السبت، 18 أغسطس 2018

وسائل التواصل الاجتماعي والإعلام التقليدي، إشكاليات وتحديات! - د. رياض عبدالكريم عواد

وسائل التواصل الاجتماعي والإعلام التقليدي
، إشكاليات وتحديات!
 
د. رياض عبدالكريم عواد
تحولت أدوات التواصل الاجتماعي، وعلى رأسها فيسبوك وتويتر، لتصبح قناة اتصال عصرية جماهيرية، فعدد مستخدمي فيسبوك عالميا تجاوز ثلاثة مليارات شخص بينما في المنطقة العربية تجاوز العدد 156 مليونا شخص.
يتعرض الإعلام التقليدي والعاملين فيه إلى جملة من التحديات يفرضها نمط الحياة وتدفق المعلومات وسعة وسرعة انتشارها من خلال وسائل التواصل الاجتماعي المتعددة، سنقتصر في حديثنا هذا على ما تمثله هذه الوسائل الحديثه من تحديات على الإعلاميين والكتاب والصحفيين العاملين في مؤسسات الإعلام التقليدية، رغم أن معظم هذه الوسائل أصبحت تتعاطى مع وسائل الإعلام الاجتماعي الحديثة وتنشر صفحاتها على هذه الوسائل الإلكترونية.

لقد فقد الإعلاميون والكتاب العاملين في هذه الوسائل التقليدية ميزة احتكار الكلمة والمعلومة والتحليل، فلم يعد هؤلاء هم المصدر الأول أو الوحيد للمعلومة وتحليلها كما كانوا في السابق. 

لقد أصبحت وسائل التواصل الاجتماعي ونشطاء هذه الوسائل، غير محترفي الكتابة والعمل في الإعلام، ينافسونهم ليس فقط على نشر الخبر بل أيضا على تحليله، بغض النظر عن جودة ومحتوى هذا الخبر والتحليل، الا ان مجموع ما يقدم هؤلاء النشطاء يعطي مؤشرا على وجهة نظر معقولة وممكنة حول هذا الحدث أو ذاك.

لقد اخترقت وسائل التواصل الاجتماعي خصوصية الإعلاميين والكتاب، ونزعت الحواجز القديمة التى كانت تعزل بينهم وبين جمهورهم، فالآن هم في مواجهة مباشرة مع هذا الجمهور، الذي لا يستمع أو يتلقى منهم فقط، بل يناقشهم مباشرة ويدلي باراءه التي قد تتعارض أو حتى تتناقض مع وجهة نظرهم.

لا يستطيع هذا الجمهور أن يمكث صامتا في محراب هؤلاء الكتاب دون  لغوِ ، والا فلا صلاة لهم كما يهدد خطباء الجمع المصلين الذين يهمسون أثناء خطب الجمعة من طولها وتكراراها وانعدام الفائدة في كثير منها؟

لقد كشفت وسائل التواصل الاجتماعي وعلانية النشر وكثافته، توجهات الجميع وعرتهم من إمكانية التخفي وتقديم آراء متناقضة هنا وهناك تبعا لسياسة هذه المؤسسة الإعلامية أو المركز البحثي للتماشي مع سياسة وتوجهات المالك والممول.

لقد أصبحت مهمة بعض هؤلاء الكتاب  تحليل  سياسة هذه المؤسسة أو تلك، خاصة مؤسسات الانجوز، بعيدا عن المواقف أو القيم الوطنية المنشودة؟! 

ان انعدام الحريات بالشكل العام وضعف الديمقراطية واعتماد هؤلاء الإعلاميين في مصدر رزقهم على عملهم في هذه المؤسسات أو المراكز يفرض على أغلبهم لي أقلامهم وفقا للظروف او تبعا لسياسة هذه المؤسسات والمراكز. لذلك ليس غريبا أن تجد بعض هؤلاء الكتاب مضطرا للي قلمه في اتجاهات متعاكسة في آن واحد، ويقدم آراء متناقضة في نفس القضية الواحدة، تبعا لسياسة كل جهة.

لقد فضحت وسائل التواصل الاجتماعي العلاقات فيما بين هؤلاء الإعلاميين والكتاب، وانعدام التواصل والتفاعل السياسي والثقافي فيما بينهم، لذلك ستجد من النادر أن يقوم أحدهم بالتعليق أو إبداء وجهة نظره في ما كتبه احد زملاءه، بعيدا عن الاطراء والمجمالات الباهتة، حتى هذه المجاملات فهي قليلة بينهم، إذ يكتفي كل كاتب  كبير  بمجموعة من الأصدقاء، طبعا بعيدا عن الوسط الإعلامي والثقافي، ممن تربطه بهم علاقات شخصية أو تاريخية او اجتماعية، يجيد هؤلاء كلمات الاطراء والتأييد، بعيدا عن التفاعل والنقاش وإبداء الرأي. 

وهنا يقع هؤلاء الإعلاميين في مأزق آخر، فهم من ناحية  نفسية  وخوفا على مكانتهم من الخدش، ويمكن ايضا بسب انشغالاتهم المتعددة، لا يستطيعون التفاعل أو التعليق ونقاش هؤلاء الكتاب  الهواة  فيتوقف الاخرون دقارة من التعليق على ما يكتبه الكتاب الكبار، فتفقد كتابتهم المتابعة والاهتمام من الكثيرين، لهذا السبب وللأسباب اخرى، لذلك يلجأ بعض هؤلاء الكتاب بالتهديد والوعيد لهذا العدد الكبير من الأصدقاء والمتابعين غير الفاعلين، مهددينهم بإلغاء المتابعة والصداقة.

لقد خلقت وسائل التواصل الاجتماعي أزمة بين هؤلاء الإعلاميين والكتاب من جهة ونشطاء وسائل التواصل الاجتماعي  المتطفلين على تخصصهم و الداسين انوفهم في كل شيء، ينتقدون هذا ويبدون وجهات نظرهم بهذا، بطريقة صحيحة أو خاطئة، في كل ما يُكتب، بل يحاول بعضهم أن يكتب ويحلل ويقدم الآراء، ياللهول!!!، بل أصبح لبعض هؤلاء النشطاء متابعين ومؤيدين ينافسون مقدرة  الكتاب والاعلاميبن في التأثير على المجتمع واراءه واتجهاته. 

ان هذا التماس المباشر بين هؤلاء النشطاء الاجتماعيين والكتاب والإعلاميين قد خلق أزمة وتحدي في تعاطي هؤلاء الأخيرين معهم وتحمل نقدهم وآرائهم وتقولاتهم، مما زاد من حدة انفعلاتهم وكشف عن نرجسية شخصياتهم واضطرهم إلى استخدام ابغض الحلال الذي وفره السيد مارك، وهو ليس فقط إلغاء الصداقة والمتابعة، بل حظر هذا الشخص الغلباوي على قاعدة  ايش بريحك من الاقرع..... تطليق امه . 

طبعا هذا لا يعني للحظة أنه من السهل التعامل مع كل هذا الكم الكبير من النشطاء وتحمل نرجسياتهم، وسماجات وتفاهة ومناطحة وقلة أدب البعض، وادعاءات الكثيرين من هؤلاء النشطاء وعدم تمتعهم بالأدب واللياقة اللازمة في التعامل مع الآخرين بصفة عامة، ومع من يفوقهم علما وخبرة بصفة خاصة.

لم يعد ممكنا ان يكون دور الكتاب والإعلاميين فقط تقديم الخبر أو وصف مجريات الاحداث، بل لم يعد مقبولا أيضا تحليل هذا الخبر دون تعمق أو تقديمه بطريقة ترضي مختلف الأطراف، على قاعدة مسك العصاة من النصف، او حتى في بعض الحالات مسكها من أكثر من منتصف!.

ان وسائل التواصل الاجتماعي تتطلب من هؤلاء الكتاب والإعلاميين الغوص والبحث عن الاسباب الحقيقية التي أدت إلى هذه الأحداث، وكشف دوافع مختلف الأطراف وفضح المواقف الخاطئة الضارة، والوقوف بوضوح ضدها تماشيا مع مصلحة المجتمع وموقف الكاتب وعقيدته. ان الميوعة في المواقف لإرضاء الجميع لم تعد مقبولة، كما ان تسخير الكتابة لإرضاء الممول بعيدا عن مصلحة الوطن والمجتمع اصبحت مكشوفة ولا تنطلي على احد.

ان الصحفيين والكتاب المخضرمين بحاجة الى تطوير مهاراتهم لمواكبة الثورة الكبيرة في مجال تكنولوجيا المعلومات ووسائل الاتصال. كما أنه من الهام النظر إلى هذه الوسائل الحديثة بطريقة تكاملية بعيدا عن التنافس المبالغ فيه، حيث يبقى هناك حاجة ماسة للجودة والنوعية والمصدر المضمون للخبر الذي توفره الصحافة التقليدية والعاملين فيها.

أن تحسين علاقة الكتاب والإعلاميين مع جمهورهم وفيما بينهم هي إحدى التحديات التي تواجه الجميع.

أن تطوير ثقافة المجتمع وقيم الديمقراطية والحرية والاستقلال الوطني لن تأتى الا من خلال ثقافة وطنية حقيقية يقودها إعلام وطني ومثقفين واعلاميين مستقلين.

ليست هناك تعليقات: