التأثير السياسي و الثقافي للإسلام بين الحداثة والتقليد
ذ . محمد الدهري |
بنظرة فاحصة نجد ان أغلبية المسلمين والمتأثرين بالثقافة الإسلامية المنتمين لأديان سماوية أخري يتعايشون في صلح كبير مع الدين و لمعاصرة معا و دون اي شعور بالتناقض او الانفصام .
نجدهم يتنافسون علي شراء الأجهزة الإليكترونية الأحدث وفي نفس الوقت هم شديدو التأثر لكل ما يسئ للقيم و الشعائر الدينية السماوية. هم من البساطة بحيث لا يطرحون علي انفسهم إشكاليات عقائدية وفلسفية معقدة شائكة ويرون في الانخراط في مثل ذلك إفراط وتشدد او تفريط وتسيب.
مثل أولئك لا يمثل الدين بالنسبة لهم موضوع هياج شعبي بقدر ما هو عنصر تماهي وانتماء اجتماعي ثقافي و قيمي .
بيد ان هذا لا يعني ان هذه الأغلبية لا تعيش في تناقض، الحقيقة أنها تتعايش معه و قادرة علي احتماله بما لا يثير لها مشكلة تُذكر في إطار من التوفيق الفطري و التوافق التركيبي لقيم و عناصر من أجيال و منظومات داخلية متجذرة و خارجية مؤثرة . و هكذا نجحت هذه الفئة الغالبة علي مستوي الحياة اليومية في الجمع بين منطقين و عالمين ونمطين من الفكر والحياة .
و لكن تدق اشكالية التوفيق بين الحداثة والتقليد علي مستوي النخبة السياسية المنشغلة بصياغة وعصرنة القيم الثقافية والاجتماعية والاقتصادية والاستراتيجية التي تشكل الجوهر إلاجتماعي السياسي . النخبة المسئولة عن إعطاء رؤية منسقة عن مسيرة المجتمع ومستقبله والتعبير عن مختلف المصالح المتصارعة باوزانها النسبية الحقيقية .من اجل بناء مفهوم السلطة السياسية بشكل يناسب كل مجتمع علي حدة مع مراعاة خصوصية الجغرافيا و التاريخ .
و ان إزالة التناقض الذي تثيره هذه الإشكالية بالشكل الذي يسمح بممارسة السياسة و تسيير الدولة يقتضي تكوين العقيدة الاجتماعية العاكسة لتوازن القوي والمصالح والمواقع بين النخب الاجتماعية المختلفة الممثلة لقواعدها الشعبية. وبلورة الرؤية السائدة المنشودة من القواعد الشعبية. الرؤية التي تجسدها المطالب والأهداف الطامحة لاقتناء نظام عام ينصاع له الجميع علي اختلاف الانتماءات العقائدية والفكرية. وهذه الصياغة المطورة ليست وليدة الابتكار انما تنبع من إعادة تقييم التراث الثقافي المحلي والعالمي وتعكس الرهانات والأهداف والأولويات والمخاوف و الآمال .
و من الطبيعي ان يكشف ذلك عن توجهات متباينة و يثير تناقضات عديدة ونزاعات متعددة داخل النخبة مما يقتضي تجديد النخبة بما يسمح بإعادة صياغة العقيدي الذي يحدد وجهة الحركة السياسية وأهدافها المتجددة بتغير الظروف وتقدم الزمان وتباعده عن منابع الحضارة الإسلامية وما يستلزمه من جهود لإحياء تراثها .
و في هذا الإطار علي النخبة السياسية ان تمتثل و تتمثل بسماحة قواعدها الشعبية ولا تستغرق في تعقيدات نظرية يهتم بها الأكاديميين او تجرفها مزاعم طائفية او عنصرية او طبقية مريضة تستقوي بها علي الشركاء في المصير . لاسيما وان المشترك العقيدي الصالح لبناء منظومة القيم الحداثية عريض بما يكفي لاستيعاب الجميع .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق