قضيتان في واحدة : اعتقال أنوزلا وتوقيف "لكم"
حجب "لكم" لن يحجب مطلب "الحرية لعلي أنوزلا"
محمد حفيظ |
لم يعد المشكل لدى البعض هو توقيف الصحافي علي أنوزلا وإيداعه السجن بتهم لا أساس قانوني لها، بل أصبح المشكل هو هذا التضامن العارم مع أنوزلا في الداخل والخارج، والمطالبة بإطلاق سراحه، وهذا الزخم في استعمال الوسائل النضالية المتعارف عليها، محليا ودوليا، في كل الحملات النضالية التي يتم خوضها من أجل ضحايا الحريات وحقوق الإنسان. (استعملتُ كلمة "النضالية" مرتين في هذه الجملة، رغم أن البعض أصبح يجد لذة في المس بكل ما يمت إلى النضال بصلة!).
ويبدو كما لو أن هذا البعض كان يريد من المغاربة، أو على الأقل من بعض المغاربة، أن يركنوا، بعد اعتقال أنوزلا، إلى الصمت والسكون، وأن يكتفوا برفع أكف الضراعة إلى السماء في انتظار أن تمطر فرجا! وربما كان هذا البعض ينتظر من "المناضلين" أن يبعثوا إلى علي برسالة تخاطبه: "اذهب أنت إلى السجن واصبر، إنا ها هنا قاعدون في انتظار السراح"!
إن هذا البعض لا يعرف نضال المغاربة جيد المعرفة، أو أنه يريد أن يرسم صورة غير تلك التي عرفناها وعهدناها في نضال المغاربة.
طبيعي أن يتحرك زملاء علي في "لكم" وخارج "لكم"، وزملاؤه في مهنة الصحافة، المؤمنون حقا بأدوار ووظائف هذه المهنة، والمتشبثون، فعلا وعملا، بممارستها بصلاحياتها كاملة غير منقوصة، من أجل التضامن معه والمطالبة بإطلاق سراحه. ولا أحد كان ينتظر ممن يسيئون إلى هذه المهنة، في السر والعلن، أن يتضامنوا مع "زميل" لهم اسمه علي أنوزلا.
وطبيعي أن يتحرك المناضلون الحقوقيون الذين خبرهم المغرب والمغاربة في ساحات النضال من أجل حقوق الإنسان، الآن وقبل الآن، والذين بفضل تضحياتهم وتضحيات من سبقوهم تحقق هذا النزر اليسير الذي يدخل اليوم في باب "المكتسبات" التي يتهددها أعداء حقوق الإنسان وخصومها في كل وقت وحين. ولا أحد كان ينتظر ممن لم يثبت التاريخ يوما أنهم كانوا إلى جانب حقوق الإنسان أن يخلفوا الموعد هذه المرة مع "انتمائهم" ويتحركون للتضامن مع علي. وقد تابعنا، منذ اللحظات الأولى لتوقيف علي، وحتى قبل انقضاء يومه الأول في ضيافة الفرقة الوطنية للشرطة القضائية، كيف تحركوا لتقديم الدعم اللوجيستيكي لمن أدخل علي السجن، بالتصريحات والبلاغات والبيانات والتحاليل.
الصحافي علي أنوزلا |
أكتب هذا في ظل التطورات الأخيرة التي شهدتها قضية علي أنوزلا. ففي الأيام الأربعة الأخيرة، أضيفت إلى "قضية اعتقال أنوزلا" قضية أخرى تحمل اسم "قضية توقيف "لكم"".
كلنا يتذكر أول رسالة بعث بها علي أنوزلا إلى زملائه في "لكم"، عن طريق دفاعه في أول زيارة له، وهو مازال في ضيافة الفرقة الوطنية للشرطة القضائية، عند انتهاء المهلة التي تسمح له باللقاء بدفاعه داخل فترة الحراسة النظرية. قالت الرسالة بلسان علي: "إن أكبر تضامن معي هو أن يستمر موقع "لكم"".
وكلنا تابع كيف تلقى زملاء علي في "لكم" هذه الرسالة وتفاعلوا معها بشكل إيجابي، حيث استمر الموقع في الاشتغال.
وفي مبادرة رمزية للتعبير عن التفاعل الإيجابي لهيئة التحرير مع رغبة علي في استمرار الموقع وعن تضامنها معه، شاهدنا صورة معبرة لبعض أعضاء طاقم تحرير "لكم" يشتغلون أمام بوابة السجن المحلي بسلا، حيث يُحبس علي. وهي إشارة دالة إلى تشبث هيئة التحرير بمواصلة الاشتغال في "لكم"، والتعبير عن التضامن الفعلي مع مديره الذي رأى في استمراره أكبر تضامن معه.
وأمام استحالة أن يباشر أنوزلا مهامه التحريرية وهو في السجن، أعلنت إدارة الموقع، في بلاغ لها، أنها عينت الصحافي أبو بكر الجامعي، مدير نشر موقع (Lakome) باللغة الفرنسية، مديرا لموقع "لكم"، لتحمل مسؤولية ما ينشر في الموقع، إلى أن يتم إطلاق سراح علي أنوزلا. وهذا أمر يهم شركاء الموقع والتعاقدات التي تجمعهم. ولا أجد هذا إلا من صميم الحرص على المسؤولية الأدبية والقانونية في ممارسة مهنة الصحافة، إذ لم تعد الظروف تسمح لعلي أنوزلا، وهو داخل السجن، بأن يباشر مهامه التحريرية، وأن يتحمل بالتالي المسؤولية التحريرية والقانونية عما ينشر.
استمر "لكم" في الاشتغال، وازداد زخم التضامن مع أنوزلا داخل الوطن وخارجه، وأصبح يظهر جليا أن التهم الواهية ستسقط لا محالة في أيدي من دبروها.
فجأة، سيظهر "بلاغ" باسم علي أنوزلا، مرقون بالآلة وعليه توقيعه، يعلن فيه توقيف موقع "لكم". لم يعلم به زملاؤه في "لكم" إلا بعد نشره في مواقع أخرى! يقف وراءه محام يظهر لأول مرة في هذه القضية! وفي غياب، أو تغييب، تام لأفراد هيئة الدفاع التي باشرت القضية منذ اللحظة الأولى لتوقيف علي أنوزلا! وقد نقل أحد أفراد الدفاع أنهم فوجئوا بما جرى...
ما حدث وبالكيفية التي حدث بها، فضلا عن التطورات المتسارعة التي ستعقبه، يطرح كل الأسئلة والاستفهامات التي يمكن أن تُطرح في مثل هذه الظروف.
وفي سياق هذه الظروف، يمكن أن نضع تداعيات البلاغ الذي نُشر باسم أنوزلا. وهي تداعيات مرتبطة بالأسئلة والاستفهامات التي لا يطرحها مضمون البلاغ بقدر ما تطرحها طريقة إخراجه. ومن هذه التداعيات القرار الذي اتخذته، في اليوم نفسه، إدارة الموقع، حين أعلنت في بلاغ لها أن الموقع لن يتوقف، وأن أنوزلا لا يمارس، بسبب وجوده رهن الاعتقال، أية مهام إدارية أو تحريرية في "لكم". (قدم أبو بكر الجامعي، في بلاغ له أصدره يوم أمس (الجمعة 18 أكتوبر)، توضيحات عن الأسباب التي جعلته يتخذ هذا القرار. وتضمن البلاغ معطيات وتفاصيل عما جرى من 14 إلى 18 أكتوبر، وما دار من محادثات هاتفية بينه وبين المحامي الجديد، وبينه وبين شقيقة أنوزلا، منذ نشر البلاغ إلى حجب موقعي "لكم" بالعربية و(Lakome) بالفرنسية. وهو الحجب الذي كان وراءه أيضا المحامي الجديد، الذي أفاد في تصريحات صحافية بأنه هو من "قدم نسخة من بلاغ الصحافي المعتقل إلى النيابة العامة، ونسخة أخرى إلى الوكالة الوطنية لتقنين الاتصالات (...)، [الجهة] الوحيدة التي تستطيع القيام بعملية الحجب بالمغرب"، كما يقول المحامي الجديد في أحد تصريحاته!!).
لم نعد، فقط، أمام قضية اعتقال أنوزلا، بل أصبحنا أيضا أمام قضية توقيف "لكم".
من الطبيعي أن يحدث الارتياب من حكاية البلاغ المفاجئ. ومن الطبيعي أن تثير الكيفية التي تم بها إخراجها الشكوك. ومن "رسالة الاستمرار" إلى "بلاغ التوقيف"، سيأتي "تنفيذ الحجب" التعسفي وغير القانوني، لتنكشف بعض من أهداف وخلفيات ما جرى.
لماذا لم يُسمَح لإدارة الموقع وطاقم تحريره من التأكد بأن الأمر فعلا يتعلق بإرادة علي أنوزلا، مثلما تأكد الجميع، قبل أسابيع، من إرادته في استمرار الموقع؟!
لماذا لم يتم الأمر على يد وبمتابعة هيئة الدفاع التي باشرت القضية منذ اليوم الأول والتقت علي أنوزلا عند الفرقة الوطنية وقاضي التحقيق؟! بل ولماذا تم الحرص على استبعاد الهيئة من كل تفاصيل هذه "الحكاية"؟! وحتى بقدوم محام جديد، فإن الأعراف المهنية المتعارف عليها تقتضي أن يقوم هذا المحامي الجديد بإخطار الدفاع المنتصب في القضية والتشاور معه.
نعم، علي أنوزلا هو المعني الأول بقضيته. ومن حقه هو، وليس أحدا آخر غيره، أن يحدد أسلوب الدفاع عن نفسه، وليس من حق المتضامنين معه وحتى دفاعه أن يعاكسوه. ولا أظن أن زملاءه كانوا سيعاكسونه في اختيار توقيف مؤقت للموقع، حتى ولو انتفت عنه المسؤولية التحريرية والقانونية بوجود مدير نشر آخر. لكن، لم يكن هناك أي داع لهذا "الإخراج" المثير. المثير للاستفهام، والمثير للضجيج، والمثير للشفقة على من يقفون وراءه.
أرادوا أن ينتقلوا من القضية الحقيقية التي ورطت القائمين عليها، وهي قضية اعتقال صحافي بشكل تعسفي وانتقامي، إلى قضية وهمية لا وجود لها إلا في مخيلة من يسعى إلى اصطناع صراع بين علي أنوزلا الموجود خلف أسوار السجن وبين المتضامنين معه، الذين "ينعمون بالحرية"، من زملائه وغير زملائه!! لكنهم سيضيفون قضية أخرى لا تقل خطورة على المس بالحرية وعلى انتهاك القانون، وهي حجب الموقعين "لكم" و(Lakome)!!
قضية علي أنوزلا ليست "سلعة"، كما يريدون أن يوهموا الناس. والمتضامنون مع علي ليسوا "تجار قضايا"، ينتظرون ما سيجود به "سوق" انتهاك الحقوق والتضييق على الحريات. وشركاء علي في "لكم" ليسوا "قطاع طرق" يتحينون الفرصة للسطو على الموقع.
القضية هي اعتقال صحافي اعتقالا تعسفيا وانتقاميا. والعنوان الذي تحمله هذه القضية هو مطلب مرفوع في المغرب وخارج المغرب: "الحرية لعلي أنوزلا". وهو مطلب سيظل مرفوعا إلى أن يتم إطلاق سراح علي أنوزلا. وحجب "لكم" لن ينفع في حجب هذا المطلب.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق