الأحد، 25 نوفمبر 2018

ما بين الأوهام و نشر الاسلام؟! - د. رياض عبد الكريم عواد

 ما بين الأوهام و نشر الاسلام ؟!
 د. رياض عبد الكريم عواد

وأخيرا، لا تنسوا الإعجاب بالفيديو وتعملوا مشاركة، حتى تعم الفائدة وينتصر الاسلام؟!. هذا ما يختم به مقدم الفديو الذي شاهدته بالأمس، والذي يتحدث عن عدد المسلمين والمواليد من المسلمين، ومعدلات الزيادة والنمو بينهم في أوروبا مما يبشر، كما يدعي الفديو، الذي لا اعرف من هي الجهة التي تسوقه، إلى أن يكون الإسلام هو الحاكم في العالم في السنين القريبة.
الانفجار الديمغرافي القنبلة المسكوت عنها 
في البداية لابد من ملاحظتين:
 الأولى، ان السيطرة والحكم ليست هي ما يهمنا، ان النهوض بالمجتمعات نحو التطور والتقدم والرقي هي المعيار، على المسلمين والعرب او اي قومية وديانة أخرى، أن تفكر جديا كيف تكون مكونا فاعلا في مسيرة التاريخ والحضارة الانسانية، والا تكون معيقا في تطور الانسان والحياة. ان تلك هي المدعاة الحقيقية للفخر!
ليست مهمة المهاجرين إلى الغرب ولا هاجسهم، بغض النظر عن قومياتهم وديناتهم، خلق مزيدا من التناقضات القومية او الدينية والاثنية داخل المجتمعات التي يعيشون بين ظهرانيها. أن هذا يساهم في مزيد من الصراع والتناقض بين أصحاب هذه الاديان والقوميات والمجتمعات التي تحتضنهم. أن مهمتهم هي الاندماج داخل هذه المجتمعات، مع الحفاظ على دينهم وقيمهم ليكونوا أداة للبناء لا للهدم، وترس في عجلة الحياة والتطور.
ثانيا، يجب التحذير من مثل هذه الفيديوهات التي قد تستخدم، او قد يكون من ورائها جهات متطرفة في أوروبا، خاصة في ظل توجه المجتمعات الأوروبية نحو اليمين والتطرف، وذلك من أجل التحريض ضد الإسلام والمسلمين، وقفل أبواب الهجرة، والهجوم على الإنجازات التي حققها أبناء الجاليات المسلمة والعربية في أوروبا.
يقول الفديو، أن معدل المواليد الخام في معظم دول أوروبا هو أقل من 2%، ويدعي معد الفديو وناشره، أن أي حضارة لكي تحافظ عليها وعلى ازدهارها تحتاج إلى معدل موليد ليس أقل من 2.11%.
تعاني أوروبا، كما يقول الفديو، من شيخوخة، بالإضافة إلى نقص معدل المواليد الخام، مما يدفع الحكومات إلى فتح أبواب الهجرة لتجديد شباب مجتمعاتها. ورغم صحة هذه الفكرة، إلى حد ما، لكن يجب ملاحظة أن معدل مأمول العمر، وعدد السنوات الصحية HLY، التي يعيشها الانسان الأوروبي في زيادة متواصلة، يستطيع خلالها، هذا الانسان، مواصلة مختلف أنواع النشاطات الحياتية.
هذا اضافة الى أتمتة معظم النشاطات الإنتاجية والخدمية، مما يخلق وفرة شديدة في الحاجة إلى هذا الكم من البشر، خاصة غير الفاعلين منهم؟!
لا اعرف صحة هذه المعلومة، التي تحدد نسبة محددة من معدل المواليد كي تحافظ أي حضارة على ازدهارها، كما لا اعرف صحة كثير من المعلومات التي وردت بالفيديو، مثل أن 50% من المواليد في بعض الدول الأوروبية هم من المسلمين، وان طفلا من بين ثلاث اطفال في أوروبا هو لعائلة مسلمة، وان نسبة المسلمين في الجيش الروسي تصل إلى 40% وان....وان....وان....؟!
يريد هذا الفديو أن يقول أن الإسلام سينتصر في أوروبا، دون فتح او غزو او قتال او حتى أي جهود؟! هكذا بشرنا القذافي في الزمن الماضي "هناك دلائل على أن الله سيهب المسلمين النصر في أوروبا، من غير بنادق من غير سيوف ومن غير الغزو"، دون أن يدري أن الفرنسي، برنار هنري ليفي، هو الذي سيغزوا ليبيا، لا اهل مصراته الذين نفوا وشردوا اهل تورغاء عن بيوتهم؟!
كما يدعي الفديو، أن المسلمين الذين هربوا من الحروب والجوع والفاقة والدكتاتورية، التي تعم بلادهم، هم المعول عليهم نشر الإسلام في أوروبا، ولأنهم أبنائنا فإننا سنكون، عما قريب، نحن الحكام الفعليين في العالم. هذا بالإضافة، إلى ان هؤلاء الأبناء سيأتوننا بالإسلام الصحيح من هناك، بدلا من هذا الإسلام المتوحش الذي ينتشر بين ظهرانينا، ولا يمت للاسلام بأي صلة، كما يقول أحد الاصدقاء؟!
لا يختلف هذا الفديو في ادعاءاته عمن يمنون الفلسطينيين بوعد الآخرة، الذي سيتحقق على الايادي المتوضئة الطاهرة، رغم كل ما يشوبها من فساد وشق على الناس في الحكم والحياة.
من يبشر بهذه الأفكار "الخلاقة" ليس من عامة الناس، ولا من بين نشطاء وسائل التواصل الاجتماعي، انهم أساتذة جامعات وحكام وثوار ومفكرين؟!
هل تعتمد الحضارة في نموها وتطورها على عدد سكان الدولة او الاقليم، ان كان كذلك كيف يمكن تفسير نمو دول مثل سنغافورة وايرلندا ورواندا؟!
لقد نمت دبي وتطورت أكثر من بغداد، واستطاعت قطر الصغيرة، وجزيرتها أن تسقط ثلاثة دول عربية، وما زالت غير مقتنعة بما حققت، وتحاول أن تسقط ما تبقى من هذه الدول. كما واصبح لها دور فاعل في القضية الفلسطينية وفي المقاومة، رغم أنها لم تنجب ولن تنجب يوما مثيلا لتشي جفارة، ولم تطلق طلقة رصاص واحدة في أي اتجاه، ما عدا مفرقعات الزينة في أعياد الميلاد؟!
هل يتحدد انتصار فكر او حضارة بعدد جاليتها في الدول الأخرى. ان كان هذا صحيحا، فمن حق الهنود مثلا، أن يبشروا شعبهم بانهم في القريب العاجل سيحتلوا امريكيا، ويحولونها إلى ولاية هندية، خاصة وأنهم فاعلين في المجتمع، وقادة لاهم شركات الهايتك والتكنولوجيا في الولايات المتحدة الأمريكية.
كما لا يعني نجاح أفراد، من هذه الجالية او تلك، في الوصول إلى مراكز مرموقة اجتماعيا او سياسيا او اقتصاديا وحتى علميا، هو شهادة وافتخار لدول المنشأ، التي هرب منها اهلها. ان هذا يؤكد، دون ادني نقاش، نجاعة وفاعلية المجتمع الجديد وأنظمته ومؤسساته، التي استطاعت، ليس فقط استيعاب هذه الطاقات، بل طورتها ووضعتها في المكان المناسب، وافسحت لها المجال للعطاء والابداع، فبلاش نتباهي بشعر خالتنا زي القرعة؟!
ان أصحاب هذا الفديو، كأصحاب مؤسسة وعد الآخرة، يحاولون مواصلة سيطرتهم على المجتمع وموارده، وتبرير حالة الافقار والضنك التي يعيشها الناس، وبث الاوهام للضحك على الآباء والأمهات وتهدية حزنهم ولوعتهم، وهم يرون بأم أعينهم كيف يهرب أبناؤهم الذين صرفنا على تعليمهم وتربيتهم كل غال ورخيص، يهربون عبر بحار ومحيطات الموت، وفيافي الصحراء القاحلة، ليكونوا عرضة لابتزاز كل قطاع الطرق، وفريسة لكل المجرمين.
أن الهاربين من بلادهم لا يستطيعون أن يقيموا حضارة او أن ينشروا فكرا، بل هم من سيندمجون في هذه الحضارات الجديدة، ويتعلمون قيمها ويتشربون مبادئها، ان أرادوا ان يكونوا فاعلين في هذه المجتمعات، لا يقبعون في غيتوهات بعيدة تخلق بينهم مزيدا من الفقر والتطرف؟!
ان العامل البشري هام واساسي ومحوري في بناء الحضارات، على أن يلائم هذا الإنسان متطلبات الحضارة وحاجتها من علوم وقيم. انه عصر الهايتك والريبوتات، التي يستطيع الواحد منها أن يستغني عن عشرات، أن لم يكن مئات من العاملين، ويقوم بتنفيذ اعقد العمليات الحسابية والجراحية والإنتاجية، بدقة وسرعة متناهية.
أن تسويق الأوهام والعيش عليها، والهروب من الواقع، والادعاءات التي ليس لها اسس حقيقية متينة، لا تبني شعوب ولا تنشر حضارات.
أن الزيادة البشرية في بلادنا لا يمكن تبريرها بهذه المبررات والأوهام، لأنها زيادة تتناقض مع حجم مواردنا الطبيعية الناضبة، من المياه والاراضي الزراعية ومواد الخام، مما ينذر، ان بقيت على هذا المعدل المتزايد من الاستخدام الجائر، بافظع الأضرار على البيئة ومواردها، ويهدد بمزيد من الفقر والنزاعات والمجاعات والهجرة، بحثا عن لقمة الخبز، لا من أجل نشر الحضارة والدين؟!
وأخيرا لا تنسوا الإعجاب بالفيديو وتعملوا مشاركة، حتى تعم الفائدة وينتصر الاسلام، طبعا ولا تنسوا الاشتراك في القناة؟! اعتقد ان هذه هي الفائدة الوحيدة التي قد يجنيها معد وناشر هذا الفديو، آلاف الليكات من آلاف المغفلين، وعدد قليل من الدراهم المعدودة؟!

ليست هناك تعليقات: