الثلاثاء، 16 يوليو 2013

جيش المحتل: من الجيش الذي "لا يقهر" إلى الجيش "الذكي"! - نبيل نايلي


جيش المحتل: من الجيش الذي "لا يقهر" إلى الجيش "الذكي"!

ما هي ملامح ما سمّي ب"خطة تغيير بنية الجيش الإسرائيلي" ؟ وما المقصود ب"الجيش القليل العدد والذكي، "Small and Smart Army"، وما هي الظروف التي أملتها وما الغايات من إستراتيجية جديدة ستطال جميع أذرع جيش المحتلّ؟
"هذه الخطوات تتم بمسؤولية وإتزان، وهي تتضمّن الاستثمار في وسائل قتالية ومنظومات ستساعد الجيش على مواصلة الحفاظ على فجوة تكنولوجية كبيرة إزاء الدول والمنظمات المحيطة... سنواصل الاستثمار في التسلّح الدقيق، والإستخبارات، والتنصّت، والدفاع الفعّال والسايبر.المستقبل المنظور يمكن أن يقودنا إلى مواجهات ستحسم بواسطة التفوّق التكنولوجي للجيش الإسرائيلي، جواً وبحراً وبراً، وبمركبات أقل".           وزير دفاع جيش الإحتلال، الجنرال موشي يعلون.

في ظرف تعيش فيه المنطقة العربية وضعا استثنائيا انفجاريا بكل المقاييس، مفتوحا مشرّعا على سيناريوهات عديدة ومتناقضة، وفي مرحلة غدت فيها أغلب الجبهات المباشرة مع العدو شبه مفتوحة، وفي ظرف تعرف فيه الجيوش العربية الكبرى مخاطر التفكيك، تشرع قيادة الإحتلال العسكرية في تنفيذ خطة شاملة لتغيير بنية وإستراتيجية جيشها. تبدو القيادة في عجلة من أمرها إلى الحد الذي يجعلها لا تنتظر عرضها على قيادتها السياسية، لتبدأ فيها عمليا، وكأنها تضمن مسبقا قرار المصادقة عليها. "جيش جديد أشدّ ملاءمة للمعارك الجديدة التي سيضطرّ لخوضها"، مُتأقلم مع تحوّلات وواقع جيو-إستراتيجي متقلّب، مستجيبا للتحوّلات الجوهرية في طبيعة الحروب ومسرحها وأدواتها، وآخذا بعيد الإعتبار المناخ الأمني والفضاء السيبيري، ومتكيّفا مع المسارح والفضاءات التي تختلف جذريا وما كانت توفّره "الحروب التقليدية، Conventional warfare ". هذا ما يؤسّس له استراتيجيو العسكرية الصهيونية، الذين استثمروا ووظّفوا كأحسن ما يكون زمن وفترة خيار نظم العرب "للسلام الإستراتيجي"، وها هم يستثمرون ويوظّفون اليوم واقع وأوضاع الجيوش العربية، المدمّر منها والمُحيّد والمُستنزف!

فما هي ملامح ما سمّي ب"خطة تغيير بنية الجيش الإسرائيلي" ؟ وما المقصود ب"الجيش القليل العدد والذكي، "Small and Smart Army"، وما هي الظروف التي أملتها وما الغايات من إستراتيجية جديدة ستطال جميع أذرع جيش المحتلّ؟

تستأنس الخطة المشار إليها بمقاربة يوضحها وزير دفاع الكيان، الجنرال موشي يعلون، بقوله: "من منطلق الفهم بأن ميدان الحرب الرّاهن والمستقبلي يختلف تماماً عن كل ما عرفناه في الماضي، سنواصل الإستثمار في التسلّح الدقيق، والإستخبارات، والتنصّت، والدفاع الفعّال والسايبر. إذا أنّ المستقبل المنظور يمكن أن يقودنا إلى مواجهات ستحسم بواسطة التفوّق التكنولوجي، جواً وبحراً وبراً، وبعدد محدود من من المركبات". أما عن الخطة التي أقرّتها قيادة جيش العدو العليا، والتي ستتولّى عرضها على المجلس الوزاري للمصادقة عليها، فتستهدف إحداث تغيير عميق في بنية الجيش وفي استراتيجيته، خلال السنوات الثلاث المقبلة، وذلك من خلال:
  • · تخفيض عدد الجنود النظاميين من 5 آلاف إلى 3 آلاف جندي،
  • · العمل على غلق أكثر من 36 شعبة عسكرية خلال السنوات القادمة،
  • · تخفيض عدد الجنود في الألوية الرئيسية التابعة لجيش العدو، مثل "شعبة غولاني"، "شعبة غزة"،
  • · تفكيك عدد من الوحدات المدرعة والإستغناء عن أرتال كبيرة من الدبابات،
  • · خفض عدد السفن الحربية،
  • · وقف العمل بأسراب من الطائرات المقاتلة في سلاح الجو، بعضها فوريا، والبعض الآخر خلال العامين القادمين، ما دامت الطائرات الحديثة متعدّدة المهام تفي بالغرض،
  • · إعطاء أولوية أكثر لوحدات سلاح الجو والبطاريات المضادة للصواريخ، ومنظومة "القبة الحديدية والعصا السحرية"، تحديدا،
  • · تعزيز الاستثمار في الشعب الإستخباراتية والأسلحة عالية الدقة لسلاح الجو ومنظومات الدفاع الجوي،
  •  التركيز أكثر على استراتيجيات وأدوات الحروب الإلكترونية والسيبيرية.
إذا كان الهدف المرحلي هو توفير 7 مليار شيكل، أي ما يعادل 1.9 مليار دولار، فإنّ المأمول خلال الأعوام الخمسة المقبلة هو اقتطاع حوالي 26 مليار شيكل، النسبة الأهم في تاريخ جيش الإحتلال.

تصريح وزير دفاع الكيان، الجنرال موشي يعلون عن الجيش "قليل العدد والذكي"، يكاد يكون نقلا حرفيا لما أعلنه الرئيس الأمريكي باراك أوباما غداة إعلانه خطة إستراتيجيته العسكرية الجديدة، "تعزيز -استدامة- قيادة الولايات المتحدة للعالم: أولويات دفاع القرن الواحد والعشرين، Sustaining U.S. Global Leadership: Priorities for 21st Century Defense" ، التي أشرف عليها ليون بانيتا، Leon Panetta، نفسه، والتي اعتمدت، هي الأخرى، على 4 محاور رئيسية، يمكن إيجازها كالتالي: نهج سياسة تقشّف في إنفاق وزارة الدفاع، الحفاظ على التفوّق النوعي في الوسائل والقدرات، لا سيما في مجال الحرب الإلكترونية والسيبيرية، بما في ذلك أنظمة القتال المتطوّرة كالطائرات بدون طيار، خفض عدد القوات الأمريكية المتمركزة بأوروبا، والتوجّه نحو تعزيز الوجود الأميركي في آسيا والمحيط الهادي. يومها قال أوباما: "سنبقى مُتحفّزين ومتيقّظين، لا سيما في الشرق الأوسط…سنخفّض من الموازنة، لكن على العالم بأسره أن يعرف أن الولايات المتحدة ستحافظ على تفوّقها النوعي العسكري بقوات أقل عددا، وأسرع انتشارا وتدخّلا، وأعلى تدريبا، وذات قدرة فائقة على التعامل مع أي ظرف أو تهديد طارئ “؟

فهل يكون خيار عسكريي الكيان المتأثّر بعجز الموازنة، وليد مضاعفات تغيير عميق في العقيدة العسكرية الأمريكية إستراتيجية وعتادا، بحيث وجب التكيّف السريع؟ هل هي نتائج الأزمة الإقتصادية الخانقة التي تعيشها الولايات المتحدة التي لم تعد قادرة على تحمّل أعباء مساعدات أثقلت كاهل دافع الضرائب الأمريكي؟ هل هو الواقع جيو-إستراتيجي المتقلّب، الذي يفرض استجابة سريعة للتحوّلات الجوهرية في طبيعة الحروب ومسرحها وأدواتها، وإلماما بخارطة تهديدات تتوالد داخل مناخ أمني وفضاء سيبيري محفوفين بالخطر، فحسب، وتقطع مع أساليب وخطط وتكتيكات وعقيدة الحروب التقليدية الثقيلة، لتركّز على ما يسمّيه، وزير الدفاع الأمريكي السابق ليون بانيتا، ، بالـ"تحوّل التاريخي إلى المستقبل"، الحروب"الذكية، Smart Wars"؟ حروب يتمّ الجمع فيها بين القصف المنظّم و"دقيق" التصويب، والقوة الجوية والبحرية الضاربة، والتفوّق الإلكتروني والمعلوماتي. في اختصار هو تحوّل جوهري نحو الحرب الخاطفة ذات العمليات الجوية والبحرية المحدودة، بفرق خاصة خفيفة، وتوظيف لمنظومة مُعقّدة ومتكاملة لأحدث تقنيات التشويش والجوسسة والاختراق والتصنّت، وتكنولوجيا المعلوماتية والحرب السيبيرية واستخدام الطائرات دون طيار، Drones.

لئن رجّح أليكس فيشمان، Alex Fishman، المعلّق العسكري لصحيفة "يديعوت" فرضية أن يكون عسكريو واستراتيجيو جيش الإحتلال قد استأنسوا بالعقيدة العسكرية الأمريكية المعروفة ب"الصدمة والترويع، Shock and Awe "، التي اعتمدها الأمريكيون خلال عدوانهم على العراق خلال حرب الخليج الثانية، فإنّنا نتحسّس أكثر، ونحن ندقّق في تفاصيل خطة هندسها رئيس الأركان الجنرال بني غانتس، Benny Gantz ، تعاليم وبصمات وزيري الدفاع الأميركيين السابقين دونالد رامسفيلد، Donald Rumsfeld، وديك تشيني،Dick Cheney، خصوصا ما تعلّق منها بعمليات القوات الخاصة عالية التدريب، سريعة الحركة والمعتمدة على جهد إستخباراتي وأسلحة متطوّرة وقوة نار كثيفة، مضافة لدعم لوجستي وتحكّم وسيطرة شاملة على جميع فضاءات وساحات المعارك. هل هي المصادفة أن يتولّى إستراتيجيو عسكرية الكيان المساس بالمؤسسة التي قام ولا يزال عليها المشروع الإستيطاني منذ سفر تكوينه؟ أم أنّ وضع الجيوش العربية هذه الأيام هو الذي شجّع على اتخاذ مثل هذه الخطوة؟ هذا ما يجيب عنه معلّق صحيفة "إسرائيل اليوم" العسكري، يوآف ليمور، Yoav Limor، بقوله: "إنّ مقاربة وخيار وخطة قيادة الجيش في الظروف الراهنة يمهّدون الطريق لجيش جديد أشدّ ملاءمة للمعارك التي سيضطرّ لخوضها، سيما أنّ التفكّك السريع للجيوش العربية قلّص كثيراً احتمال الحرب التقليدية، وسمح بالتخلّي عن عدد كبير من الطائرات والدبابات والمدافع القديمة، ذات الكلفة العالية والجدوى المحدودة".

حين نعلم أنّ خبراء وإستراتيجيو الكيان خلصوا في دراسة صادرة عن مركز بيغن-السادات، إلى تعبيرهم "عن رضا عميق" لما وصّفوه "بتدمير القوة السورية من دون إطلاق رصاصة واحدة من مخزون الجيش الإسرائيلي"، نفهم لماذا تم اختطاف الحراك الإنتفاضي وتحويله إلى حروب أهليه، ولماذا يُدفع بمصر ومؤسستها العسكرية إلى نفس شفير هاوية جيش العراق وجيش سورية. الجيوش العربية كانت ولا تزال هدفا أساسيا للإستراتيجية الأمريكية-الصهيونية، وتفكيكها الواحد تلو الآخر كان ولا يزال ضمن مخططات الكيان بغية تحويل ما تبقى من أقطار إلى دول فاشلة، وبالتالي بسط هيمنته المطلقة على المنطقة.

هل ننتظر حتى يتحوّل "الرضا العميق" إلى مُسلّمة وردت بذات الدراسة مفادها أن "لن يعود من المهم الآن مَن يأتي إلى الحكم في سورية، لأن الخطر الذي تمثّله هذه الدولة على إسرائيل قد انتفى إلى أجل غير قريب ؟ هل ننتظر حتى يقال ذات القول عن مصر، لا سمح الله؟ أم يقنع بعضهم –تعزية للنفس- بما كشفه خبراء المجلة البريطانية لشؤون الدفاع، Jane's Intelligence Review، بخصوص المملكة العربية السعودية التي قالوا إنها "تقيم قاعدة في عمق الصحراء السعودية، بمنطقة الوطح، مُزوّدة بقدرات لضرب إيران و"إسرائيل"، ورصدهم، بعد تحليل الصور، وجود منصتي إطلاق مع علامات تشير إلى الشمال الغربي نحو تل الربيع والشمال الشرقي نحو طهران"؟

جيش الكيان يخططّ ل"مواجهات ستحسم بواسطة التفوّق التكنولوجي للجيش الإسرائيلي، جواً وبحراً وبراً، وبمركبات أقلّ، كما يتوعّد الجنرال يعلون، فهل وصل صدى وعيده المعنيين بالأمر؟!!!
*باحث في الفكر الإستراتيجي، جامعة باريس.

ليست هناك تعليقات: