السبت، 27 أكتوبر 2018

صواريخ الجهاد وحماس وإسرائيل - د. رياض عبدالكريم عواد

  صواريخ الجهاد وحماس وإسرائيل 
د. رياض عبدالكريم عواد

مر يوم آخر في حياتنا المربكة والمنهكة من القصف والقصف المتبادل الذي يتدحرج بنا، شئنا ام أبينا، نحو حرب أخرى مدمرة، لكنها ليس ببعيدة، الشعب الفلسطيني في غنى عنها وعن ويلاتها، وغير قادر على مجابهتها، وتحمل نتائجها التدميرية على مختلف الصعد السياسية والإنسانية.
نمنا بالأمس الجمعة 26/10/2018 حزانى على ستة من زهرات شبابنا، الذين قضوا حتفهم برصاص القناص الإسرائيلي الغاشم، رصاصات اختارت ضحايها من بين الوجوه الجميلة، والقدود الممشوقة لتزيدنا حسرة على حسرة.
لا حلول لغزة وقضاياها وسكانها، بعيدا عن الحل الوطني
استيقظت ليلا على أصوات مختلطة من القصف المتداخل لصواريخ المقاومة، وصوت فرقعة صواريخ القبة الحديدية، وهي تتصدى لأغلب هذه الصواريخ وتفتتها وتسقطها، وقصف طائرات ال اف16 والزنانات، باصواتها واسمائها المختلفة. هذا إضافة إلى زن البعوضة المتواصل، وقرصاتها المتعددة على الوجه والأطراف، لتزيد المشهد صعوبة وحكا؟!
يستيقظ المصريون، كعادتهم، من عز نومهم، لينقذونا من أنفسنا ومن عدونا، وليحافظوا على امنهم القومي من الجهة الشمالية، وليتوصلوا إلى هدنة بين إسرائيل والجهاد الاسلامي، هي ليست الهدنة الأولى ولا الاخيرة، تنفي إسرائيل التي قصفت ليلا أكثر من 80 هدفا، التزامها بها، وتؤكد ذلك بقصفها، مناطق مختلفة، في صباح وضحى اليوم 27/10/2018، لكن من الواضح أن الحفلة قد انتهت عند هذا الحد، فلماذا حصل ما حصل وما هي أسبابه ونتائجه؟!.
أعلنت حركة الجهاد الإسلامي مسؤوليتها المنفردة عن إطلاق أكثر من 30 صاروخا باتجاه المستوطنات الاسرائيلية، في خروج واضح عن قرارات ما يسمى بغرفة العمليات المشتركة، التي لم توافق على هذا القصف، كما تقول الأخبار.
تدعي حركة الجهاد أنها تهدف من وراء هذا القصف توجيه العديد من الرسائل لأطراف مختلفة، منها ان فصائل غزة جاهزة لكل السيناريوهات، وشعارات التهديد والوعيد والتهويل للكابينت الاسرائيلي وماكنته الإعلامية، باتت لا تجدى نفعا....وان ما عُرض من حلول وشروط للتهدئة لا يلبي حقها في كسر الحصار، كما انها رسالة لذوى الشهداء والجرحى، ان دماء أبنائهم ليس متروكة دون محاسبة ورد، وتعزيزا لمعادلة القصف بالقصف، إضافة إلى أهداف كثيرة يعددها أنصار هذا الفصيل.
لكن الملفت للنظر هجوم عدد من أنصار وخبراء حركة حماس على هذا التصرف المنفرد من حركة الجهاد الاسلامي، فهذا المحلل السياسي ابراهيم المدهون، في منشور لاقى نقدا شديدا من المتابعين، يصف هذه الفعلة بأنها "إطلاق صواريخ غير سياسية بوقت غير مناسب، يعتبر حرفا للمسار وغير مسؤول، وقد يكون له تداعيات لا يريدها احد....". ويطالب السيد المدهون، بمحاسبة حركة الجهاد الاسلامي "يجب محاسبة من انفرد بالقرار"، كما يصل المدهون إلى نتيجة أن هذه الحالة "لا تخدم الشهداء، ولا الحالة النضالية الحالية المتوهجة، بل تجلب ضررا...".
وهذا صالح النعامي، الخبير في الشؤون الاسرائيلية، يتهم إطلاق الصواريخ على الكيان الصهيوني انه "يمنح إسرائيل المسوغ لضرب عشرات الأهداف التابعة لحركة حماس"، كما يتهم هذه الصواريخ بانها "تضعف موقف المقاومة في الجهود الهادفة للتوصل لتهدئة"، وتبرز حماس "كطرف غير قادر على إمضاء موقفه على بقية الفصائل"، كما انها تحرج حماس "أمام الوسطاء الإقليميين والدوليين الذي يتدخلون لانجاز مسار التهدئة". ويتهم هذه الصواريخ بأنها "تطيل أمد معاناة الناس الاقتصادية والإنسانية".
لكن رغم هذه المناكفة والاتهامات بين فصيلين عضوين في غرفة العمليات المشتركة، الا أن المرء مازال يتسائل عن الأهداف السياسية لهذا القصف من الجهاد الإسلامي: هل هو محاولة لافشال التهدئة التي تحاول ان تنجزها حماس، كما تقول تصريحات بعض قادة حماس. أم هو من أجل تأجيل قرارات المركزي القادمة والتأثير عليها، كما يقول بعض نشطاء وسائل التواصل الاجتماعي. أم أن هذه سياسة جديدة لحركة الجهاد الإسلامي في الظهور مستقلة عن حركة حماس، وأنه لا يمكن تجاوز هذه الحركة التي تستطيع أن تقلب الوضع في أي لحظة، خاصة بعد انتخاب السيد النخالة أمينا عاما للتنظيم، الذي هدد بوقف الحياة في مستوطنات غلاف غزة. أم أن هذا القصف هو بناء لأوامر خارجية، ايرانية سورية، كما تحاول أن تروج اسرائيل، التي تستعد للرد عليه بعملية واسعة ضد قطاع غزة، كما يقول المحلل العسكري الإسرائيلي روني دانييل.
قبل أن نختم نود أن نؤكد، أن هذا الوضع ملائم جدا لاسرائيل التي تستطيع من خلاله استنزاف الفلسطينيين سياسيا وعسكريا، والدفع بهم بعيدا عن تحقيق أي من أهدافهم السياسية الوطنية، وتركهم يلهثون خلف الحلول الإنسانية، يحاولون التشبث بها كي تبقى رؤوسهم فوق سطح الأمواج المتلاطمة، حتى لا يغرقون تماما، فيموتون ثم يتعفنون، في ظل ماراثون التطبيع العربي الإسرائيلي العلني، والمتنكر لكل المعاهدات والأخلاق العربية؟!
ان الاسئلة التي طرحناها لا يملك أحد إجابة موضوعية عليها، وعلى غيرها من الكثير من الأسئلة، بعيدا عن المناكفة والاتهامات المتبادلة، مثل ما اتهم أحدهم حركة الجهاد بطريقة مبطنة "بتضخم الذات الفصائلية"، أو كما يتهم كثير من النشطاء الاجتماعيين حماس بأنها تلهث خلف تهدئة انسانية، لمصلحتها الحزبية، بعيدا عن مصلحة الوطن والشعب المنهك، ترتكز هذه التهدئة على التفرد في حكم غزة، وأهداف متواضعة لا تبعد عن سولار قطر ومرتبات، لاشهر قليلة لموظفيها.
ان هذا الوضع يدفعنا إلى التأكيد للمرة الألف انه لا حلول لغزة وقضاياها وسكانها، بعيدا عن الحل الوطني، المتمثل بحكومة شرعية وطنية واحدة منتخبة، تتحكم وتقود كل الوطن في شماله وجنوبه.

ليست هناك تعليقات: