الثلاثاء، 29 يناير 2013

قراءة نقدية لنص ( أنثى القلق) للشاعر جوتيار تمر- هيام مصطفى قبلان

قراءة نقدية لنص ( أنثى القلق) للشاعر جوتيار تمر
الشاعر جوتيار تمر
بقلم / الأديبة هيام مصطفى قبلان
ترسمني الهواجس مومياء
صخب الهواجس يفتح جهة الانتظار
يشرّع نوافذ الوجع يغفو فوق جسد يتصفّحه ليل يأتي مرارا
وحيد ......هذا السرير ليس لي
أراهن الخراب ويراهنني
أنثى أرهقها لوح يتدلّى في سقف الخوف
بيني وبينك ليل ومطر تستغيث
هذا صوتي يلوح من بعيد
يستدرجه الصمت وغباء القلق لاشيء لي ...

لاشيء يمر فوق هذا الكف كلامك يفر منه لون البياض كنت بعيدا وكنت الوحيدة أحمل أوزار حنجرة تعطّلت كنت هناك وكنت أحتضن فجيعة الفراق
هيّا نكتشف ما أخفى البعد من معنى في العشق
نؤثث مسافات بين أقدام الرّيح نصطاد لون الأفق ونلتقي
هيّا نقرع أبوابا تفضي إلى بعضها ونقتل غربة خطانا 

قبل أن تعقد الموت صفقة الموت 

القراءة / هيام قبلان

هيّا نقرع أبوابا تفضي إلى بعضها ونقتل غربة خطانا قبل أن يعقد الموت صفقة الموت

سأبدأ من النهاية ،،، قبل أن يحتال الموت على الأمل ويعقد صفقة الرحيل ،،، هي بداية حياة أخرى اذا ،، اذ يختزل الشاعر المسافاتالتي رسمها وأثث لها " بين أقدام الريح" يسابق الريح ليصطاد لون الأفق ،،، هذا الفضاء برحابة صدره وسعته ،، الفضاء الذي لا يعرف الحدود .

هيا نقرع أبوابا تفضي الى بعضها" ،، يحث أنثاه ،، وقرع الأبواب المتداخلة تدل على البعد الزمني والجغرافي بينهما ،،، ما أجمل هذه الصورة التي ترسم خطوات الوقت باحتراق المسافات ،، وكأني بها مسافات سريّة تحتاج لمغامرة كبرى لاقتحامها من باب الى آخر ،، تذكرني هنا بشاعر العراق ( السياب) في قصيدته الباب تقرعه الرياح ،، وقد يتساءل القارىء : ماذا وراء تلك الأبواب ،،، وهل ستفتح لعاشقين حملهما الحلم وأبعدتهما الأيام والمسافات ؟؟

أنثى القلق : هل العنوان دال على مضمون النص الذي أمامنا ؟ والقلق له أسبابه وقد يحمل للقارىء أكثر من معنى فيشي بحيرة وتقصي القارىء المتعمّق آخر ذيول الربط بين الأنثى والقلق ،، وقد يهيمن معنى القلق بدلالاته على النص ليحفر بذهن القارىء صورة واحدة هي ( لأنثى قلقة) ،، أعود الى بداية النص :"ترسمني الهواجس مومياء

صخب الهواجس يفتح جهة الانتظار

يشرّع نوافذ الوجع يغفو فوق جسد يتصفّحه ليل يأتي مرارا
وحيد ......هذا السرير ليس لي
أراهن الخراب ويراهنني
البداية ليس لها علاقة بالأنثى التي ينتظرها في آخر القصيدة ،فاختياره مفردة  (المومياء) تعيدنا الى لغة التحنيط والهواجس ، ربما أراد بها رسم حالة من الانتظار والوحدة ،، وتجسيد الحالة بعمر غاب في سبات عميق حتى تزوره الهواجس بصخبها لتشرّع أمامه نوافذ موجوعة ،، جسده ليس له ، وسريره ليس له ،يزور جسده الليل متصفحا رغباته وهو في وحدته يراهن هذا الخراب الذي حوله وهو يراهنه . ، هل سيفوز بهذا الرهان ؟

لا يدع للقارىء برهة من التخيّل بل ينتقل حالا في الفقرة التالية الى حالة أخرى يستحضرها أمامه ، كأنه يستعيدها من زمن آخر ، من مكان بعيد آخر ، وبكل بهائها تدخل أنثى القلق لنراها بكامل ارهاقها وخوفها ،، :أنثى أرهقها لوح يتدلّى في سقف الخوف
بيني وبينك ليل ومطر يستغيث
هذا صوتي يلوح من بعيد
يستدرجه الصمت وغباء القلق لاشيء لي ...لاشيء يمر فوق هذا الكف كلامك يفر منه لون البياض !
هل هي الأنثى الخائفة من الموت بلوحه الخشبيّ ،، بمساحة لا يفصل بينهما سوى سقف الخوف ؟ما بينه وبينها ليل ومطر ، صوته الذي يأتيه من بعيد ،، الصمت يسربله يصطاده يستدرجه والقلق ،، لا شيء، يقول : " لا شيء يمر فوق الكف" ليس كريما هذا المطر ، ولا يقطر من كلامها عصارة لقاح من بياض ،، ماذا اذا ؟ هنا تتداخل في النص شخصيتان للمتكلم وهو الشاعر ،، شخصية ساردة وشخصية غائبة ...حيث يقول : " هذا صوتي يلوح من بعيد" ....ولا شيء لي "..!
يخرج الصوت القادم ويتكلم : هنا شاعرنا يمسرح القصيدة ،، وينقلنا بين مكانين ويفرغ شحنته بكل فنية الاسترجاع : كنت بعيداً وكنت الوحيدة أحمل أوزار حنجرة تعطّلت كنت هناك وكنت أحتضن فجيعة الفراق
هيّا نكتشف ما أخفى البعد من معنى في العشق

كنت : أي في الماضي ، الأمس البعيد ،، العامل الزمني الذي جمع بينهما ، البعد والوحدة والصمت ، وفجيعة الفراق ، والاختناق ، ولم الانتظار ؟؟ ها هو يحثها ، يناديها ليكتشفا معا ما معنى العشق في حالة من البعاد ....فيختار " أقدام الريح وما بينها" ليختزل المسافات ،، الانزياحات اللغوية هنا مدهشة والادراك الجمالي والخيالي يترك لنا مسافة ما بين غياب الأنا الشاعرة وبين حضورها لتؤثث مسافات " بين أقدام الريح" ،، هل الريح هنا بمعناها المجازي السرعة باختزال الزمن والبعد الجغرافي بينهما ؟ حين ينقلنا الى الأبيات الأخيرة من النص ندرك أننا أمام مسافة تقصر ،، وتقصر ،، وتحترق قبل أن ينتصر الموت على الحياة قبل أن يعقد صفقته ،، حتى الأنفاس تتهدج وتتقطع ، الايقاع في القصيدة يتغير ،، صوت الريح ، المهرولة ، فتح الأبواب الواحد تلو الآخر ، اصطياد اللون الأزرق ،، لون الأفق ،،كل هذا كي يقتل خطوات غربته معها قبل أن يقتلهما الموت وهنا يبدع الشاعر بنهاية ليست ككل النهايات بل فيها من التحدّي والمراهنة ممّ يطلق لجناحي " أنثى القلق " التحليق معه خارج الزمان والمكان وباختلاس من موت منتظر :نصطاد لون الأفق ونلتقي
هيّا نقرع أبوابا تفضي إلى بعضها ونقتل غربة خطانا قبل أن يعقد الموت صفقة الموت !

ليست هناك تعليقات: