الخميس، 24 أكتوبر 2013

بدعة" القضاة المؤقتون "من خلال خلاصات الميثاق الوطني لاصلاح منظومة العدالة - ذ.ياسين مخـلي

بدعة" القضاة المؤقتون "من خلال خلاصات الميثاق الوطني لاصلاح منظومة العدالة
 ذ.ياسين مخـلي

يعتبر الارتقاء بمستوى و فعالية التكوين الأساسي و التخصصي من أهم المحاور التي تناولها الميثاق الوطني لإصلاح منظومة العدالة ، و هو في سبيل ذلك عمد الى وضع مجموعة من الآليات المتمثلة في الرفع من مدة التكوين الأساسي للملحقين القضائيين بمعهد تكوين القضاة الى ثلاث سنوات ، ووضع برامج للتكوين التخصصي للقضاة في العديد من القضايا ، فضلا عن اضفاء صفة قاض نائب على المتخرج من معهد تكوين القضاة خلال ممارسته لمهامه بالمحاكم لمدة سنتين تحتسب في مساره المهني ، و التي يرسم بعدها في سلك القضاء.
فهل يعتبر استحداث هذه المؤسسة وفق هذا الشكل آلية للارتقاء بالتكوين الاساسي للقضاة ؟ و هل ينسجم ذلك مع المبادئ الدولية بشأن استقلال السلطة القضائية و القضاة ؟ ثم هل توصية الحوار الوطني بهذا الشأن هي استنساخ لتجربة سابقة أم هي اعلان عن وضع شاذ وهجين لم يسبق اعتماده؟
ان اجراء تقييم علمي لصفة القاضي النائب المستحدثة تقتضي تقصي تاريخ القضاة النواب والنصوص القانونية التي كانت تنظمها ، فالقاضي النائب هو المرشح الذي كان ينجح في مباراة الولوج للمعهد الوطني للدراسات القضائية ، ويقضي فترة للتمرين تتوزع بين المعهد و المحاكم ، و يلزم باجتياز امتحان نهاية التمرين قبل ترسيمه قاضيا، و قد نظم المشرع المغربي القاضي النائب في بداية الأمر من خلال الفصل 15 من ظهير 30 دجنبر 1958 المكون للنظام الأساسي لرجال القضاء و الذي عرف عدة تعديلات بمقتضى ظهير 31 يناير 1970 ، الذي نص على أن المرشحون الناجحون يعينون قضاة نوابا حسب ترتيبهم في المباراة ،و يقضون بهذه الصفة سنة أولى من التمرين بالمعهد الوطني للدراسات القضائية ، و يتعين على الناجحين في الامتحان المقرر لهذا الصنف من القضاة قضاء سنة تانية من التمرين لدى المحاكم ، يمكن بعد انتهائها ترسيمهم أو ارجاعهم الى أسلاكهم الأصلية أو اعفائهم بعد استشارة المجلس الأعلى للقضاء .
و نظرا للأهمية التي حضي بها نظام التكوين الأساسي للقضاة النواب في سبيل تطويره و ضمان فعاليته ، عرف الفصل 15 من النظام الأساسي للقضاة تعديلا أخرا بمقتضى ظهير 2 يناير 1972 ارتكز على توزيع فترات التمرين بين المعهد الوطني للدراسات القضائية و المحاكم و كذا تنظيم امتحان التخرج.
و بصدور النظام الأساسي الحالي للقضاة عمد المشرع الى هجر تسمية القضاة النواب و تعويضها بتسمية الملحقين القضائيين ، اذ نص الفصل السادس على أنه يعين المرشحون الناجحون في المباراة المنصوص عليها في الفصل السابق ملحقين قضائيين بقرار لوزير العدل ، غير أنه استثنى في الفصل 77 منه القضاة النواب المزاولين لمهامهم في تاريخ دخول القانون حيز التنفيذ على أساس احتفاظهم بصفتهم والاستفادة من المقتضيات التي تنظم وضعيتهم الى أن يتم ترسيمهم عند الاقتضاء .
و اذا كان النظام الأساسي للقضاة انتصر الى تغيير تسمية القضاة النواب بالملحقين القضائيين فانه يمكن الوقوف بشكل واضح على نفس الأمر بالنسبة لقضاة المجلس الأعلى للحسابات ، اذ كان الفصل الرابع من ظهير 25 دجنبر 1980 المعتبر بمثابة النظام الأساسي لقضاة المجلس الأعلى للحسابات ينص على أنه يعين القضاة النواب من الدرجة الثالثة على إثر مباراة تفتح في وجه المرشحين الحاصلين على الإجازة في الحقوق أو على إحدى الشهادات التي يتأتى بها ولوج سلم الأجور رقم 10 المحددة في النصوص التنظيمية المعمول بها، بيد انه بعد صدور مدونة المحاكم المالية غير المشرع تسمية القضاة النواب بالملحقين القضائيين ، اذ نص في المادة 174 من المدونة على انه يعين المترشحون المقبولون طبقا لمقتضيات المادة 172 أعلاه بموجب أمر للرئيس الأول بصفتهم ملحقين قضائيين و يقضون بهذه الصفة تدريبا تحدد كيفية تنظيمه بواسطة أمر للرئيس الأول تؤشر عليه السلطة الحكومية المكلفة بالوظيفة العمومية .
وسواء تعلق الأمر بالقضاة النواب أو الملحقين القضائيين فقد حدد المشرع حدود اختصاصهم في مساعدة القضاة في اجراءات التحقيق و أن يحضروا الجلسات زيادة عن النصاب القانوني و أن يشاركو فيها و في مداولاتها دون أن يكون لهم حق التصويت .
ان الأمر لم يكن ليثير نقاشا حول اختيار المشرع مجددا الرجوع الى تسمية القاضي النائب خلال مرحلة التدريب بالمعهد العالي للقضاء ، لكن الاشكال اثير لأن مشروع القانون التنظيمي وفق صيغة 18 سبتمبر 2013 أبقى على وضعية الملحقين القضائيين خلال مرحلة التدريب بمعهد تكوين القضاة ،و أضاف اليها وضعية القاضي النائب خلال ممارسته لمهامه لمدة سنتين من تخرجه ، فالقضاة النواب بحسب مشروع القانون التنظيمي هم قضاة مؤقتون للأحكام أو للنيابة العامة الى حين تنصيبهم ، اذ تنص المادة 31 من المشروع على أنه يعين الملحقون القضائيون الناجحون في امتحان نهاية التأهيل قضاة نوابا بمحاكم أول درجة و يرتبون في الرتبة الخامسة من الدرجة الثالثة، اما قضاة للأحكام أو النيابة العامة .
معلوم ان تأمين المنصب القضائي يعتبر أحد أهم ضمانات استقلال أعضاء السلطة القضائية من محاولات التأثير و التدخل غير المشروع من كل قوى الضغط بكل تجلياتها السياسية و الاقتصادية و الاجتماعية و حتى الادارة القضائية ، و لهذا السبب فقد اشترطت مبادئ لاتمير التوجيهية ضرورة توفر الشروط العامة لثبات الوظيفة لضمان و حماية استقلال القضاء.
و يتضح ان التعيين في السلك القضائي بالنسبة لهؤلاء يبقى متوقفا على خضوعهم لإجراءات التقييم بعد انتهاء الفترة المحددة في سنتين من طرف رؤسائهم الأعلون ، و هكذا نص المشروع على أن القضاة النواب يرسمون بمقرر للمجلس الأعلى للسلطة القضائية على ضوء تقارير تقييم الأداء التي ينجزها رؤساؤهم الأعلون ، و أنه يمكن تعيين القضاة النواب غير المرسمين مباشرة منتدبين قضائيين من الدرجة الثانية ، و هو ما يعد في نظري انتهاكا لمبدأ تبات المنصب القضائي ، و الذي ربطته لجنة البلدان الأمريكية لحقوق الانسان بحقوق المواطنين و اعتبرت أن وجود نسبة عالية من القضاة المؤقتين يشكل خطرا على حقوق المواطنين و حسن سير العدالة و حقوق القضاة في استقرارهم في وظائفهم و على استقلال و حرية القضاء، كم أن خضوع القضاة لإجراءات التقييم في فترات معينة من أجل تحديد ما اذا كان بإمكانهم الاستمرار في المنصب القضائي تعد طريقة أخرى للتأثير على مدة ولايتهم .

ذ.ياسين مخـلي 
رئيس نادي قضاة المغرب

ليست هناك تعليقات: