السبت، 15 سبتمبر 2018

سُعار أوسلو؟! - د. رياض عبد الكريم عواد

سُعار أوسلو  ؟! 
د. رياض عبد الكريم عواد
كشفت الذكرى الخامسة والعشرين لتوقيع اتفاقية أوسلو حجم الانقسام وعمقه في المجتمع الفلسطيني. هذا الانقسام لم يقتصر على السلطات والأحزاب، بل امتد إلى عمق المجتمع، الذي دخل في مناكفات متعددة، ساعد عالم التواصل الاجتماعي، على إبرازها وإظهارها إلى العلن.
تصريحات غير موضوعية وغير واقعية تطالب بمحاكمة كل من وقع على أوسلو تارة، ومحاكمة الرئيس ابو مازن تارة أخرى، دفعت العديد من أبناء المجتمع الغوص في هذا الوحل، هؤلاء لم يكونوا يوما من مؤيدي أوسلو أو من المدافعين عنها، ولكنهم كانوا وما زالوا ينظرون إليها كضرورة سياسية فرضها واقع سياسي، بدأ بتفكيك المنظومة الاشتراكية وبروز امريكيا كقطب وحيد يحكم العالم، وضغط شديد على م ت ف بانتهاء فترة وجودها في تونس بعد الخروج من بيروت، وليس انتهاء بحرب الخليج التي وجهت ضربة قاصمة للنظام العربي الرسمي.
أن ما جرى للنظام العربي الرسمي والشعبي بعد مرحلة اسلو، وتعرض هذا النظام للتفتيت والاحتراب الداخلي، سياسيا وطائفيا، في ما يسمى بالربيع العربي، الذي أجهز ودمر معظم دوله الوطنية، ويخطط للاجهاز على ما تبقى منها. ان هذا الحدث يؤكد أهمية وصحة نقل النضال الوطني للداخل الفلسطيني، للتخلص من ضغط وهيمنة وصراعات هذا النظام الداخلية والخارجية، ما أمكن. لقد تنبه الفلسطينيون لأهمية هذه الخطوة بعد الخروج من بيروت والانتفاضة الأولى، وكانت أوسلو فرصة عظيمة ودافع ووسيلة، يستطيع كل باحث عاقل ووطني مخلص، أن يرى دورها في نقل هذا النضال، افرادا ومؤسسات، إلى داخل الوطن.

الخلاصة، انغمس الجميع في مناكفة لا طائل منها ولا فائدة، فإن كان مؤيدي السلطة ينظرون إلى اسلو كضرورة سياسية في وقتها فإن "أعداء" اوسلو يرتكزون في رفضها ومعاداتها على ثلاثة قضايا اساسية:

1. الاستيطان اليهودي
يتهم الكثيرون أوسلو بمسؤولياتها عن توسع الاستيطان وتجذره والتهامه للأرض في الضفة الغربية والقدس، بحيث لم يبقى معنى لأي مفاوضات سياسية مع إسرائيل.

الحقيقة رغم اعتراف الجميع بخطر الاستيطان اليهودي في الضفة الغربية والقدس، وانعكاس ذلك سلبيا على عملية السلام، التي لم تعد قائمة، الا أنه لا يستطيع أحد أن يثبت أن هذا الاستيطان سيكون اقل توسعا وضررا لو لم تكن اسلو موجودة. ان هذه افتراضية من السهل استخدامها في المناكفة السياسية وليس من أجل الوصول إلى الحقيقة، ولكن من أجل تعرية الطرف الآخر، وإضعاف موقفه وتجييش الناس ضد السلطة ومواقفها وبرنامجها.

أن الاستيطان اليهودي في الضفة الغربية والقدس هو جزء لا يتجزأ من الاحتلال وهو احد اهم نتائجه ومخرجاته، ولا يمكن النظر له بعيدا عن الاحتلال، ولن يتوقف ولن ينتهي الا بإزالة هذا الاحتلال عن الأرض والشعب.

2. التنسيق الأمني والمقاومة
الفزاعة الثانية التي يخوفون الناس منها ويستخدمونها، بعيدا عن أي موضوعية، لأهداف واضحة ليس آخرها هدف التنافس على هذه السلطة التي يعملون على هدمها من أجل الاعتلاء على كرسيها. الكل يعترف أن هذا التنسيق الأمني هو مفروض على الشعب الفلسطيني من خلال هذه الاتفاقية، ولم يمجد هذا التنسيق أو يتغنى به أي من القيادة الفلسطينية أو أي من مؤيديها، وأن الهدف من هذا التنسيق هو الحفاظ على امن السلطة وبقائها ونجاح مشروعها، وليس الحفاظ على إسرائيل وأمنها، هذا بالإضافة لتسهيل حياة الناس الاقتصادية والاجتماعية، فكل شؤون حياتنا مرتبطة بهذا الاحتلال البغيض، بدءا من مرور مريض للعلاج، ومرورا بالاستيراد والتصدير، وليس انتهاء بحركة السلطة إلى مناطق C التي تمنع اتفاقية أوسلو من الوصول اليها، وهي تمثل 80% من مساحة الضفة الغربية.

قد نسجل ملاحظات على هذا التنسيق الأمني هنا أو هناك، كما أن هذا التنسيق لا يعجب احد من الفلسطينيين، ولا يدافع عنه احد، لكننا نستطيع أن نتذكر ونذكر بسياسة الباب الدوار الذي استخدمته السلطة في تعاملها مع الأفراد المطلوبين للاسرائيلين، بل ولجوء عددا منهم إلى مقرات السلطة للاحتماء من الموت الاسرائيلي.

أما المقاومة المسلحة، الجميع يعلم أن لكل مرحلة نضالية أساليب كفاحية تلائمها وتتوافق مع اهدافها، وأن شكل النضال يُحدده الواقع والإمكانيات والنتائج، وأن تجاربنا العسكرية، بكل ما لها وما عليها، وبضرورتها التاريخية، قد وصلت إلى طريق مسدود، بحكم الواقع وموازين القوى، وأن أي دعوة للعمل العسكري في هذا الظرف، في الضفة الغربية، هو دعوة للفوضى، تنتظرها إسرائيل وجيش مستوطنيها لترحيل اهلنا، أو دعوة للدمار وفقدان الامل، كما يعيشها أهلنا في غزة.

ان الواقع الموضوعي الذاتي يحتم علينا اختيار المقاومة الشعبية السلمية كطريق وأسلوب نضالي طويل الأمد.

3. "تحرير" غزة
لا احد ينكر نضالات شعبنا الفلسطيني التي لم تتوقف عند أي محطة من المحطات، ولكن النظر لغزة على انها تم تحريرها تحت ضغط المقاومة الفلسطينية المسلحة يجافي الحقيقة والواقع.

فالحقيقة أن انسحاب اسرائيل/شارون من غزة حدث ضمن خطة إسرائيل ونظرتها الاستراتيجية لقطاع غزة، بدءا من أمنية رابين أن يرى غزة تغرق في البحر، وليس انتهاء بخطة شارون أن يرى الدماء تسيل بين أبناء غزة بعد انسحابه منها، تقاتلا وتباغضا فيما بينهم على هذه التركة الخربة.

أما الواقع، فكل الشواهد تشهد بأن غزة كانت ومازالت محتلة، وفقا لهذا الواقع الاليم، وطبقا للتعريف الدولي لواقع قطاع غزة وعلاقته بالاحتلال.

ان جعير الزنانة المتواصل، ومساحة الصيد التي تتقلص في كل مناسبة، والمعابر المغلقة من كل جانب، تؤكد لأي أحمق، قبل أي عاقل، أن غزة مازالت تحت بسطار الاحتلال، وأن كل هذه الادعاءات ليست في مصلحة غزة، ولكنها في مصلحة الاحتلال.

نستطيع أن نعدد كثيرا من القضايا التي يتناكف عليها الفلسطينيون، الذين من الواضح أنهم أدمنوا هذا النهج وابدعوا في تطويره، دون مقدرة أن يتوقفوا هنيهة أمام الماضي والتاريخ من أجل المستقبل.

ومن الواضح أيضا اننا سنستمر في هذا الصراع، صراع الديكة حتى نمزق وننتف ريش بعضنا البعض، ونقطع هدومنا كما تفعل الغسالة في الملابس حينما تستمر في غسلها لمدة طويلة، دون صابون أو ماء، فتحول الملابس إلى شرايط وخرق بالية، لا قيمة لها، فهل نتوقف هنيهة....يجب أن نتوقف ونقول:

1. أن أوسلو قد ماتت ومن قتلها هو من قتل الشهيد عرفات بالسم واغتال رابين بقرار وبالرصاص، فلماذا تطالبون بموت ما هو ميت، وماهي الفائدة من إلغاء ما هو ميت، كما يطالب البعص.

أن المطالبة بالغاء أوسلو، هي مطالبة غير عملية وغير واقعية، وتعني العودة إلى مربع الصراع الأول، في وقت لم نعد نملك فيه، لا أدوات المقاومة الاولى ولا التحالفات الإقليمية الأولى، ولا حتى وحدة الموقف الفلسطيني المطلوبة لمواجهة خيار إلغاء تلك الإتفاقية. كما أن هذا يعني شطب العديد من الإنجازات التي حققتها أوسلو.

لذلك يجب التفكير ملياً في المصلحة الوطنية، بعيداً عن المناكفات الضيقة، وأن نعتبر من الأخطاء التي رافقت وواكبت مرحلة أوسلو، وعلاج الخلل ومراكمة البناء على المناحي الإيجابية (فليس كل أوسلو خطايا)، حتى لا نعود للمربع الأول بإمكانيات شبه معدومة.

علينا أن نتخلص من كل قيود وسلبيات أوسلو بهدوء، ووفقا لواقعنا وإمكانياتنا دون أن نعطي أي ورقة قوة لعدونا.

2. أن أوسلو، بكل عجرها وبجرها، قد نقلت الكل الفلسطيني إلى الداخل، المؤيد والمعارض، وأن أوسلو نتج عنها سلطة ومؤسسات، استفاد منها الجميع، مؤيد ومعارض، وأن هذه السلطة هي الداعم الرئيسي، بل الوحيد، لبقاء هذا الشعب الفلسطيني صامدا فوق ارضه، هذه مهمة الجميع الاستراتيجية، وأن إسرائيل ومستوطنيها هم اهم اعداء هذه السلطة، وهم من يعملون ليل ونهار للقضاء عليها من أجل نشر الفوضى في الضفة والقدس وتهجير السكان، وإنهاء الحلم الفلسطيني بالدولة ولتكن غزة، الضيقة أو الممتدة، هي الدولة أو الامارة.

3. أن ما يخطط للشعب والقضية الفلسطينية من ترامب واليمين المسيحي الصهيوني في الإدارة والكونغرس الأمريكي، وبرغبة وتخطيط من اليمين الصهيوني وحكومات إسرائيل، بدءا من القدس مرورا بقانون القومية اليهودي العنصري، وليس انتهاء من الموقف من الانروا وقضية اللاجئين الفلسطينيين، إضافة إلى تجفيف الموارد المالية للشعب والسلطة الفلسطينية، أن كل هذا وغيره يفرض على الكل الفلسطيني أن يتوقف عن هذا العراك، الذي لاقيمة له، وهذا اللك والعلك التافه، والعمل سويا من أجل العودة إلى الشعب ليختار ويتحمل مسؤولية اختياره، وهذا يتطلب أمرين لا ثالث لهما: حكومة وانتخابات؟

حكومة قوية تتمكن من كل الحكم والسلطات على الأرض، مؤقتة ولمدة 6 أشهر، تهيء الاجواء الدولية والإقليمية والمحلية لانتخابات رئاسية وتشريعية وبلدية، يستلم الحكم، كل الحكم، من ينجح فيها، ويتحمل الشعب نتيجة اختياراته.

هذه خطوة رئيسية لتفعيل كل مرتكزات النضال الوطني وتطويرها، بدءا من م ت ف وليس انتهاء بالمقاومة الشعبية السلمية والبقاء صامدين فوق ارضنا.

ليست هناك تعليقات: