وثيقة حماس ....أسئلة تنتظر الاجابة؟!
د. رياض عبدالكريم عوا |
الوثيقة
والميثاق
أصدرت حركة
المقاومة الإسلامية (حماس) وثيقة سياسية تعرض فيها مبادئها ومنطلقاتها الفكرية
والأيديولوجية بعد حوالي ثلاثين سنة من اصدارها لميثاقها في عام ١٩٨٨. هذا الميثاق
الذي تطغى عل معظم بنوده الصبغة الدينية، من معاداة اليهود، وتعريف الصراع مع
اسرائيل على انه صراع ديني، والنظر لارض فلسطين كأرض وقف لا يمكن التتنازل عنها،
وتقديس الكفاح المسلح كاسلوب وحيد للنضال، ومحاولة شطب منظمة التحرير الفلسطيني (م
ت ف) بوضع شرط غريب لدخولها، وهو تبني المنظمة للاسلام كنهج للحياة، وتحديد هوية
حماس بأنها أحد أجنحة جماعة الإخوان المسلمين. هنا لا بد من طرح السؤال التالي،
ماهي دوافع حماس الحقيقية لاصدار هذه الوثيقة؟ وهل اصدرت حماس هذه الوثيقة نتيجة
لتطور طبيعي في فكرها ومواقفها السياسية، ام نتيجة لضغوط اقليمية ودولية، وعلى اثر
هزيمة حركة الاخوان المسلمين العالمية.
الوثيقة
ودوافع صدورها
تاريخيا، اضطر
الفلسطينيون الى التراجع عن اهدافهم الكبيرة واستراتيجياتهم بعيدة المدى، ليس
بدوافع ورغبات ذاتية، وليس نتيجة تطور في تفكيرهم ومراجعة لاهدافهم وممارساتهم
ونتائج نضالهم، كما انه لم يكن ذلك من اجل مواءمة اهدافهم وفقا لامكانياتهم
وشروطهم، وانما، في الغالب، نتيجة لضعفهم، وانسداد افق النضال امامهم، واستجابة
للضغوط الدولية والاقليمية. إن هذه الحالة من التراجع والضعف، الذي يجد
الفلسطينيون انفسهم واقعين فيها، تضطرهم الى تغيير اهدافهم دون الاعتراف بعدم
واقعية هذه الاهداف وعدم قابليتها للتحقيق، وهذا ما يتطلبه الصدق وجرأة النقد
والمقدرة على التفكير والمراجعة.
من الواضح أن
دوافع اعلان حماس عن وثيقتها بهذه الطريقة الاستعراضية، وفي هذا الزمان والمكان،
لم تأت نتيجة تطور تجرتها ونضج خبرتها ووعيها فقط، كما انها لم تأت لتعمق إيمانها
بأهمية العمل بالشراكة مع قوى وفصائل الشعب الأخرى، بل جاءت في سياق المناقصة
والسعي لمنافسة م ت ف، واغتصاب دورها وتمثيلها للشعب الفلسطيني، واستجابة للنصائح
القطرية والتركية وتماشيا مع نصائح طوني بلير، ولاقناع العالم وخاصة امريكيا
والغرب الاوروبي بأهلية حركة حماس لان تكون البديل ل م ت ف وبرنامجها الوطني،
المعبر عن المصالح التاريخية للشعب الفلسطيني، والذي يؤيده العالم العربي
والاسلامي ويحظي بتأييد ١٧٣ دولة من دول العالم.
لقد ترافق
الاعلان عن هذه الوثيقة مع تصاعد الحملة المعادية ضد الرئيس ابو مازن وضد فتح و م
ت ف وحكومة الوفاق الوطني، وضد محاولة السلطة الوطنية بسط شرعيتها على قطاع غزة،
كل هذا يعني أننا سنشهد مزيدا من اعتدال حماس تجاه اسرائيل، وتعويض ذلك بتصعيد
الموقف المتطرف المعادي ل م ت ف.
الوثيقة
والدولة على حدود ١٩٦٧
لقد وضعت م ت ف
برنامجها المرحلي عام ١٩٧٤، وقبلت بقيام دولة فلسطينية على حدود ١٩٦٧، كاداة
نضالية بعد حرب اكتوبر العظيمة، واعادت التأكيد على ذلك في برنامجها السساسي عام
١٩٨٨، في ظل تصاعد الانتفاضة الفلسطينية الاولى، وفي ظل دعم عربي ودولي للحقوق
الوطنية الفلسطينية واستطاعت ان تحقق ذلك على الارض الى حد ما وتقيم اول سلطة
وطنية في غزة والضفة وصولا لاعلان قيام دولة فلسطين والاعتراف بها دوليا من خلال
اتفاقية اسلو، بغض النظر ما عليها من ملاحظات.
لقد احتاجت حركة
حماس كل هذه السنوات الطويلة لكي تتأقلم مع الواقع العربي والدولي، وتقبل بدولة
على حدود الرابع من حزيران. هذا التحول في موقف وفكر حماس حصل في ظل الانقسام
والتراجع الفلسطيني، وتردي الوضع العربي بل وانهياره، وتعزيز الدعم الامريكي
المطلق لاسرائيل ومخططاتها. لقد تغيرت نظرة حماس الى فلسطين من ارض وقف لايمكن
التنازل عن اي شبر منها، كما كان ينص ميثاقها، الى القبول بدولة على حدود ال ١٩٦٧،
رغم كل ما تدعيه في وثيقتها/برنامحها السياسي من اهداف استراتيجية ودولة فلسطينية
على كامل التراب. هذه الادعاءات موجه في الاساس لاعضائها الذين تربوا على هذا
الهدف "النبيل" خوفا من انشقاقات وردات فعل داخلية نتيجة لهذه السياسة
الجديدة.
الوثيقة
وعلاقة حماس بحركة الاخوان الأم
ان هزيمة حركة
الاخوان المسلمين العالمية في معركة ربيعها العربي، وهزيمتها في مصر وسوريا بصفة
خاصة، وانكشاف اهداف الحركة العالمية، وتفسخها تنظيميا، وتراجع وانحسار شعبيتها،
وانكشاف الدور التركي القطري الساعي الى تفتيت الدولة الوطنية العربية، هو الدافع
الاساسي الذي اجبر حماس على التراجع، ولو مؤقتا ولفظيا، عن الافصاح عن علاقة
الحركة الحقيقية مع حركة الاخوان الام، وتعريفها لنفسها كحركة وطنية فلسطينية. ان
هذا التعريف بحد ذاته هو عمل ايجابي، رغم انها لم تعلن عن تخليها عن الفكر
الاخواني. ان الترجمة الفعلية على ارض الواقع لتعريف حماس نفسها كحركة وطنية يحتاج
الى:
اولا، الاعتراف
ب م ت ف كممثل شرعي ووحيد للشعب الفلسطيني، والانخراط في مؤسساتها، والنضال من اجل
تطويرها، وادخال اي تعديلات على برامجها، وفقا لالية العمل داخل المنظمة. فهل
ستمارس حماس هذا الفهم عمليا على الارض، ام انها ستواصل محاولات شطب المنظمة
والهيمنة عليها، دون النظر لها كجبهة وطنية عريضة تمثل اراء مختلف الفلسطينين،
وتقود نضالهم من اجل تحقيق اهدافهم في الحرية والاستقلال.
ثانيا، يحتاج
هذا التحول، من حركة كانت تعتبر نفسها ذراعا لحركة الاخوان المسلمين وفرعا من
فروعها، الى حركة وطنية فلسطينية، لها علاقة مع دول الاقليم ولا تتدخل في شؤون هذه
الدول، يحتاج هذا التحول الى اقراره ليكون بندا رئيسيا في ميثاق حركة حماس، وليس
فقط بندا من بنود الوثيقة/البرنامج السياسي، الذي تبنته الحركة تحت ضغط اللحظة واستجابة
لها. على حركة حماس اما ان تلغي الميثاق او ان تحل جميع التناقضات والتعارضات
الواردة بين الوثيقة والميثاق لمصلحة الوثيقة.
الوثيقة
والشعارات الكبيرة
ان تغليف
اهدافنا التي نقبلها، وفقا لظروفنا وامكانياتنا، بشعارات كبيرة هي عادة فلسطينية
قديمة ومستعصية، فكيف تقبل حماس او غيرها من الفصائل الفلسطينية
بالدولة
الفلسطينية ضمن حدود الـ67 دون ان تخوض في وحل الاتفاقات والمبادرات والمشاريع
السياسية، وهل حقا ان حماس تقوم بذلك فقط من اجل ارضاء "شركاءنا
الوطنيين" وتعتبر ان هذه الدولة على حدود العام ١٩٦٧ "هي صيغة توافقية
وطنية مشتركة" كما تقول في وثيقتها الجديدة.
إن كل تلك
العبارات "الكبيرة" التي تتكرر في وثيقة حماس الجديدة، لا تسمن ولا تغني
من جوع، وهي تهدف فقط للتعمية على اعضائها، وتحاول ان تبرر دوافع واسباب ولوج
الحركة طريق المفاوضات السياسية، بناء على نصيحة او ضغط الاصدقاء، وخاصة الاتراك
والقطريين، ومن اجل ايهام القواعد التنظيمية بأن الحركة مازلت على العهد، فالعهد
هو العهد والقسم هو القسم؟!. اعتقد ان حركة حماس ستضطر قريبا، تحت ضغط الغرب
والاصدقاء!، أن تصدر مذكرة توضيحية وعدد من "الاستدراكات" لهذه الوثيقة
الجديدة، حتى تستطيع ان تحل كثيرا من التناقضات الواردة في وثيقتها الجديدة، لتكون
مقبولة من العالم والاقليم الذي من اجله وضعت وثيقتها.
الوثيقة
والاعتراف باسرائيل
ان أي فصيل
فلسطيني يريد ان يلج الطريق السياسية ويكون فاعلا فيه، لابد ان يكون جزءا فاعلا من
م ت ف، المسؤولة الوحيدة عن المفاوضات، وهي فقط المطلوب منها الاعتراف المتبادل.
ان الاعتراف باسرائيل ليس مطلوبا من اي فصيل فلسطيني، ومن يرفض اعتراف م ت ف
باسرائيل، عليه ان يناضل داخل مؤسسات هذه المنظمة وفقا للوائحها، من اجل ان يجبرها
على التراجع عن هذا الاعتراف.
الوثيقة ومقاومة
الاحتلال
ان مقاومة
الاحتلال الاسرائيلي هو حق مشروع للفلسطينيين، كفلته كافة الشرائع والقوانين
الدولية، ومن حق اي فصيل فلسطيني ان يعتبر "المقاومة المسلحة خيارا
استراتيجيا له". فهذا الشعار تتبناه كل الفصائل الفلسطينية تقريبا. ليس من حق فصيل، مهما كان، ان يفرض ذلك على
مجموع الفلسطينيين وعلى م ت ف، التي تقوم استراتيجيتها وبرنامجها الوطني، على الكفاح السياسي متعدد الأشكال
والأساليب، وفي مقدمتها المقاومة الشعبية الشاملة ضد الاحتلال، بالاضافة الى
النضال السياسي والدبلوماسي. ان من حق الفلسطينيين اختيار وسائل مقاومتهم وفقا
لظروفهم وامكانياتهم، بعيدا عن الشعارات الرنانة، وبعيدا عن استخدام العنف
والعمليات المسلحة من اجل اهداف سياسية داخلية.
الوثيقة وتعريف جديد للصراع
ان واحدة من
الايجابيات في هذه الوثيقة/البرنامج السياسي، هو تعريف حماس للصراع على انه
"صراع مع المشروع الصهيوني، وليس صراعاً مع اليهود، بسبب ديانتهم، وحماس لا
تخوض صراعاً ضد اليهود لكونهم يهوداً". ان هذا التحديد الايجابي يتطلب من
حركة حماس ان تعكسه بحق وموضوعية في خطابها الدعوي والاعلامي، وتنزع ذلك من عقول
ابنائها، الذين تربوا لزمن طويل، على ان هذا الصراع هو صراع ديني مع اليهود، وهو
صراع من اجل رفع راية الدين، وليس من اجل اهداف سياسية او وطنية ضيقة، حتى ولو
كانت تحرير فلسطين!!!
ان المراجع لهذا
البرنامج السياسي، يجد فيه كثيرا من الجمل والعبارات الجميلة والمكتوبة بعناية،
وهذا بحد ذاته ايجابي، ولكن المقياس الحقيقي لصدق ما نخطه وما نقوله، هو ما نمارسه
ونفعله على الارض لا ما تتلفظ به ألسنتنا.، كذلك بمقدار صدقنا في التعامل بواقعية
مع مشاكلنا الكثيرة وتصميمنا على مواجهة التحديات التي تجابه شعبنا وقضيتنا حفاظا
على مصالحنا المشروعة.
الوثيقة
والتحديات على الارض
ان التحدي
الحقيقي الذي يواجه قيادة حماس الجديدة، ويختبر مصداقيتها في تطبيق وثيقتها، هو
الانخراط عمليا في حل ازمة النظام السياسي الفلسطيني. ان الشعب الفلسطيني ينتظر من
حماس، بعد هذه الوثيقة، العمل مع الكل الفلسطيني والاستجابة الفورية لمبادرة
الرئيس محمود عباس الانقاذية، والتي ترتكز في جوهرها على قيام حكومة وحدة وطنية،
واجراء انتخابات رئاسية وتشريعية في اقرب وقت ممكن، من اجل انقاذ الوضع الفلسطيني،
وانهاء الانقسام الذي سببته حماس منذ عشر سنين، والذي تسبب في حصار قطاع غزة وفاقم
الوضع المعيشي فيه، واضعف السلطة الوطنية الفلسطينية، وشكك في تمثيلها للكل
الفلسطيني.
كما ينتظر
العالم والاقليم من حركة حماس أن تترجم الأقوال بالأفعال والنظرية مع التطبيق،
وذلك بممارسة سياسة وطنية بعيدة عن التدخل في شؤون الاخرين، والعمل مع الدول
العربية من خلال السلطة الوطنية الفلسطينية و م ت ف لفرض مبادرة السلام العربية
على اسرائيل.
ان هذا يتطلب من
حركة حماس أن تبدأ سياسة جديدة تؤهلها للتنافس على قيادة المشروع الوطني، على
قاعدة الشراكة والديمقراطية والتداول السلمي للسلطة، وليس على قاعدة الهيمنة
والاقصاء وعدم الاعتراف بالاخر، بل وتخوينه وتخوين رموزه، ونعتهم بابشع الصفات.
ان ما فعله
اعضاء ومناصروا حركة حماس، في اليوم التالي لاصدار هذه الوثيقة، وتمزيقهم وحرقهم ورجمهم لصور الرئيس
ابو مازن، ورفع الشعارات، التي وكأنهم يوجهونها الى سيد البيت الابيض الرئيس
ترامب، ويقولون له "إننا جاهزون لان نكون بديلا للسلطة الوطنية الفلسطينية
والرئيس محمود عباس". ان هذه الممارسات المرفوضة، وطنيا وشعبيا، تظهر بوضوح
دوافع حماس الحقيقية في الاعلان عن وثيقتها، بينما كان الرئيس ابو مازن يزور البيت
الابيض، محاولا ان ينتزع شيئا يسيرا لصالح وطنه وشعبه؟!
كل ماسبق لا
يقلل من اهمية اصدار حماس هذه الوثيقة، بل يؤكد على اهمية التقاط م ت ف والرئيس
ابو مازن، أصحاب المشروع الوطني وقادته، هذا التطور في فكر وممارسة حماس، واعتباره
تطورا ايجابيا، بغض النظر عن دوافعها وكل ملاحظاتنا الصحيحة عليها، كما ولاننا أم
الولد واصحاب المشروع الوطني الحقيقي والواقعي. على الكل الوطني ان يساعد حماس
للنزول عن الشجرة، والاقتراب اكثر من البرنامج الوطني ل م ت ف وصولا لدخولها
مؤسسات المنظمة، من اجل اعادة الحياة والفاعلية لهذه المنظمة، وتقوية الجبهة
الوطنية التي تمثلها، وتفعيل السلطة الوطنية، ومجابهة التحديات الكثيرة التي
تفرضها اسرائيل واستيطانها واحتلالها ويمينها المتطرف على الفلسطينيين.
كما يؤكد ذلك،
ان على حماس ان تركز في تثقيف اعضائها وكوادرها وجماهيرها على اهمية الثقافة
الوطنية والمبادئ الديمقراطية، واحترام سيادة دولة القانون، والكف عن الخطاب
الاقصائي والتخويني المنفر . فهل تفعل كل هذا حماس. ان غدا لناظره ليس قريب، على
ما اعتقد؟!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق