الاثنين، 9 ديسمبر 2013

تمديد حد سن تقاعد القضاة بين مبادئ الاستقلال و اصلاح صناديق التقاعد - ذ.ياسين مخلي

تمديد حد سن تقاعد القضاة
 بين مبادئ الاستقلال و اصلاح صناديق التقاعد 
من انجاز: ذ.ياسين مخلي
رئيس نادي قضاة المغرب
لم يقدم الحوار الوطني لإصلاح منظومة العدالة اجابات محددة عن العديد من الاشكاليات التي يرتبط صنف كبير منها باستقلال السلطة القضائية و أعضائها ، ذلك أنه لم يحسم في حدود النقاش المجتمعي حول اصلاح انظمة التقاعد ، و اكتفت توصيات الحوار الوطني لإصلاح منظومة العدالة بتأكيدها على ضرورة مراعاة التوجه العام في الاصلاحات الجارية لأنظمة التقاعد ، و اعتماد معايير موضوعية لتقييم تميز القاضي لإمكان تمديد سن تقاعده ، فهل هذا هو مدخل اصلاح نظام تقاعد القضاة الذي يرتبط بضمانات استقلالهم الفعلي والحقيقي ، أم هو ارتداد و تراجع عن وضع كان يتضمن ضمانات بمقتضى أول نظام أساسي لرجال القضاء بعد الاستقلال .
لقد عرف نظام تقاعد القضاة بالمغرب اعتماد نموذجين متباينين ، فالتصور الأول كان يقوم على منع تمديد حد سن تقاعد القضاة ، و هو الوضع الذي كان سائدا في المغرب قبل الاستقلال بمقتضى ظهير 6 يوليوز 1954 الذي حدد مقتضيات استثنائية للسن الذي كان يحال فيه القضاة على التقاعد ، اذ نص في فصله الأول على أنه يحدد في سبعين سنة السن الذي يحال فيه القضاة على المعاش و ذلك حيادا على المقتضيات المحددة للسن الذي يحال فيه على التقاعد الموظفون و الأعوان التابعون للمصالح العمومية للدولة الشريفة ، و لم يكن الظهير المذكور ينص على امكانيات تمديد حد سن التقاعد بشكل مطلق ، و استمر نفس الوضع بعد صدور النظام الأساسي لرجال القضاء بمقتضى الفصل 31 من ظهير 30 دجنبر 1958 الذي كان ينص على أن حد سن التقاعد ينحصر في سبعين سنة فيما يخص قضاة المجلس الأعلى ، و في خمس و ستين سنة فيما يخص الهيئات القضائية الأخرى ، و أنه لا يمكن أن يمدد الحدان لأي سبب من الأسباب.
فالنظام الأساسي لرجال القضاء الصادر بتاريخ 30 دجنبر 1958 باعتباره أول قانون منظم للوضعيات الفردية للقضاة بعد الاستقلال ، منع امكانية التمديد للقضاة بجميع درجاتهم و مسؤولياتهم لأي سبب من الأسباب ، كما أنه لم يتضمن قواعد استثنائية للتقاعد بالنسبة للرئيس الأول للمجلس الأعلى و الوكيل العام للملك لديه .
أما التصور الثاني فهو الذي يقوم على وضع قواعد استثنائية لتمديد حد سن التقاعد لبعض القضاة و هو ما تضمنه الفصل 65 ظهير 11 نونبر 1974 المعتبر بمثابة النظام الأساسي لرجال القضاء، الذي ميز بين سن تقاعد قضاة المجلس الأعلى و باقي القضاة ، و حدد سن التقاعد في خمس و ستين سنة بالنسبة للقضاة المعينين بصفة نظامية بالمجلس الأعلى ، و ستين سنة بالنسبة لغيرهم من القضاة ، و نظم لأول مرة امكانية تمديد حد سن التقاعد بظهير لمدة اقصاها سنتان قابلة للتجديد مرة واحدة باقتراح من وزير العدل بعد استشارة المجلس الأعلى للقضاء ، و ذلك بالنسبة لقضاة جميع الدرجات عندما يثبت ان الاحتفاظ بالقاضي ضروري لمصلحة العمل .
الا ان التمييز بين سن الاحالة على التقاعد بين قضاة المجلس الأعلى و غيرهم من القضاة لم يعمر طويلا ، فتم تعديل الفصل 65 من النظام الأساسي للقضاة بمقتضى ظهير 12 يوليوز 1977 ، الذي حدد سن التقاعد بالنسبة لجميع القضاة في ستين سنة ، غير أنه أتاح امكانية
التمديد لمدة أقصاها سنتان قابلة للتجديد مرتين ، و هو الوضع الذي استمر الى حد الآن .
ان تمديد حد سن تقاعد القضاة كان يعتبر بمقتضى ظهير 11 نونبر 1974 استثناء من القاعدة المحددة لسن الاحالة على التقاعد ، اذ كان ينص الفصل 65 على أنه يمكن تمديد سن التقاعد لفترة سنتين قابلة للتجديد مرة واحدة ، و نظرا لأن هذه المكنة كانت تستعمل بشكل أو بآخر للإبقاء على بعض القضاة دون سواهم في غياب معايير موضوعية تضمن استقلالهم و استقلال السلطة القضائية ، فقد سارع المشرع الى توسيع دائرة الاستثناء و ذلك بالنص على امكانية التجديد لمرتين بمقتضى ظهير 12 يوليوز 1977 ، و هو ما تسبب في ارتفاع عدد التمديدات حتى تحول الاستثناء الى قاعدة ، اذ حسب التوضيحات التي قدمتها وزارة العدل و الحريات على ضوء الاعلان عن نتائج المجلس الأعلى للقضاء خلال دورته الأخيرة فقد تم تمديد سن التقاعد بالنسبة ل 46 قاضيا للمرة الأولى ، و 37 قاضيا للمرة الثانية و 22 قاضيا للمرة الثالثة واحالة 42 قاضيا الى التقاعد لبلوغهم حد سن التقاعد أو بعد انهائهم الفترة الأولى أو الثانية لتمديد حد سن تقاعدهم بعدما ظهر من دراسة ملفاتهم أنه ليست هناك مصلحة تدعو الى ضرورة الاحتفاظ بهم .
و اذا كانت خلاصات الحوار الوطني قد أبقت ضمن توصياتها على آلية التمديد و ربطتها باعتماد معايير موضوعية لأعمالها ، فان ذلك ترجم أخيرا في مسودة مشروع النظام الأساسي للقضاة ، و التي نصت في المادة 41 على وضع خيارين ، الاول يروم الى تحديد سن التقاعد بالنسبة للقضاة في ستين سنة ، و يمكن تمديد حد السن المذكور لمدة أقصاها سنتان قابلة للتجديد لسنة واحدة ، اما الثاني فقد ذهب الى اقتراح تحديد سن التقاعد في ستين سنة ، على أنه يمكن تمديده لمدة أقصاها سنتان قابلة للتجديد ثلاث مرات ، كما تضمنت استثناء يتمثل في استمرار الرئيس الأول لمحكمة النقض و الوكيل العام لديها في مزاولة مهامهما الى حين صدور ظهير بانهاء مهمتهما.
ان النقاش حول الخيارات المقدمة في المادة المشار اليها يرتبط بتأصيل مبدأ تبات المنصب القضائي ، الذي يعتبر من المبادئ الأساسية لاستقلال السلطة القضائية و القضاة وفق مختلف الاعلانات الدولية ، و لهذا اوصت المبادئ الأساسية للأمم المتحدة الدول بضمان تمتع القضاة سواء كانوا معينين أو منتخبين بضمان بقائهم في منصبهم الى حين بلوغهم سن التقاعد الالزامية أو انتهاء الفترة المقررة لتوليهم المنصب حيثما يكون معمولا بذلك ، و يترتب على هذا المبدأ في نظري ما يلي :
1-أن تحديد سن الاحالة على التقاعد يجب أن يكون سن موحدا يسري و يخضع له جميع القضاة بدون استثناء بما فيهم المسؤولون القضائيون.
2- أن تمديد سن التقاعد بشكل استثنائي لبعض القضاة قد يشكل مسا بضمانات استقلالهم ،و خصوصا في حالة التمديدات المتعددة الفترات .
و هكذا يتضح جليا أن ما تضمنته مسودة مشروع النظام الأساسي للقضاة بخصوص تمديد حد سن تقاعد القضاة ، واقتراح الاستثناء بالنسبة للوكيل العام للملك و الرئيس الأول لمحكمة النقض يعتبر اليوم انتكاسة حقيقية حتى على الوضع الذي كان سائدا قبل استقلال المغرب ، فهل هذا حقا ما كان ينتظره المغاربة من التنزيل الديموقراطي و الحقوقي لدستور 2011 .
6 نونبر 2013

ليست هناك تعليقات: