هـل تصنع حقوق الانسان و"النهج المبتكرة" الحل التائه في نزاع الصحراء؟
ذ.صبري لحــو |
أولا: المغرب "والنهج المبتكرة"
في ظرف سنة واحدة ابريل 2012 وابريل 2013 اجتاز المغرب إمتحانين عسيرين أمام مجلس الأمن في آطار المراجعة الدورية للحالة في الصحراء، وكان مصدرها تقارير المبعوث الشخصي للأمين العام كريستوفر روس، فبينما ضمن الأخير تقريره بتاريخ ابريل2012 في الفقرات 104و105و106نيته البحث عن أفكار جديدة تحرك مسار المفاوضات الجامد والمتعثر، والتي تدور حول نقاط ثلاث:
- أـ بحث امكانية عقد اجتماع لمجموعة تمثل شريحة من شعب الصحراء للتشاور والتحاور باعتبار ذلك، حسب تعبيره وسيلة للخروج بأفكار جديدة تعرض على المتفاوضين، المغرب والبوليساريو المتصلبين في مواقفهما، والذي لم تحرز المفاوضات السرية ولا الرسمية التقدم والتحرك فيها قيد أنملة.
- ب ـ بحث امكانية عقد اجتماع الى مجموعة من الممثلين المحترمين من الدول الخمس في الاتحاد العربي بغية الخروج بأفكار جديدة تصلح وسيلة أو وسائل للوصول إلى حل وتعرض على الطرفين.
- ج- سيشجع على تيسير زيارات الديبلوماسيين والمشرعين والصحفيين وغيرهم لتمكين المجتمع الدولي من اكتساب فهم أعمق لوجهات نظر المتضررين مباشرة بهذا النزاع.
وبقدر ما تحدث الطرفان المغرب والبوليساريو عن تخوفهما من القرار بسبب ما قد يسفر عنه تنفيذه من دخول جهات أخرى كأطراف وأشخاص معنية ومؤثرة في معادلة البحث عن حل، وامكانية تغيبهما وتهميشهما، فإن البوليساريو، ولئن لم تخف قلقها، فإنها حافظت على صمتها وهدوئها، لربما لعلمها أنها غير معنية وغير مستهدفة، بالرغم من مفردات التقرير الواضحة. في حين ذهبت الديبلوماسية المغربية بعيدا في توجسها خوفا وريبة من القرار، فأعلنت سحبها الثقة من المبعوث الشخصي للأمين العام، بذريعة تسجيل إنزلاق في تقريره وتآكل مسلسل المفاوضات، الئي أضحى دون أفق ولا تقدم، وبحجة أن روس لم يعد يتمتع بالشروط اللازمة التي تتيح له تأمين نجاح المفاوضات حول الصحراء، وبأن سحب الثقة منه أملته واجب الدفاع والحفاظ علـي السيادة الوطنية علي أرضه، وهي الحجج الرسمية التي ساقها و عبر عنها وزير الاتصال في النسختين الأولى والثانية من حكومة بنكيران، مصطفي الخلفي.
وبالرغم من وجاهة التقدير المغربي بسحب الثقة من روس، أ'هره سابقا ويظهره حاليا من سوء نية وقصد، يعضد سابق ما عبر عنه في الرسالة السرية التي وجهها الى عشر دول بكون المغرب هو الذي يعيق تقدم المفاوضات، فإن الموقف المغربي بسحب الثقة منه وعدم التعامل معه لم يصمد طويلا أمام تشبت الأمين العام بمبعوثه الشخصي كريستوفر روس وأمام تعبير خارجية دولة أمريكا دعمها لمواطنها، المواقف التي أرغمت المغرب على القبول به، وخاصة بعد ورود أنباء متطابقة وعن مصادر متنوعة ومختلفة تؤكد عزم ونية الأمم المتحدة الأكيدين تجديد ثقتها في روس، فغير المغرب من حدة لهجته وتصريحاته تجاه روس، معبرا عن امكانية العودة لاستئناف التعامل معه شريطة ضمان تحليه بالنزاهة والحياد، وهي المخاوف التي بددتها مكالمة الملك والأمين العام الذي وفر ضمانا للمغرب بذلك.
إلا أن ذلك الضمان والالتزام تحولا الى سراب لما برهنت الوقائع والتصرفات خلافه، ليتأكد أن سحب الثقة والتراجع عنها نفخت في روس قوة لم يكن يملكهما وجرأة إقدام لم مكنته من تحقيق حلم طالما راود سابقيه دون أن يكتب لهم حقيقة تحقيقه وادراكه، فها هو ينجز رقما قياسيا في عدد الزيارات لاقليم الصحراء، يصول ويجول دون حسيب ولا رقيب، ويلتقي من يشاء ويرفض لقاء من لا يرغب ولا يريد، يعطي فسحة كبيرة من الوقت لدعاة الانفصال و يلتقي على عجل مؤيدي الوحدة والاستقلال يحلق في الأجواء ذهابا وإيابا وكأنه يوحي و يقول للمغرب أن الاقليم تحت إدارته وإدارة الأمم المتحدة، و في مقابل هذا الاقدام فقد حقق وضمن روس تواري وتراجع الجهات الرسمية المغربية، ولو إلى بعد حين، بعدما كانت تحدد معه موعد وتاريخ ومكان الزيارة.
ثانيا : المغرب وامتحان حقوق الانسان :
أما الامتحان الثاني الذي استنفر المغرب بكافة قواه ومكوناته وكياناته ومؤسساته وعلاقاته، دولا وأصدقاء، فهو المتصل بتقديم سوزانا رايس، المندوبة والسفيرة الدائمة لأمريكا بمجلس الأمن، لمشروع توصية لمنح بعثة الأمم المتحدة لمراقبة الاستفتاء بالصحراء" المينورسو" صلاحية مراقبة حقوق الانسان، الشيء الذي نجح المغرب في تجاوزه ديبلوماسيا بسحب أمريكا للتوصية قبل البدء في مناقشتها، دون أن يتمكن إلى الآن من احتواء آثار هذه التوصية على المستوى الدولي، الذي تنامى ضغطه على المغرب وتضاعفت وتعاقبت الزيارات الأجنبية الى الأقاليم الجنوبية، في نفس الوقت الذي تكاثرث وتناسلت التقارير الدولية وتنوعت جهات اصدارها بين ماهو من اعداد منظمات حقوقية ولجان برلمانية ومصالح ديبلوماسية، تتهمه المغرب بخرق وقمع حرية التعبير، وتطالب بتوفير الآلية الدولية والمستقلة لمراقبة حقوق الانسان بالصحراء.
في نفس الوقت الذي عجز عن السيطرة على طفحان الأمل والوهم على الواقع لدى فئة الانفصال التي تستشعر الزيارات الأجنبية أممية حقوقية ديبلوماسية وتشريعية واعلامية واتخاذها لذلك مناسبات سانحة للتظاهر والاحتجاج ، المصاحب لاستفزازها للأجهزة الأمنية والحرص على وتوثيق معالجتها وتعاملها مع الفعل لامتطاء أية حركة أو سكنة على أنها قمع لاحتجاج سلمي وانتهاك للحق في التعبير وخرق لحقوق الانسان، والكل لعلهم يقنعون دولا لتوفير آلية دولية مستقلة للرصد، وهو ما يرفضه المغرب لعدة اسباب، من جهة لكون الآليات الوطنية المعنية بتعزيز حقوق واحترام الانسان تغطي المنطقة وقمينة وكفيلة للاضطلاع بذلك. ولكون تلك المطالبة مريبة وهدفها احراز خطوة فعلية تسحب منه واقع سيادته على الأرض وولايته عليها من جهة ثانية ولكون مجلس الأمن قانونا لا يملك حق تغيير مهمة المينورسو في غياب رغبة وارادة الطرفين المعنيين او ارادة احدهما من جهة ثالثة. وأخيرا لكون مجلس الأمن لا يملك وفقا للقانون الدولي حق ذلك لأن الأمر لا يتعلق بحالات تستدعي تفعيل مبدأ مسؤولية الحماية.
ومهما يكن من أمر أو أمور جعلت الولايات المتحدة الأمريكية تغير جذريا في مواقفها تجاه المغرب ضدا على الحوار الاستراتيجى و ضدا على القانون الدولي والشرعية الدولية، وأظهرت عداءا وعائقا حقيقيا أمام اليبلوماسية المغربية. فإن الضغط بسبب حقوق الانسان ومهما بلغ من درجة وحدة. فإنه قد ينجح حقا في زعزعة جمود الأطراف، ولربما استصدار تنازلات في اتجاه السماح والقبول باختبار واجراء تجارب للنهج المبتكرة لروس، وفق ما يقدم عليه من زيارات متعاقبة ومطولة للأقاليم الجنوبية، وما يقوم به حاليا في العيون وفي السمارة من لقاءات مع دعاة الانفصال ومؤيدي الوحدة واصراره، وسيتوجه فيما بعد الى لقاء شخصيات في دول المغرب الكبير، وفق المبرمج له في جولته الحالية للمنطقة.
وهو نفس البرنامج المسطر من ذي قبل في نهجه المبتكرة، الواردة حصرا في قرار الأمين العام للأمم المتحدة سنة ٢٠١٢ حول الحالة في الصحراء، في الفقرتين،١٠٤ و١٠٥ فإنها لن تكون الحل ولا السبيل الوحيد للحل، لأن روس إن حافظ على صدقية تقريره واحاطته الى مجلس الأمن، فإنها لن تتعدى حقيقة وجود طرف يؤيد الانضمام والحكم الذاتي وفريق من أنصار الاستفتاء والانفصال ويطالب بتوفير آلية لمراقبة حقوق الانسان في الاقليم، وسيكون التقرير مجرد تحصيل للحاصل ،ومزيدا من تآكل المفاوضات ولو في صيغتها " النهج المبتكرة". الشيء الذي يجعل حقوق الانسان ولا النهج المبتكرة ولئن قد تضعف مركز طرف وتقوي مركز طرف آخر، فهي غير قمينة بتوفير وصناعة الحل في الصحراء، لأن الحل يجب أن يكون سياسيا ومقبولا من لئن الطرفين ليكون دائما ومستديما.باعتبار أن أي تسوية يتوصل اليها الطرفين لا بد ان تحضى بتأييدهما لكي تكون عادلة ومقبولة للطرفين إذا أريد تجنب توترات في المستقبل.إنه الحل السياسي. في موازاة تعزيز مسيرة تعزيز حماية حقوق الانسان استكمال درب الديمقراطنية وتجسيدها، فهي الهدف و تحصينا للموقع والرتبة والمركز.
ذ.صبري الحو، محامي بمكناس
خبير في القانون الدولي لحقوق الانسان
رئيس المركز المغربي للحريات والحقوق
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق