير معظم سكانه، واجبارهم على النزوح جنوبا باتجاه سيناء؟!
تاريخيا، لقد فعلت العصابات الصهيونية ذلك من قبل، حيث بلغ عدد اللاجئين الفلسطينيين الذين هُجروا في 1948–49، 850،000، هُجروا من ٥٣١ قرية ومدينة، من أجل إقامة الدولة اليهودية- إسرائيل.
اللوحة للفنانة ايمان نور - " الرجوع الاخير"
فكيف استطاعت الحركة الصهيونية تنفيذ مخططها الاجلائي هذا؟! كتب بن غوريون في مذكراته: "في كل هجوم يجب إيقاع ضربة حاسمة تؤدي إلى هدم البيوت وطرد السكان". ويقول ثيودور كاتس المؤرخ الإسرائيلي الباحث في المذابح الصهيونية: "حدث مرات عديدة أن الجنود الإسرائيليين، الجنود المختارين، أخذوا عشرة من الشباب إلى وسط القرية، وأطلقوا النار عليهم وقتلوهم كي يرى كل الناس ذلك فيهربون، وإذا لم يكن هذا كافيا، كانوا يأخذون آخرين لقتلهم أيضا". ويدعي آفي شليم، المؤرخ الإسرائيلي في جامعة أكسفورد أن: "الفلسطينيين غادروا بأوامر من قادتهم لإخلاء الساحة أمام دخول الجيوش العربية. وأنهم تلقوا وعودا بأنهم بعد "النصر العربي الكبير" سيتمكنون من العودة إلى منازلهم". تلك هي الرواية الصهيونية التقليدية، وهي غير صحيحة على الإطلاق، حيث يؤكد إيلان بابيه المؤرخ الإسرائيلي في جامعة إكستر في بريطانيا أن: "نصف الفلسطينيين الذين أصبحوا لاجئين، طردوا من منازلهم بحلول مايو 1948. ومن بين 530 قرية فلسطينية التي دمرت في نكبة 1948، فإن نصف هذه القرى هدمت قبل 15 مايو".
لقد لخص الوسيط الدولي الكونت برنادوت (التي اغتالته عصابة إشتيرن الأرهابية في 16 سبتمبر 1948) أسباب خروج  الفلسطينيين اللاجئين في تقرير له كالتالي: "نتج رحيل اللاجئين الفلسطينيين عن الذعر والهلع الذي سببه القتال والهجوم على مجتمعاتهم، وبسبب الإشاعات، صادقة أم كاذبة، عن أعمال إرهابية من قتل وطرد".
كما حدد المؤرخ هنري كتن ثلاثة أسباب لهجرة الفلسطينيين:
الإرهاب و العنف اليهودي
انعدام الأمن والأمان في البلاد.
فقدان وانهيار الجهاز الحكومي، الذي يطبق القانون ويحافظ على النظام خلال الأحداث، على أثر انهاء بريطانيا انتدابها لفلسطين، وعدم وجود حكومة وطنية فلسطينية توفر ذلك، وفي ظل تناحر حزبي وعائلي وعشائري بين مختلف فئات الشعب الفلسطيني، ووعي شعبي ضعيف ومتخلف.
الحرب النفسية
اتبعت العصابات الصهيونية أساليب الحرب النفسية والدعايات الكاذبة لإكراه العرب على ترك بلادهم، من خلال: توجيه الإذاعات اليهودية السرية تحذيرات إلى العرب الفلسطينيين من تفشي الأمراض الوبائية "الكوليرا، التيتانوس، الجدري"، وان هذه الأمراض الخطيرة قد انتشرت بينهم من جيش الانقاد.
تقويض ثقة السكان بأنفسهم وقياداتهم بغرض تحطيم المعنويات واذكاء الفتنة، مثل الحديث عن حجم وعدد الخسائر في الأرواح بين العرب، والخلافات السياسية بينهم، وضعفهم وقلة كفائتهم.
كما لجأوا أيضاً إلى استعمال مكبرات الصوت، وراحوا يبثون تسجيلاً لأصوات صرخات أنين ونحيب النسوة العرب، ورنين أجراس عربات الإطفاء، يقطعها صوت جنائزي مناشداً  باللغة العربية: "أنقذوا أرواحكم أيها المؤمنون، أهربوا لتنجوا .. وإذاعة تسجيلات لانفجارات شديدة عبر مكبرات الصوت.
لقد عمدت القوات الصهيونية إلى تفجير تجمعات الأسواق التجارية والأزقة، ولجأوا إلى  إذاعة إنذارات للعرب الفلسطينيين بضرورة الرحيل ومغادرة قراهم ومدنهم في  فترات محدودة وإلا تعرضوا للقتل. لقد جاء في أحد النداءات في مدينة القدس "إذا لم تتركوا بيوتكم، فإن مصيركم سيكون مثل دير ياسين، "أنجُ بنفسك". على الناس الذين لا يريدون الحرب أن يرحلوا جميعاً، ومعهم نساؤهم وأطفالهم ليكونوا آمنين. إنها سوف تكون حرباً قاسية ودون رحمة، ولا ضرورة لتخاطروا بأنفسكم" . كما وزعت ملصقات على الجدران حملت معظمها، عبارة "ارحل من أجل سلامتك".
الإشاعات وأسلوب الهمس:
 ويوضح ذلك "إيغال آلون" في " سيقر هبلماخ" كما يلي: " قمت بجمع المخاتير اليهود الذين لهم اتصالات مع العرب في القرى المختلفة، وطلبت منهم أن يهمسوا في آذان بعض العرب، بأن تعزيزات كبيرة من الجنود قد وصلت إلى الجليل، وأنهم سيحرقون القرى جميعها في سهل الحولة، وكان عليهم " المخاتير اليهود" الإيحاء إلى العرب بوصفهم أصدقائهم، بأنه من الأفضل لهم الهرب والنجاة في الوقت المناسب، وهكذا انتشرت الإشاعة في سائر أنحاء الحولة، فحدث نزوح جماعي، وكان عدد الذين فروا لا يحصى.
أسلوب "الدعاية السوداء"
استخدم هذا الأسلوب "موشية ديان" في قيادة القطاع الجنوبي، وخاصة عندما أراد الصهاينة إجلاء عرب المجدل ودفعهم باتجاه قطاع غزة، فاستخدم نفس الأساليب والوسائل الضاغطة، التي استخدمت مراراً من قبل، وهي الطرد عبر بث الرعب في نفوس المواطنين "الله وحدة يعلم ماذا سيحل بكِ إذا بقيت هنا". واستخدم مختلف أنواع التقييدات سواء: الحشر في أمكنة ضيقة مع حراس وأسلاك، تقييدات العمل والحركة، إضافة إلى بعض الاغراءات.
نازحي ١٩٦٧
هنالك ما يقارب 400 ألف فلسطيني معظمهم هُجّر للمرة الثانية أثناء الحرب العربية-الإسرائيلية في العام 1967 (لاجئي ال67 أو "النازحين") وعدد منهم هُجّر داخلياً بمن فيهم الفلسطينيون من شرقي القدس. كما تواصلت بعدها عمليات التهجير القسري للفلسطينيين بأشكالٍ مختلفة. نحو 95% من لاجئي ١٩٦٧ الذين هُجروا من الضفة الغربية المحتلة (بما تشمل القدس  ) وقطاع غزة كانوا قد لجأوا إلى الأردن.
السؤال الذي يراود اذهاننا بعد سرد الاسباب الحقيقية حول تهجير الفلسطينيين في ١٩٤٨، هو كيف نستطيع افشال المخططات الصهيونية؟! وكيف نمنع اسرائيل من شن حرب مدمرة على قطاع غزة تستهدف قتل المدنيين وترويعهم وارهابهم، واجبارهم على ترك بيوتهم كما حدث لسكان شرق قطاع غزة في حرب ٢٠١٤، واستغلال الظرف العربي والدولي من اجل خلق هجرة فلسطينية جديدة؟!
ان تعزيز الوحدة الوطنية الفلسطينية في اطار م ت ف والسلطة الوطنية، وتطوير النضال الشعبي الجماهيري المتواصل، وزيادة فاعلية وعمل الدبلوماسية الفلسطينية، واستنهاض الدعم المؤسساتي الشعبي والدولي خاصة في اوروبا والامريكيتين، هو اهم وسيلة تمكننا من مواجهة اسرائيل، ووقف عدوانها ومنعها من تنفيذ مخططاتها التهجيرية.
ان وقف التراشق الاعلامي، وتضييق حدة التناقضات بين مختلف مكونات الشعب وفصائله، وعدم السعي لتسجيل مكاسب سياسية كاذبة، هو من اهم الوسائل التي تمنع تغلغل الدعاية الصهيونية بين المواطنين.
كما أن التنسيق السياسي والميداني مع مصر واجب وضرورة، لان مصر هي الدولة الوحيدة التي تستطيع حماية الشعب الفلسطيني من خطر المشاريع الاسرائيلية، وحماية أرضها في سيناء من مخططات اسرائيل التوسعية في سيناء المصرية.
ان تعمد اسرائيل شن حروب متوالية على قطاع غزة يتحتم علينا تعزيز وحدة القوي داخل القطاع وبناء لجان شعبية وشبابية هدفها التصدي لأهداف اسرائيل من خلال:
·      مساعدة الناس على البقاء في منازلهم وعدم تركها الا من اجل الحفاظ على ارواح المدنيين المقدسة.
·      تنظيم ايواء السكان، ومساعدة فرق الانروا في توفير مقومات الحياة الاساسية للنازحين، ومحاولة دفع السكان للعودة فورا وجماعيا الى مناطقهم، والمكوث في بيوتهم فور تمكنهم من ذلك، وعدم الانصياع لتعليمات قوات الاحتلال، وتكرار محاولات العودة بطريقة جماعية مرة تلو الاخرى.
·      تعزيز ثقة السكان بأنفسهم وقياداتهم ومؤسساتهم بغرض رفع الروح المعنوية، واذكاء قيم التعاضد والتعاون والمساندة بين الشعب، ونبذ اي خلافات سياسية ومحاولة الالتفاف عليها ووأدها في مهدها.
·      التصدي لأي دعاية سوداء او همس بين الافراد، او من خلال وسائل التواصل الاجتماعي، تستهدف بث الخوف والرعب في قلوب الناس، من خلال التهويل بعدد القتلى والجرحى، او بث دعايات حول مجازر جماعية، او اغتصاب للنساء والفتيات، او انتشار للأمراض والأوبئة.
·      حفظ الامن المجتمعي وحماية المؤسسات العامة والخاصة والاسواق الشعبية، وتعزيز قوات الشرطة ودعمها لمنع اثارة الفوضى والثارات العائلية والسرقات.
·      تفعيل مختلف وسائل الاعلام المحلية وتزويد المواطنين بالحقيقة، بعيدا عن الجري وراء محاولات "السبق الصحفي الفاشل" والوقوع في فخ فضائيات الندب والردح والكذب والتهويل، بحجة حشد الرأي العام الدولي وفضح ممارسة اسرائيل الوحشية! إن هدف هذه الفضائيات الحقيقي سيكون بث الرعب بين السكان لتنفيذ مخططات اسيادهم ومموليهم!!
·      حماية الحدود الجنوبية بالتعاون مع جيش مصر الباسل، ومنع ايٍ من السكان من اختراقها تحت الزعم ان هذا "نزوح مؤقت الى مناطق آمنة". لقد علمتنا تجربتنا ان النزوح المؤقت يتحول الى هجرة دائمة. واذا ما حاولت مجموعات كبيرة اختراق الحدود الجنوبية، فيجب استخدام العنف لوقفها عن ذلك، فلولا تصدي فصائل المقاومة الفلسطينية للنازحين بالقوة في ١٩٦٧ لتواصلت عملية النزوح، ونزح الاف أخرين.
اننا على ثقة بأنه من الصعب على التاريخ ان يعيد نفسه، خاصة في ظل زيادة الوعي الوطني الفلسطيني، ووجود السلطة الوطنية الفلسطينية وانتشار المؤسسات الفلسطينية في الداخل والخارج. هذا بالإضافة الى تجربة الفلسطينيين وذكرياتهم المريرة مع ذل الهجرة والغربة والنزوح، ووجود حاضنة عربية ودولية، الا أن هذا لا يمنعنا من اخذ الحيطة والحذر، وان نكون متنبهين لمخططات اسرائيل القريبة والبعيدة.

إن واحد من  الاخطار الحقيقية التي تواجه الفلسطينيين هو التهجير، الذي كنا نعتقده مستحيلا. إن ما حدث في حرب ٢٠١٤ على غزة كان بروفة تؤكد ان ذلك ممكنا وتنفيذه غير صعب، فهل سؤال التهجير بواسطة الحرب وفي زمنه سؤال حقيقي وواقعي؟!

ليست هناك تعليقات: