السبت، 18 أغسطس 2018

أوسلو المظلومة - د. رياض عبدالكريم عواد

 أوسلو المظلومة

د. رياض عبدالكريم عواد
   
لا أعرف لماذا عُدت للكتابة في هذه الاتفاقية/الإشكالية التي لا تجد من يدافع عنها أو يترحم عليها أو حتى يذكرها بالخير، الا القليل القليل من أبناء شعبي الذي يصفهم الثوريون بالمتخاذلين ويصفهم المؤمنون بالمثبطين؟!.

هل نعود لنكتب عن أوسلو على قاعدة "يا محلى مرة ابوي القديمة" أم على قاعدة "ما بتعرف خيري الا لما تشوف غيري". بعد ما شفنا وعشنا زمنا أغبرا تقبل فيه شرائح واسعة من المجتمع، خاصة من بين الموظفين الجدد والخريجين الحزانى، لما يُنَظًَر إليه من حلول انسانية وأوهام كاذبة، الغذاء مقابل الأمن والأكل مقابل الهدوء، بعيدا عن أي حلول سياسية أو مقاربات وطنية، دون خجل أو حياء من هذه الأطروحات، التي تتناقض كليا مع كل ادعاءاتهم السابقة واللاحقة.
انهم ينظرون لهذه السياسات الانسانية كانجاز عظيم ومنقذ لغزة وأهلها مما وصلت اليه من فقر وعوز وحاجة، وكأن هذا الوضع قد حدث اليوم أو بالامس، وليس منذ سنوات طويلة عندما تم منع 200 ألف من العمال من التوجه عبر ايرز بسبب القذائف التي كانت تطلق عمدا على المعبر في كل صباح يتم السماح بالسفر منه بعد إغلاق طويل. أو من خلال ارسال بعض النساء متلفعات بالاحزمة الناسفة رغم معرفتهم المسبقة بسهولة كشف وإفشال هذه المحاولة، دون مراعاة لنتائجها السلبية على المسافرين من هذا المعبر عامة وعلى اذلال النساء المسافرات خاصة.
لقد جاءت أوسلو في ظل ظروف دولية وعربية لم تعد خافية على احد، فقد إنهار الحليف الاشتراكي التي استندت له الثورة الفلسطينية في معظم إنجازاتها السياسية، وتراجعت الدول الوطنية عندما تم غزو العراق وتدميره، وأثبتت السنين التالية، أن هذا التدمير كان بداية لتنفيذ مخطط تدمير كل الدول الوطنية وإعادة رسم خرائط المنطقة في زمن ما عرف بالربيع العربي.
أن هذه الظروف الدولية العربية الطاردة للفلسطيني والمتناقضة مع أسلوب النضال الذي يتبناه ويرفعه، ووصول الكفاح المسلح، كخيار نضالي إلى نهاياته واصطدامه بالواقع المعقد، وتحول الانتفاضة الشعبية الاولى الى عبئ ثقيل على حياة الناس، تتحكم في مسارها إسرائيل أكثر بكثير من مختلف القوى السياسية، مما أدى إلى أن يتوق هؤلاء الناس الى اليوم الذي تنتهي فيه هذه الانتفاضة.
أن كل هذه الظروف قد انضجت هذا الاتفاق المسمى باوسلو والذي وصفها احد مهندسيها "بانها مغامرة تعتمد على مدى فاعليتنا ومقدرتنا على الاستفادة من هذه الفرصة المتاحة"، فهل كنا على قدر من المسؤولية.
من الواضح أن هذه الاتفاقية كانت خيارا سياسيا لفئة محدودة من القيادة الفلسطينية، ولولا شخصية ياسر عرفات ومقدرته الفذة على تنفيذ وفرض ما يراه، لما رأت هذه الاتفاقية النور. لقد لاقت هذه الاتفاقية عداء شديدا من معظم قيادات الثورة الفلسطينية وحركة فتح ولم تجد لها أي تأييد بين جماهير وكوادر هذه الفصائل، التي كانت في غالبيتها تخجل من إظهار هذا التأييد، ومن النادر أن تجد من يدافع عنها الا كتكتيك مؤقت أو ضرورة فرضها الواقع! ومن هنا ليس غريبا ما كان يقوم به هؤلاء الكوادر عندما اصبحوا مسؤولين وقادة في السلطة الوطنية من التعاطف بل والافتخار بالتعاون واستخدام سياسة الباب الدوار مع كل من عارض وعادي هذه الاتفاقية باستخدام كل الوسائل الدعوية والعملية. بل انه ليس غريبا ما سمعنا به لاحقا من تعاون ياسر عرفات ودعمه لهذه الفصائل التي كانت تعارض مشروعه، ليس بالمال وحده، بل وبالسلاح والتدريب وحماية قادتهم من بطش طائرات إسرائيل.
ان هذه الممارسات كانت تتم في معظمها من خلال القناعة بإمكانية المزاوجة بين النضال الشعبي والعمل العسكري، دون تقدير صحيح لحجم ردة فعل العدو المدمرة على المشروع كله. كما كانت هذه الممارسات تتم احيانا استجابة لمزاج وضغط الشارع، الذي يجنح للعنف عامة ويقدس الكفاح المسلح والبندقية، وكردة فعل على ممارسات الجيش والمستوطنين وسياسة الإذلال الممنهجة ضد السلطة والشعب.
لقد استغلت فصائل المعارضة، والإسلامية منها خاصة، هذه الرخاوة والضعف من السلطة وابنائها، في تأييد هذه الاتفاقية/الفرصة السياسية ووجهت كل إمكانياتها ومقدرتها الدعوية والعسكرية في اتجاه تعرية هذه الاتفاقية من أي مبررات أخلاقية وتشميس كل مؤيد لها ونعته بأبشع الصفات وخلق رأي عام واسع يرفض أي ممارسات من السلطة وأجهزتها الأمنية ضد فصائل المعارضة وأعضائها ونشر الحكايات والاشاعات الصحيحة والمبالغ بها لتحجيم وتحطيم أى مسؤول أو قائد يقف بقوة في مواجهتها.
لقد كان إستخدام الدين وشعاراته المقدسة، إضافة إلى العمليات التفجيرية داخل المدن الإسرائيلية، والتي كانت تترافق في غالبيتها، مع تواريخ محددة لإنجاز بعض القضايا المتفق عليها مع الجانب الاسرائيلي. لقد كان هدف هذه العمليات بوضوح شديد، ليس ايلام العدو وايقاع أكبر الخسائر بين صفوفه، بل إسقاط أوسلو وإضعاف السلطة وصولا لاسقاطها والاستيلاء على كرسيها.
لقد استغل اليمين الاسرائيلي هذا الوضع وجَيش معظم المجتمع والاحزاب الإسرائيلية، ليس فقط ضد السلطة الفلسطينية وضد اتفاق أوسلو، بل وضد حزب العمل واليسار الصهيوني الذي كان يؤيد اتفاق أوسلو وصولا إلى اغتيال رابين وسيطرة اليمين اليهودي الصهيوني المتطرف على كل مناحي الحياة داخل إسرائيل.
لقد تراجعت إسرائيل عن كل تعهداتها والتزماتها، بل وبالغت في اذلال الفلسطينيين والقيادة الفلسطينية، بطريقة مقصودة ومخطط لها مما هيأ كل الظروف الموضوعية والذاتية لقيام الانتفاضة العسكرية التي كانت فرصة إسرائيل المواتية لتدمير السلطة الفلسطينية والتحلل مما تبقى من التزاماتها السياسية والاقتصادية.
هكذا ظُلمت أوسلو من أصحابها ومن معارضيها ومن أعدائها.
أن هناك دروسا عديدة ممكن الاستفادة منها، ولكن الدرس الأساسي الذي يجب أن نرسخه انه لا يمكن الخوض في غمار أي عمل أو مبادرة دون تهيئة الأرضية اللازمة لها وخلق قاعدة شعبية تؤيدها، على الاقل بين قواعد وكوادر الفصائل التي تقود هذه المبادرة. ان وجود قيادة سياسية مؤمنة بما تقوم به وخلق حاضنة لقيادة العمل هي الاولوية القصوى لنجاح أي مبادرة أو اتفاقية سياسية.
أن أوسلو أنتجت سلطة وطنية، وبغض النظر عن ملاحظاتنا على هذه السلطة وإمكانية تحولها إلى دولة من عدمه، الا أن الضرورة القصوى تفرض على القيادة الفلسطينية المحافظة على هذا الانجاز وتقويته وتعزيزه ليكون هو الحاضنة الاجتماعية التي تعزز صمود شعبنا فوق ارضه، والحاصنة السياسية التي تقود نضال شعبنا السلمي نحو حقه في الحرية والاستقلال والدولة.

سنختم هذا المقال بسؤال: لقد اعتبر الكثيرون اوسلو جريمة وخيانة وووو، لكن السؤال ماذا حقق هؤلاء غير الدماء و الجراح والوعود الكاذبة والانجازات والحلول الموهومة ....

نعم، لقد نجحتم حقا في اغتيال اوسلو؟ واضعفتم السلطة، واخذتم غزة بعيدا عن سياقها الوطني، فماذا حققتم؟! ميناء أم.........قبرصي؟!

ليست هناك تعليقات: