الثلاثاء، 4 أبريل 2017

قراءة سريعة في برنامج حماس السياسي الجديد - د. رياض عبدالكريم عواد

قراءة سريعة في برنامج حماس السياسي الجديد
 د. رياض عبدالكريم عواد

تاريخيا، اضطر الفلسطينيون التراجع عن اهدافهم الكبيرة واستراتيجياتهم بعيدة المدى، ليس بدوافع ورغبات ذاتية من اجل موائمة اهدافهم وفقا لامكانياتهم وشروطهم، وانما استجابة للضغوط الدولية والاقليمية.
 وهذه الحالة من التراجع والضعف الذي يجد الفلسطينيون انفسهم واقعين فيها، تضطرهم الى الاعتراف بعدم واقعية اهدافهم، وعدم قابليتها للتحقيق، على الاقل، ضمن الظرف الذي يعيشونه في تلك اللحظة السياسية.

هكذا فعلت حماس، فمن فلسطين ارض وقف لايمكن التنازل عن اي شبر منها، الى القبول بدولة على حدود ال ١٩٦٧ ، هذا القبول الذي استوعبته م ت ف وفصائلها الوطنية واكدته في برنامجها المرحلي في ١٩٧٤. لقد احتاجت حركة حماس كل هذه السنوات الطويلة لكي تتأقلم مع الواقع العربي والدولي، وتقبل بدولة على حدود الرابع من حزيران، رغم كل ما تدعيه في وثيقتها/برنامحها السياسي من اهداف استراتيجية ودولة فلسطينية على كامل التراب
ان هزيمة حركة الاخوان المسلمين العالمية في معركة ربيعها العربي، وهزيمتها في سوريا بصفة خاصة، وانكشاف اهداف الحركة العالمية، وتفسخها تنظيميا، وتراجع وانحسار شعبيتها، هو الدافع الاساسي الذي اجبر حماس على التراجع، ولو مؤقتا ولفظيا، عن الافصاح عن علاقة الحركة الحقيقية مع حركة الاخوان الام، وتعريفها لنفسها كحركة وطنية فلسطينية. ان هذا التعريف بحد ذاته هو عمل ايجابي، ولكنه بحاجة الى ترجمة فعلية على الارض من خلال، اولا، الاعتراف ب م ت ف ممثل شرعي ووحيد للشعب الفلسطيني، والانخراط في مؤسساتها، والنضال من خلالها من اجل تطويرها، وادخال اي تعديلات على برامجها، وفقا لالية العمل داخل المنظمة.
كما يحتاج هذا التحول، ثانيا، من حركة كانت تعتبر نفسها ذراعا لحركة الاخوان المسلمين وفرعا من فروعها، الى حركة وطنية فلسطينية لها علاقة مع دول الاقليم ولا تتدخل في شؤون هذه الدول، يحتاج هذا التحول الى اقراره ليكون بندا رئيسيا في ميثاق حركة حماس، وليس فقط بندا من بنود البرنامج السياسي، الذي تبنته الحركة تحت ضغط اللحظة واستجابة لها.
ان تغليف اهدافنا التي نقبلها، وفقا لظروفنا وامكانياتنا، بشعارات كبيرة هي عادة فلسطينية قديمة ومستعصية، فكيف نقبل بالدولة الفلسطينية ضمن حدود الـ67 دون ان نخوض في وحل الاتفاقات والمبادرات والمشاريع، وهل حقا اننا نقوم بذلك فقط من اجل ارضاء "شركاؤنا الوطنيين" ونعتبر ان هذه الدولة على حدود العام ١٩٦٧ "هي صيغة توافقية وطنية مشتركة" .
إن كل تلك العبارات لا تسمن ولا تغني من جوع، وهي تهدف فقط للتعمية وتبرير محاولة ولوج حركة حماس طريق المفاوضات السياسية، بناء على نصيحة او ضغط الاصدقاء، ومن اجل ايهام القواعد التنظيمية بأن الحركة مازلت على العهد، فالعهد هو العهد والقسم هو القسم.
ان أي فصيل فلسطيني يريد ان يلج الطريق السياسية ويكون فاعلا فيه، لابد ان يكون جزءا فاعلا من م ت ف المسؤولة الوحيدة عن المفاوضات، وهي فقط المطلوب منها الاعتراف المتبادل. ان الاعتراف باسرائيل ليس مطلوبا من اي فصيل فلسطيني، ومن يرفض اعتراف م ت ف باسرائيل، عليه ان يناضل داخل مؤسسات هذه المنظمة وفقا للوائحها، من اجل ان يجبرها على التراجع عن هذا الاعتراف.
ان مقاومة الاحتلال الاسرائيلي هو حق مشروع للفلسطينيين، كفلته كل الشرائع والقوانين الدولية، ومن حق اي فصيل فلسطيني ان يعتبر "المقاومة المسلحة خيارا استراتيجيا له". فهذا الشعار تتبناه كل الفصائل الفلسطينية تقريبا، ولكن ليس من حق احد ان يفرض ذلك على مجموع الفلسطينيين، الذين يؤمنون بالعمل السياسي والمفاوضات التي تشترط وتتناقض، شئنا ام أبينا، مع استراتيجية الكفاح المسلح. ان من حق الفلسطينيين اختيار وسائل مقاومتهم وفقا لظروفهم وامكانياتهم، بعيدا عن الشعارات الرنانة، وبعيدا عن استخدام المقاومة المسلحة من اجل اهداف سياسية داخلية.
ان واحدة من الايجابيات في هذه الوثيقة/البرنامج السياسي، هو تعريف حماس للصراع على انه "صراع مع المشروع الصهيوني، ليس صراعاً مع اليهود، بسبب ديانتهم، وحماس لا تخوض صراعاً ضد اليهود لكونهم يهوداً". ان هذا التحديد الايجابي يتطلب من حركة حماس ان تعكسه بحق وموضوعية في خطابها الدعوي والاعلامي، وتنزع من عقول ابنائها، الذين تربوا لزمن طويل، على ان هذا الصراع هو صراع ديني مع اليهود، وهو صراع من اجل رفع راية الدين، وليس من اجل اهداف سياسية ضيقة، حتى ولو كانت تحرير فلسطين.

ان المراجع لهذا البرنامج السياسي، يجد فيه كثيرا من الجمل والعبارات الجميلة والمكتوبة بعناية، وهذا بحد ذاته ايجابي، ولكن المقياس الحقيقي لصدق ما نخطه وما نقوله، هو ما نمارسه ونفعله على الارض لا ما تتلفظ به ألسنتنا.

ليست هناك تعليقات: