الاثنين، 3 أبريل 2017

العمالة والعملاء وآليات المواجهة - د. رياض عبد الكريم عواد

العمالة والعملاء وآليات المواجهة
 د. رياض عبد الكريم عواد

واحدة من الامراض الكثيرة التي ينتجها ويخلفها الاحتلال هم العملاء، الذين يعمل المحتل على تجنيدهم مستغلا الظروف الاقتصادية والاجتماعية التي ينتجها هذا الاحتلال، ولا تقتصر هذه الظاهرة على مجتمع دون اخر.
يخبرنا التاريخ كيف تعامل نابليون مع ذلك العميل بجفاء، وألقى اليه كيساً من المال، دون أن يترجل عن ظهر حصانه، ورفض ان يحقق له امنيته بمصافحة يد الامبراطور، قائلا له: "من يخون وطنه، وينافق أعداءه على حساب شعبه، له المال فقط، أما يد الإمبراطور فإنها لا تصافح إلا الشرفاء المخلصين".

كما كان هذا مصير مئات الالاف من العملاء الفيتنامين حيث كان "منظر العملاء الفيتناميين وهم يتعلقون بآخر طائرة هليكوبتر أمريكية تغادر فيتنام من أمام مقر السفارة الامريكية في العاصمة سايجون، هو منظر لا يمكنه ان ينساه التاريخ".

وفي الجزائر، جند الفرنسيون 250 الف عميل ومتعاون، سموهم ( الحركيون)، خدموا المحتلين الفرنسيين لعشرات السنين، حملوا السلاح ضد جيش التحرير، و خانوا وطنهم وانضموا الى الفرنسي المحتل الغاصب، أرتكب هؤلاء في حق الجزائر والشعب الجزائري كل جرائم القتل والتعذيب وحرق البيوت والمزارع وتجسسوا على ابناء الجزائر. استقبلت فرنسا منهم 43 الفا بعد اندحارها من الجزائر، وتركت الباقي هناك، واصبحوا يسمون (بالاقدام السوداء)، وهؤلاء هم الذين وقفوا ضد جهود تعريب المؤسسات في الجزائر وأذوا الاقتصاد الجزائري.

وليس ببعيد عن ذاكرتنا جيش لحد في جنوب لبنان، والمصير الذي آل اليه هؤلاء العملاء بعد دحر اسرائيل من الجنوب اللبناني، وتركها للعملاء من خلفها تحت رحمة المقاومة اللبنانية. أما من استطاع منهم ان "يتشعبط" في لوريات ومجنزرات اسرائيل من العملاء، فقد كان مصيره ان يُلقى في الشوارع دون اي احترام او تقدير.

على الصعيد الفلسطيني، يسجل للمجتمع الفلسطيني، ان العملاء بينه كانوا افرادا متفرقين ومنعزلين، حيث لم يُسجل التاريخ اسقاط فئة اجتماعية او عائلة او عشيرة من المجتمع الفلسطيني، كما ان العملاء لم يستطيعوا ان يعملوا مع قوات الاحتلال بطريقة مباشرة، بل اضطروا للعمل في الخفاء، كما انهم لم يستطيعوا ان يشكلوا جيشا، أو قوات مثل قوات لحد في لبنان او الحركيون في الجزائر.

لا يوجد قانون على الكرة الارضية لايحاسب العميل او الجاسوس على خيانته وجريمته وما يقترفه في حق شعبه ووطنه، لذلك فان الشعب الفلسطيني يجمع دائما على ادانة العملاء، وينظر اليهم نظرة احتقار، ويطالب بعزلهم ومعاقبتهم، كما انه يطالب بالاضافة الى ذلك، علاج هذه الظاهر والاسباب الحقيقة التي ادت اليها. 

نستطيع ان نرصد ثلاث مراحل من تعامل الفلسطينيون وفصائلهم الوطنية مع ظاهرة العملاء.

ففي الانتفاضة الاولي كانت البلطة وجر العملاء وتسييح ببرابيش البلاستيك على اجسادهم، ورمي جثثهم على الزبالات، وسحلهم في الشوارع، هي الوسائل التي يتعامل بها معظم ابناء الفصائل الفلسطينية مع العملاء. وهنا يتم طرح عدة اسئلة، الاول، ماذا كانت نتيجة هذا التعامل، هل استطعنا ان ننهي هذه الظاهرة، او نحد من انتشارها باستخدامنا لهذه الوسائل، والسؤال الثاني، ما هي الاسس التي كان على اساسها يتم ايقاع هذه العقوبات على مرتكبيها، والسؤال الثالث، هل كل من تعرض لهذه العقوبة كان يستحقها، ام ان هناك عددا من المظلومين لم يكونوا يستحقون مثل هذه العقوبات، وكان من الممكن احتوائهم واصلاحهم؟ اسئلة مشروعة، بحاحة الى تعمق وتبصر بموضوعية وواقعية بعيدا عن ردات الفعل الانية.

في مرحلة لاحقة، وبعد قيام السلطة الوطنية الفلسطينية، حاولت السلطة والفصائل الفلسطينية الحد من هذه الظاهرة وعلاج اسبابها الحقيقية، وتجفيف منابعها الاساسية، ومحاولة اصلاح واحتواء العملاء غير الخطيرين، والتأكد من سلامة اسرهم وابنائهم وعزلهم عن اي تأثيرات سلبية ممكن ان تلحق بهم جراء ما وقع فيه ابنائهم او ابائهم، لذلك اسست السلطة من اجل ذلك جمعية اهلية لرعاية هؤلاء الاسر والابناء. وكان من نتائج هذا التعامل ان اعترف احد قيادات جهاز المخابرات الصهيوني الشاباك "بأن هناك صعوبة في العمل داخل القطاع، من تجنيد واسقاط واتصال بالعملاء وتكليفهم بالمهام. كما ألمحوا أن جهازهم لا يمكن له إدارة اعداد كبيرة من العملاء، خاصة في ظل وجود عمل أمني مقاوم كحالة قطاع غزة".

ومنذ استلام حماس للسلطة في قطاع غزة، تعاملت مع العملاء بطرق مختلفة منها التثقيف ومحاولة الاحتواء، ولكن كان ابرزها اعدام عددا منهم في سجون السلطة، او اثناء الحروب التي شنتها اسرائيل على القطاع، مما دفع بالسيد ايهاب الغصين للقول "ان الاجهزة الامنية المختصة استطاعت ان تسيطر بشكل كبير على ظاهرة العمالة للعدو ، ولذا انتقل الكيان الصهيوني الى الاعتماد اكثر فاكثر على التجسس الالكتروني عن طريق الانترنت واجهزة الاتصال الاخرى". 

وبعد اغتيال الشهيد مازن الفقها، رجعت قضية العملاء، وكيفية التعامل معهم لتتصدر اهتمامات الفلسطينيين، من مواطنيين وفصائل ومؤسسات حقوقية، حيث لا يختلف الجميع على ادانة هذه الظاهرة وضرورة التصدى لها، والحد منها بل والقضاء عليها، ولكنهم يختلفون على ما هي أنسب الوسائل للوصول لهذا الهدف، دون ان يسبب ذلك اضرارا بالغة للقضية الفلسطينية والمجتمع الفلسطيني. 

ورغم ان الكثير من الفلسطينيين يؤيدون ايقاع عقوبة الاعدام، وفي الساحات العامة، بحق العملاء، الا اننا بحاحة للتأكيد على القضايا الاساسية التالية:
١. يجب التروي في ايقاع عقوبة الاعدام بحق العملاء، واستيفاء كل الاجراءات القانونية والقضائية والدستورية اللازمة، والتأكد من استحقاق هذا العميل لهذه العقوبة، وان مختلف طرق الاصلاح والاحتواء الاخرى لا تصلح مع مثل هؤلاء العملاء الذين يصنفون بالخطرين.

٢. يجب الفصل بين العملاء واسرهم وابنائهم، والتأكد من الحد من الانعكاسات السلبية لمعاقبة العملاء او التشهير بهم على الاسر والابناء.

٣. ان نشر الاعدامات على الفضائيات يسيء بطريقة مباشرة للقضية الوطنية والشعب الفلسطيني، ويعطي اسرائيل الفرصة لدمغ النضال الفلسطيني بالارهاب والتطرف، ومقارنته بما تقترفه داعش وغيرها من التنظيمات الارهابية.

٤. يجب ان نسعى لعلاج الاسباب الحقيقية لسقوط العملاء، وهذا يتطلب علاج اسباب الفقر والبطالة ومحاربة تجار المخدرات والاراضي ومروجي الدعارة، وعلاج المدمنين وعدم ترك هؤلاء الضعفاء فريسة للاسقاط على ايدي الشاباك.

في الختام يجب الانتقال من ظاهرة مواجهة نتائج وتبعات العمالة والعملاء الى البحث عن الحلول وآليات معالجة الأسباب الحقيقية لهذه الظاهرة التاريخية.

ليست هناك تعليقات: