الأربعاء، 3 يوليو 2019

أسوأ سيناريوهات صفقة القرن ..النوايا والنتائج - د.لؤي ديب

أسوأ سيناريوهات صفقة القرن ..النوايا والنتائج 

د . لؤي ديب

1/ صفقة القرن الترامبية ليست مشروع سياسي وإنما عملية إعداد لتطهير عرقي للشعب الفلسطيني ، لأن رفض "الصفقة" لن يتبعه العقوبات الإقتصادية من قبل الغرب فحسب، وإنما وعود من امريكا بإيقاف أي مساعدات من أي طرف كان والمقصود هنا العرب .

2/ سوف تكون العواقب، بطبيعة الحال، وخيمة وكارثية وأي احتجاج أو مقاومة من جانب الشعب الفلسطيني ، بما في ذلك المقاومة المسلحة، سوف تواجه هجوم عسكري اسرائيلي غير مسبوق وسنري فيه للمرة الأولي الأمريكان يضربون إلي جانبهم .

3/ وسوف تصبح النتيجة مقتل الكثيرين من أفراد الشعب الفلسطيني، ونزوح آخرين من الأراضي التي يعيشون عليها الآن، لتصبح تلك بمثابة نكبة ثانية. و هو الهدف الحقيقي وراء "صفقة القرن"، وليس تسوية قضية الأرض، الهدف الرسمي المعلن لـ "الصفقة".

4/ لا بُد أن نقف أمام حقيقية مهمة وهي أن مشكلة الأرض ليست قضية مهمة بالنسبة لإسرائيل وإنما تدعي ذلك ، فتعداد السكان اليهود لن يزيد بالقدر الذي تصبح فيه هذه المشكلة جوهرية وتضيق بهم الأرض . لكن المشكلة الأساسية والوجودية بالنسبة لإسرائيل هي المشكلة الديموغرافية، والزيادة السكانية المرتفعة للشعب الفلسطيني مقارنة باليهود. فتعداد السكان الفلسطينيين يزداد أسرع بكثير من زيادة تعداد السكان اليهود، ولا يدور الحديث هنا عن الفلسطينيين في الضفة الغربية وغزه فحسب، وإنما أيضا عن عرب 48 .

5/ ومع مرور الوقت، ووفقا لأي شكل من أشكال التعايش بين الفلسطنيين والاسرائلين في دولة واحدة او ضمن اي نظام اقتصادي أو أمني ، فإن إسرائيل سوف تصبح حتما في يوم من الأيام دولة فلسطينية.

6/ كي تحافظ اسرائيل على الهوية اليهودية للدولة العبرية ، على المدى البعيد، ليس امامها سوى اللجوء إلى شكل من أشكال التطهير العرقي للشعب الفلسطيني .

7/ لا أحد يستطيع أن ينكر أننا كشعب فلسطيني تعرضنا لطهو على نار هادئة، لمدة طويلة، لدرجة أصبحنا لا نلاحظ كيف أصبحنا نقبل تدريجيا بشروط مجحفة، لم يكن ياسر عرفات في بداياته يحلم بها في أسوأ كوابيسه.

8/ وضعنا مفكك وفي أضعف حالات الوحدة الوطنية والفقر والحرمان ينخر فئة كبيرة من الشعب المحاصر وهناك مؤسسات تكاد تنهار وفشل عميق علي الصعيد الداخلي لكن رغم كل هذا فإن الشعب الفلسطيني ، والقيادات الفلسطينية التي نلعنها داخليا في اليوم الف مرة والتنظيمات التي خذلتنا وكل القوي الحية والميته والمستنكفة جميعهم غير مستعدين في الوقت الراهن للقبول بشروط "الصفقة" المقترحة.

9/ المخلوقات الترامبية ومعهم إسرائيل الحالمة اعتقدوا انه بعد 71 عاما من استمرار التصاعد التدريجي لحرمان إسرائيل للشعب الفلسطيني من حقوقه يوما بعد يوم وتزوير التاريخ والنهب والاستيلاء والقتل والتشريد وافشال تجربة السلطة وتعزيز الانقسام وتقسيم الوطن والحروب وسرقة الأموال والافقار واختراق المقاطعة العربية وتغير النظام الدولي ، اعتقدوا أن يوافق الشعب علي الصفقة ، بل ربما ظنوا أننا سنقبل ايديهم ونقبل ما يلقي الينا من فتات مقابل فلسطين ، حتي ان المعروض اقل من قيمة المسروقات من الشعب الفلسطيني مع اضافة فائدة السنوات .

10/ هناك واقع لا يؤلفه الشعب الفلسطيني بل أرقي مراكز الأبحاث الأمريكيه وتدركه اسرائيل وهو ان هيمنة امريكيا أولا، في طريقها للأفول،

11/ بعد الحروب الأخيرة التي خلضتها اسرائيل والتغيرات في المنطقة وصعوبة التغلب علي التكنولوجيا لدي قوي المقاومة وظاهرة فضح ومقاطعة اسرائيل ونموذج حركة المقاطعة وخطره والإختراقات المتتالية في القرارات الدولية والعمليات الفردية والتكاثر السكاني ، وارتباط البيئة الصحية والاقتصادية وحاجة اسرائيل لتجاوز الشعب الفلسطيني لتزعم المنطقة ، بعد كل هذا لم يعد لدي إسرائيل أي ثقة في نفسها انها تستطيع الاستمرار في انتهاك حقوق الشعب الفلسطيني مثلا بعد 10 سنوات من الآن بنفس الوقاحة دون أن تدفع ثمنا غاليا .

12/ العامل الديموغرافي يلعب هنا دورا حاسما، فلا يعطي إسرائيل لا 50 عاما، بل ولا حتى 20-30 عاما لتنفيذ مخططاتها فالفارق في تزايدنا عليهم كبير مقابل ادراك اسرئيل ان سنوات الهجرة اليهودية تلتقط انفاسها الأخيرة . لذلك تتعجل اسرائيل ممثلة بمجموعة يمينية متطرفة لتسوية القضية الفلسطينية ودفنها الآن، حيث قد يفوت الأوان فيما بعد.

13/اسرائيل تدرك جيدا الوضع الاقليمي الراهن، وهي استعدت وتستعد وتساعدها امريكا لتقبل أي تطور محتمل للموقف الراهن. فإذا تطورت الأمور نحو الانفجار، سيدفها لأكثر الحلول جذرية في عقيدتها وهي الحرب وسياسة الاقتلاع والتهجير مع دعم امريكي كامل وغير مشروط .

14/ اسرائيل تحاول تفادي هذا السيناريو الشامل في الصدام والذي ستكون فاتورته عالية عليها لذا ستعول علي دعم امريكي يجبر بعض الحكام العرب للموافقة على "الصفقة" حسب اعتقادها ولنتفرض ان ذلك حدث فسوف تتأجل الكارثة بعض الشيء،

15/ بعدها سوف تضخ مليارات الدولارات من دول الخليج إلى ما تبقى من الأراضي الفلسطينية، ثم لن تلبث الأموال أن تنتهي ولن يضخ العالم والخليج اموالهم في ارض لا يمكن ان تتعافي اقتصاديا للابد لان ما تبقي من هذه الاراضي لا يملك مقومات للصمود الذاتي اقتصاديا اليوم فما بالكم بعد تقطيع الجغرافيا وهجرة العقول وتجبن رأس المال وفراره ،

16/ وحينها سوف تنفجر القنبلة السكانية على أية حال،وسيقع الاصطدام وساعتها نعود إلى مازبدأنا فيه المقال وهو القنبلة الديموغرافية وحاجة اسرائيل للقيام بعملية تطهير عرقي للشعب الفلسطيني.

17 / إسرائيل عيونها في نصف رأسها وهي لا تعيش وهم أن "صفقة القرن"، التي تفتقر إلى أبسط شروط العدالة، بإمكانها أن تؤدي واقعيا في نهاية المطاف إلى تعايش سلمي بين الشعب الفلسطيني واليهود اللاجئين اليه ممن استولوا علي ارضه وردوا كرم الضيافة بالغدر والذبح.

18/ لذا فالتعايش السلمي ليس أحد أهداف "صفقة القرن"، بل إن مصطلح "الصفقة" ذاته يعني منطقيا وجود طرف مقابل، وهو في هذه الحالة ليس طرف فلسطيني بل وصي من حكومات الدول العربية، وليس شعوبها.

19/ إن الشعب الفلسطيني لن يقبل بـ "الصفقة"، بل وأجازف بالقول، إنه حتى وان قبل أي تنظيم فلسطيني (وهو أمر مستحيل)، فسيأتي بدلا منهم آخرون. فالطبيعة لا تقبل بالفراغ، وإذا ما انتهكت حقوق الشعب، وقبلت قيادات قديمة بهذه الانتهاكات، فدائما ما ستظهر قيادات جديدة توحد الغاضبين من ابناء الشعب الفلسطيني ، حال استمالة القيادات القديمة أو ركونها إلى القبول.

20/ من وجهة نظري، وإذا كانت إسرائيل تفكر بشكل واقعي (وهي تفكر كذلك على الأغلب)، فإن "صفقة القرن" ليست سوى استفزاز بهدف تصعيد الأزمة نحو "الحل النهائي" للقضية الفلسطينية .

21/ ومع شديد الأسف، فإننا كفلسطنيين لا نملك أي وزن حقيقي وانما معنوي في هذه اللعبة الخطرة التي تحاول اسرائيل فرضها قبل حدوث التغير المنتظر في النظام العالمي لتفرض واقع بلا فلسطنيين في حدود فلسطين التاريخية ضمن عملية تطهير عرقي مستحدثة للاجلاء القسري والقتل والتشريد تحت حماية اكبر قوة عالمية قبل إنهيارها وجنوح العالم للسلم ضمن قطبين والابقاء علي الامر الواقع الذي سينتج وهو خارطة فلسطين التاريخية بدون اي فلسطيني لذا فالقادم مر وعلقم ونحتاج فيه لمطبخ سياسي حقيقي ولئيم لا يترك سبيلا ممكنا ليس لافشال الصفقة فحسب بل فرض الواقع الفلسطيني الذي نريد قبل ان يستقر النظام العالمي الجديد بدوننا .

22/ بعضنا وليس جلنا يدرك ان مصيرنا كشعب فلسطيني يستند الآن بالكامل إلى الصراع الدائر بين الولايات المتحدة الأمريكية والصين وروسيا حول النظام العالمي الجديد. ففي عالم القطب الواحد ليس لدى اللشعب الفلسطيني أي فرصة، أما في عالم متعدد الأقطاب سوف تتاح لنا هذه الفرصة.

23/ اذا أصبح واجبا على القيادات الفلسطينية والقوي الوطنية ان ترتقي بفكرها وتفكر أبعد من غدها و أن تحدد استراتيجياتها، في خطة محكمة ومتينة تجير لها كل الامكانيات وقرار وطني من اجل الوصول إلى هذا النظام العالمي الجديد، والوقت الذي سيظهر فيه هذا النظام لا بُد أن تكون فلسطين جوهرة طرفه الجديد وهو ليس مستحيل لمن اراد وفكر .

24/ وإذا لم يظهر نظام عالمي متعدد الأقطاب، او فشل الشعب الفلسطيني والقيادة الفلسطينية في حجز مقعدها علي طاولته فلن يكون أمام الشعب الفلسطيني سوى الاختيار بين الاختفاء من على وجه الأرض إما بهدوء وإما ببعض الصخب.

25/ أما إذا تمكنت روسيا والصين من تغيير العالم إلى عالم متعدد الأقطاب وهو ما تقترب ساعة صفره ،سوف تكون فرصتنا فنحن الرقم الصعب للمنطقة التي تحاول قوي القطب الجديد الهيمنه فيه ، ولن ننتظر الصدف بل الاتفاق المسبق والمبكر علي مكانتنا ووضعنا والمطلوب منا ومنهم والاتفاق عليه الان سيكون مسعي حقيقي لكسب الوقت والقفز علي اسرائيل وملاعبتها في الساحات الخلفية التي لا تريدها حيث تحب حشرنا دوما تحت ادوات احتلالها .

26/ نحتاج أي خطوات من شأنها الحفاظ على الشعب الفلسطيني، والأرض وعدم خسارة ما بأيدينا إلى وقت لا يكون فيه الفلسطينيون وحدهم في هذا الصراع، ولا تلعب الولايات المتحدة الأمريكية الدور الذي تلعبه الآن. عموما، هذه مهمة لن تكون سهلة في ظل الإنقسام .

مختصر القول حتي لو نجحوا في شيء فلن تعيش هذه الصفقة اطول من عمر امريكا الذي يتناقص في زعامتها للعالم ورغبتها في ان تتزعم جزء من العالم تواجه فيه قطبا اخر بحروب من نوع جديد ، لذا سوف تفشل حتي بكل سيناريو للنجاح يمكن تخيله ، وادوات الفشل الذاتي كثيرة ليس اقلها الفوضي السياسية في اسرائيل والتي سيلها فوضي سباق الرئاسة الامريكيه ، وهذا الفشل حتماً سيصاحبه ألم كبير وغير مسبوق سيكابده الشعب الفلسطيني ، الا اللهم إن فاق من يقودون فلسطين من سكرتهم وبدأوا العمل بعمق وذكاء وأقسموا علي الاجتماع علي قلب رجل واحد ، وتعهدوا بالتوقف عن التسول واخرجوا الصغائر من قاموسهم السياسي . 
تلك كانت أسوأ السيناريوهات ونتائج الفشل الحقيقي ونوايا التطهير والخطر الذي نواجه.

ليست هناك تعليقات: