السبت، 11 مايو 2013

ديوان (عينان في جمجمة مقمرة) ..- للشاغرة تعيمة فنو - رياض خليف

ديوان (عينان في جمجمة مقمرة) .. مناخات جنائزية وتشكيلية
رياض خليف 

يكشف الديوان الشعري الجديد للشاعرة المغربية نعيمة فنو عن محاولة أدبية فيها الكثير من الاجتهاد والتجريب لصناعة نص شعري خاص حيث ارتكبت الشاعرة جهدا كبيرا في ايجاد علاقات شعرية مجازية متعددة تصنع بها نصها المزخرف بالصور الشعرية ... فصاغت ديوانا تجريديا سرياليا يطغى عليه الألم والموت وهو ما نتبينه منذ عتبات الكتاب.. لاشك أن العتبات مداخل مهمة لكل نص ادبي ففيها اشارات مهمة لا بد من اخذها بعين الاعتبار لفهم التجربة النصية اسلوبا ورسالة ولعل المتأمل في عتبات ديوان نعيمة فنو يستطيع حصاد افكار عديدة فالعنوان 'عينان في جمجمة مقمرة'متشابك بشكل يجمع الموت والقمر ويجمع الجسد بالموت والقمر وهي ثنائيات ذات صدى في النصوص واما الاهداء فهو:


 الشاعرة نعيمة فنو
“ كلماتي وجوه ناسكة تستقبل
تبتهل....
إليكَ...إليكِ...إليكم
إلى كل جائع يَغْتذي برغيف كرياتي
إلى كل سجين فوق رخام قفصِ صدْري
إلى كل ميت يحرِّك بيادق الذاكرة”.

وهويكاد يكشف عن كل ما في الديوان ففيه إشارة الى المواضيع الكبرى التي دارت القصائد في مناخاتها وفيه حس نضالي نفهمه من خلال التوجه بالاهتداء إلى الجائع والسجين والميت كما نتبين من خلاله موقفا من الشعر فالشاعرة خيرت الكلمات الناسكة المبتهلة وقوفا مع الضعفاء والمظلومين وهذا ما يبرر المناخات السوداوية التي تسود الكتاب وهو خطاب شعري مقابل لبهجة الحياة وأفراحها كما تقطع الشاعرة في هذا العمل مع القصيدة الوجدانية وهي القصيدة الغالبة في الشعر العربي. قصيدة الانفعال والاحساس التي تعج بالمشاعر العاطفية والعائلية والوطنية-لتفسح المجال لقصائد وجودية يغلب عليها الطابع التأملي فيعوض التشكيل اللغوي الاحاسيس وتبحث الشاعرة عن صور وافكار تنسج بها لوحاتها الشعرية حتى يختفي الذاتي في القصيدة ويفسح المجال للعالم الخارجي وهو ما يفسر ندرة المقاطع التي تتعلق بالذات في هذا العمل. كما تقطع نعيمة فنو مع القصيدة التي تمثل وحدة نصية وتقدم نصوصا يغلب عليها التشظي تحوم حول محور واحد فكأنها تلون هذا المحور في كل قصيدة...حتى تبدو القصيدة جملة من اللوحات الشعرية التي تحوم حول جملة من المواضيع التي قد تتكرر وهو ما يطبع هذا العمل بجملة من المناخات الخاصة لعل أهمها المناخات الجنائزية.


مناخات جنائزية
للوهلة الاولى نلمح في هذا العمل مناخات جنائزية...فالموت يسود هذا الديوان ويخيم على مختلف زواياه...عادة ما كان الموت في الشعر العربي مثيرا لتفجع الشعراء ومرثياتهم لكنه تحول لدى آخرين الى موضوع فلسفي والى مجرد صورة شعرية ولعل الشاعرة تنخرط في هذا المسار فبرغم غلبة الموت على عملها الا انها لا تتعامل معه بشكل تفجعي. تفوح رائحة الموت بداية من العنوان'عينان في جمجمة مقمرة'وعناوين القصائد التي يحضر فيها معجم الموت تأملات جثة حبلى موت على صدر قصيدة جنازة طائرة ورقية جنازة طائرة ورقية عرس الشهادة عينان في جمجمة مقمرة. هذه العناوين تعج كما يظهر فيها بالموت باختلاف انواعه فهو الموت الفلسفي والحقيقي وهو الموت العادي والموت البطولي في الذاكرة العربية وهو الموت التصويري الفني المجازي ايضا.ثم يحضر الموت بنفس هذه المعاني في مختلف القصائد وبالتالي تهرب الشاعرة بالموت من صورته التقليدية الى صور أخرى. حيث تحاول تصويره بعيدا عن مشهده التقليدي الذي اعتدناه...فالموت بكاء وحزن وعويل ونهاية حياة ولكنه في هذه التجربة يظهر باشكال جديدة فهو حينا قصيدة:


“ الموت قصيدةٌ
تلحِّنها عقاربُ الساعة
واما الموتى فهم مجرد نيام بلا احلام
الموتى نيام
رفع عنهم قلم الأحلام
وأما الامطار فليست سوى عيون الموت الدامعة”

فالشاعرة تتأمل الموت بشكل جديد وتصنع منه مجازات جديدة هي في النهاية رؤى ومواقف وتخيلات للهروب من الم الموت والمصير والواقع في آن واحد.

- من أشلاء القصيدة الى أشلاء الجسد
خرجت القصيدة عن وحدتها وكذلك الجسد...حيث تناثرت اشلاؤه في بعض القصائد مثلما في هذه القصيدة التي تجزأ فيها وتشظى حتى صار أشياء اخرى مغايرة فهو الجمر والبلوروالحبال والعصافير وغير ذلك على نحو ما يظهر في هذه المقاطع:

“ علقي قلبي جمرة ، في كبد المرايا
لتصير موجا...
علقيه طائرة مِنْ ورقٍ في مخيلة الثلج
ليبرأ من فوبيا الماء
ركبي أسناني ، عقد بلورٍ
ضعيه فقط....
عندما أخشعُ أمامَكِ وأصير...
أصيرُ مِرآة....
دُموعي
حِبالٌ تتجاذب المغفرة
اصعدي خشبة السماوات
قولي ... حصانٌ مغمض العينين،
من طين ذنوبكم”.

وتستمر هذه القصيدة الطويلة في تقصي الجديد ورسمه بأشكال وصور مختلفة فكأن الجسد يفقد وحدته وربما يفقد جسديته ومعانيه وهوانخراط آخر من الشاعرة في النص الأليم. فالعملية الشعرية تحولت الى عملية رسم وتشكيل...الشاعرة ترسم الجسد من جديد وتخرجه من اطاره الطبيعي الى اطار فني فكل جزء منه يكتسب دلالات خيالية. كما نلمح في هذه التجربة تصويرا خاصا للجسد الانثوي وهروب به من طبيعته اللذيذة الى طبيعة أخرى حسية ومعنوية.. فالرحم مثلاً:

“ الرحم
قبر بلا عقاب
عندما يحل الطوفان
أعتصم برحم أمي
وأغلق الباب الوحيد”.

كما تقدم تصويرا للثدي يخرج من بعده المباشر ليصبح مصدر قصائد وترتبط علاقته الخيالية بالعصافير:

“ بعد شهوة كل مساء
ينفلق قصائد
وعندما أنام
يتبخر سَرابا
ترضعه العصافير”

لدى الشاعرة نزعة الى كتابة قصيدة سريالية حزينة والهروب من الواقع اليومي مرارا لكنها تقع بالضرورة في الم الواقع والقضية وهو ما يفسر حضور بعض القضايا في شعرها مثل الجوع والشهادةفبقدر هذا الجنوح الى الخيال والتجريب بقدر ما يحضر في بعض النصوص الوازع الإنساني بطريقة تشكيلية طبعا من ذلك الاهتمام بقضية الجوع والفقر والكتابة عن هذه الفئة أو لنقل محاولة رسمها.

ليست هناك تعليقات: