الجمعة، 14 يونيو 2013

غنيمة حرب الصين السيبيرية ! نبيل نايلي*

غنيمة حرب الصين السيبيرية !

نبيل نايلي
“هذا الإختراق يعني توفير ملايين من الدولارات كانت ستصرفها الصين لتأمين تفوّقا وأفضلية عسكرية في حال نشوب حرب….
لقد وفّر الصينيون على أنفسهم –جهد ووقت- 25 سنة من البحث والتطوير! إنها معضلة كبرى!” أحد المسؤولين العسكريين الأمريكيين.

حين ينتهي تقرير مجلس العلوم الدفاعية، The Defense Science Board، بخلاصة مفزعة مفادها أنّ “كل ترسانة الأسلحة النووية الأمريكية أعجز ما تكون عن مجابهة هجوم إلكتروني شامل، وحين تُفرد صحيفة الواشنطن بوست، Washington Post، افتتاحيتها لتشير بوضوح لعدم جاهزية الولايات المتحدة الأمريكية لحرب سيبيرية وتعلن “إنه لمن المقلق أن تدخل الولايات المتحدة عصر الصراع الإلكتروني بوضعها الراهن”، ثمّ تتعمّد استباق القمة الصينية-الأمريكية فتنشر تقريرا تفصيليا يفضح حجم إختراق وتغلغل القرصنة الصينية بأدق مفاصل مفخرة الصناعات العسكرية الأمريكية ووضع يدها على تصاميم أكثر من 24 نظاما هاما للأسلحة الأمريكية، نُدرك أن حرب القراصنة السيبيرية “الحقيقية والخطيرة للغاية”، كما يوصّفها وزير الدفاع الأميركي تشاك هيغل، Chuck Hagel، أضحت لا تهدّد السبق النوعي التقني والتسلّحى الأمريكي على باقي أمم العالم، فحسب، بل تضع أمن ووجود الولايات المتحدة الأمريكية تحت رحمة كبسة زر صيني!
تقرير الواشنطن بوست يكشف بالتفصيل وقائع وملابسات وخسائر الحرب السيبيرية التي يقودها القراصنة الصينيون رغم التحذيرات الأمريكية التي تتحوّل تدريجيا إلى تهديدات قد تنذر بوخيم العواقب. أكثر من 25 سنة سبق تسلّحي ومعرفي صار بحوزة الصينيين دون أن يكلّفوا ميزانيتهم فلسا! من تصاميم الأسلحة الأمريكية المتطوّرة والأكثر سرّية التي تضمن التفوّق النوعي الإستراتيجي، إلى أنظمة الدفاعات الصاروخية، مفخرة العسكرية الأمريكية، إلى الطائرات والسفن المقاتلة، كل ذلك طالته أيادي القراصنة الصينيين! هذه التفاصيل الهامة والخطيرة أوردتها الصحيفة نقلا عن “أجزاء لم تنشر في السابق” من تقرير كان أعدّه مجلس علوم الدفاع، The Defense Science Board، لمصلحة وزارة الدفاع الأمريكية، البنتاغون، ولمسؤولين في الحكومة ومؤسسات الصناعات الدفاعية. لا يتردّد الخبراء الأمريكيون في تقييم حجم ومدى تغلغل الإستخبارات و فرق الجوسسة السيبيرية الصينية، واعتبار ذلك عاملا لا يقلّص من الهوة الفاصلة بين الأمريكيين والصينيين في هذه المجالات، ولا يمنح منافس الغد القريب فرصة ثمينة لتسريع عمليات تطوير ومحاكات برامجها العسكرية، فحسب، بل ويشكّل عامل تهديد مباشر قد يمسّ ويقوّض أمن ودفاعات الولايات المتحدة الأمريكية!! مساس وتقويض من يملك القدرة على التحكّم بالمنظومة ويعرف نقاط ضعفها، فما بالك إذا كان بمقدوره التلاعب ببياناتها وبرمجياتها! يوجز وزير الدفاع الأمريكي كلّ ذلك بقوله: ” إنّ مخاطر الصراع الإلكتروني تتفاوت ما بين تعطيل شبكات الطاقة إلى تدمير الأنظمة المالية إلى إيقاف شبكات الدفاع”!!!
لئن تكتّم أعضاء مجلس علوم الدفاع، اللجنة الإستشارية المؤلّفة من ثلّة من الخبراء العاملين في الحكومة أو المدنيين، فإن مسؤولين رفيعي المستوى من العسكريين والصناعيين التابعين لمجالات الدفاع، لم يتردّدوا في الإشارة بأصابع الإتهام إلى الحكومة الصينية وجيشها، وإلى هجمات قراصنتهم التي لم تستثني لا الوكالات الحكومية ولا الشركات الكبرى ولا المصارف، ولا الصحف الكبرى، بل استهدفت المجالات الإستراتيجية وشركات الكهرباء ومرافق البنية التحتية الأمريكية الحساسة، وأخيرا متعهّدي وزارة الدفاع الأمريكية. كشفت دراسة قامت بها شركة “مانديانت، Mandiant”، المختصّة في أمن الحواسيب ونظمها، أنّ لجيش التحرير الشعبي الصيني وحدات مختصّة في هذه العمليات. من بينها الوحدة الأشهر، والتي تحمل إسم (61398部队)، أو الوحدة 61398، التي تضمّ بين صفوفها جماعات قرصنة يديرها ضباط في الجيش أو متعهّدون يعملون لصالح جهات لها علاقة وطيدة بالحكومة أو وزارة الدفاع الصينية. يعمل هذا الفريق داخل مقر “وحدة أمن الحواسيب بالجيش الصيني” المؤلّف من 12 طابقا في أحد أحياء مدينة شنغهاي!
من خلال إلقاء نظرة سريعة على “غنائم” حرب الصين السيبيرية، يصدق اليوم، بما لا يدع مجالا للشك، تقدير كان يشكّل التحذير أو ناقوس الخطر، ضمّنه من أشرف على كتابة تقرير صدر في جانفي الماضي كان أشار بوضوح إلى أن وزارة الدفاع الأمريكية “غير مؤهّلة وغير جاهزة لتحدّيات ومواجهة هجوم سيبيري شامل”!!!
حجم الإختراق كما أشرنا مفزع وخطير، ويكفي الإطلاع على قائمة الجرد التي وردت في التقرير لنكتشف أن تعليق أحد المتحدّثين بإسم البنتاغون، الذي أورده في رسالة إلكترونية، جاء فيها: “لدى وزارة الدفاع قلق متزايد من الخطر العالمي للأمن الاقتصادي والقومي الذي تسبّبه عمليات التسلّل السيبيرية المستمرّة والتي تهدف إلى سرقة ملكيات فكرية وأسرار تجارية وبيانات تجارية ما يقوّض التقدّم التنافسي للشركات الأمريكية مثل تلك الناشطة في الصناعات الدفاعية”، ليس إلاّ إقرار بالفضيحة ومحاولة يائسة للتخفيف والتضليل.قائمة الجرد الطويلة، المُشار إليها، تضمّ مفخرة الصناعات الدفاعية والهجومية للعسكرية الأمريكية التي باتت تحت تصرّف الجيش الشعبي الصيني، نورد منها على سبيل الذكر لا الحصر:
  • · أنظمة الدفاع الصاروخية الأساسية في آسيا وأوروبا والخليج،
  • · وأنظمة صواريخ أيجيس، Aegis، الباليستية الخاصة بالبحرية.،
  • · نظام صواريخ باتريوت، PAC-3، ونظام أسلحة خاص بالجيش يهدف إلى اسقاط صواريخ باليستية، Terminal High Altitude Area Defense، THAAD،
  • · أنظمة طائرات وسفن مقاتلة مثل مقاتلة FA-18، آف آي 18، و V-22، في -22 “أوسبري”، وسفينة”ليتورال“ الحربية التابعة للبحرية والمصمّمة للقيام بدوريات قريبة من الشواطئ،
  • · نظام مقاتلاتF-35 ، آف -35، الأغلى في تاريخ نظم الأسلحة الأمريكية، والذي كلّف ما لا يقلّ عن 1.4 تريليون دولار،
في اختصار شديد، أبلغ ما قيل تعليقا على هذه الحرب المفتوحة قول أحد المسؤولين العسكريين الذي رفض الكشف عن إسمه للواشنطن بوست قوله: “هذا الإختراق يعني توفير ملايين من الدولارات كانت ستصرفها الصين لتأمين تفوّقا وأفضلية عسكرية في حال نشوب حرب…. لقد وفّر الصينيون على أنفسهم –جهد ووقت- 25 سنة من البحث والتطوير! إنها معضلة كبرى!!!! “
وزارة الدفاع الصينية سارعت كعادتها إلى النفي بشكل قاطع ما ورد بالتقرير الأمريكي. جاء ذلك على لسان المتحدث باسم وزارة دفاعها، جنغ يان شنغ، الذي اعتبر أنّ التقرير لا”يقلّل من قدرات البنتاغون في مجال الأمن الدفاعي، فحسب، بل يستخفّ بذكاء الشعب الصيني، أيضا”، محاججا بما تملكه الصين من قدرة على تصنيع وتطوير عتادها العسكري لضمان أمنها القومي، برهنت عليها طائرة شينغدو جي-20، Chengdu J-20، النفّاثة الجديدة، الشبيهة جدا بالطائرة الشبح الأمريكية آف-117 نايت هوك، F117 Night Hawk، وبما يشهده أسطولها البحري من تحديث سريع. وستبرهن عليه أكثر وهي التي تتأهّب لإجراء مناورات عسكرية، في منطقة منغوليا، شمال البلاد، سيستخدم خلالها جيش التحرير الشعبي، لأول مرة، تكنولوجيات رقمية. كما سيشرّك رجال العسكرية الصينية في مناوراتهم قوات مقاتلة تضمّ “الوحدات الرقمية” و”وحدات العمليات الخاصة” وسلاح الطيران و”قوات مكافحة القرصنة الإلكترونية”، لا شكّ ستستغلّ هذه الفرصة للإستعراض والبرهنة على أنّ زمن إنكفاء التنّين الصيني قد ولّى إلى غير رجعة.
لقد أضحى تصنّت الصين على الشبكات الالكترونية مصدر قلق جدي سيما وأنّ المهارات المطلوبة لهذه الاختراقات هي نفسها التي قد تستخدم يوم يراد بها شن هجمات على شبكات المعلوماتية، كعب أخيل النظام المعلوماتي والإقتصادي والأمني والعسكري، وتمكّن القراصنة الصينيين من وضع اليد على مفخرة الصناعات الأمريكية، يشكّل عامل تهديد مباشر وحربا سيبيرية معلنة وإن مارس الصينيون حالة إنكارهم، وهم من لم يتردّدوا في استهداف، من ضمن ما استهدفوه، مسودّات الخرائط السرّية لمقرّ الاستخبارات الأسترالية الجديد!!!
هل تكفي دعوة، حتى لا نقول تذلّل، مستشار الأمن القومي الأمريكي توم دونيلون، Tom Donilon، إلى “تعزيز العلاقات بين بلاده والصين لتشمل مكافحة القرصنة؟ أو نداء وزير الدفاع الأميركي، تشاك هيغل، وهو في طريقه إلى سنغافورة حيث يُعقد مؤتمر إقليمي عن الأمن في آسيا والمحيط الهادئ سيستمر 4 أيام، لوضع ما سمّاه ب”مدونة سلوك” للتصدّي للهجمات الإلكترونية؟ ماذا عن مشروع إتفاقية إنشاء “مجموعة مكافحة القرصنة الإلكترونية المشتركة” بين الولايات المتحدة والصين، التي هلّل لها جون كيري؟ هل تستسيغ الصين الجامحة والتي تحاصرها الولايات المتحدة بإستراتيجيات قرنها الباسيفيكي ومحاولاتها الدؤوبة تطويقها بالأحلاف والقواعد لقول توم دونيلون مخاطبا فان تشانغ لونغ، نائب رئيس اللجنة العسكرية المركزية الصينية: إن “جزءا أساسيا من بناء نموذج جديد للعلاقات بين القوى الكبرى هو ضمان أن يكون لدينا علاقة عسكرية قوية ومستقرّة وموثوق بها”؟ ألا يزال حلم “الفضاء الإفتراضي الآمن” قائما؟ للصين وجهة نظرها التي يستبطنها تصريح فان تشانغ لونغ الداعي إلى “نوع جديد من العلاقات بين القوى الكبرى”!
القمة المرتقبة بين الرئيسين الأمريكي، باراك أوباما، ونظيره الصيني ،شي جين بينغ ، لن يغيب عنها ملف القرصنة الذي أضحى يقضّ مضجع مسؤولي وزارة الدفاع الأمريكية. توقيت تقرير الواشنطن بوست، غير البريء في تزامنه وزيارة توم دونيلون من جهة، وتصريحات وزير الدفاع في سنغفورة، تماما كما استعدادت القمة الرئاسية من جهة أخرى، سيجعل ملف الأمن السيبيري الشائك في أعلى بنود أجندة النقاش.
أخيرا، أين يقف العرب من المواجهة المحتومة؟ وماذا يمكن أن يجنوه من التنافس المرشّح أن يتحوّل إلى تناحر بين الولايات المتحدة الأمريكية والصين؟ لا شيء يوحي في المنظور القريب، ولا حتى في زمن”الربيع“ العربي، بأن العرب، بما في ذلك عرب”الثورة“، يضعون حدّا لعلاقة الإرتهان للولايات المتحدة التي كانت تقايض بها أنظمة العسف بقاءها، ولا هم في، الحد الأدنى، يستفيدون من المعادلات التي تتغيّر، ليراهنوا على أنفسهم هذه المرة لتشكيل نظام عربي حقيقي، لا يرتهن لا لأمريكا ولا للصين ولا لأي قوة كامنة أو صاعدة. من لا يزال يتلذّذ سادية ترف المراوحة والتردّد، فليطرق السمع لجواب الاستراتيجي المعروف ومستشار الأمن القومي في عهد جيمي كارتر، زبيغنيو بريجنسكي، Zbigniew Brzezinski، عن سؤال:”كيف سيكون شكل العالم في ظل الانحدار الأميركي اليوم؟“، وهو يرسم لوحة قيامية، مستشرفا التداعيات المستقبلية لفقدان أمريكا دفّة القيادة، تتمثّل في ظهور سلسلة من ردود الفعل السريعة التي ستغرق العالم في حمى الاضطرابات السياسية والاقتصادية. ففي ظلّ غياب قوة أخرى جاهزة للعب دور الولايات المتحدة، كما يعتقد، فإن”السيناريو الأرجح هو الدخول في حقبة طويلة من الاصطفافات غير المحسومة التي تجمع القوى الإقليمية والعالمية على السواء، لن يكون فيها فائزون كبار بل خاسرون كثر“. الخاسرون بمنظوره، هم أولئك الذين رهنوا أمنهم واقتصادهم ومصيرهم بالولايات المتحدة. يعدّدهم تباعا:”جورجيا وتايوان وكوريا الجنوبية وبيلاروسيا وأوكرانيا وأفغانستان وباكستان وإسرائيل و”الشرق الأوسط الكبير”، ويصفهم بأنهم “كالأنواع المهدّدة بالانقراض” ، داخل المعادلة الجيو-سياسية العالمية!
هل تستشعر “الأنواع المهدّدة بالإنقراض” وقع ما يمكن أن يحصل أم تستسلم لمصير يرسمه غيرها؟

*باحث في الفكر الإستراتيجي، جامعة باريس.
نشر في أخبار عسكريةثقافة وفنوندراساتكتاب التقدمية

ليست هناك تعليقات: