الثلاثاء، 21 نوفمبر 2017

من خصائص العقل العربي - د. رياض عبدالكريم عواد

 من خصائص العقل العربي
د. رياض عبدالكريم عواد
يتميز العقل العربي، بالاضافة الى ايمانه المطلق بالغيبيات وتقديس اليقين، ورفض الشك والجدل، كوسيلة هامة، للتعرف على حقائق الكون والانسان، يتميز هذا العقل بصفتين اساسيتين:
الاولى، انكار الاخر
ان هذا الانكار للاخر على الصعيد الانساني هو الذي يولد الكراهية والحقد ضد هذا الاخر، ويدفع به للبحث عن مسوغات ومبررات لهذه المواقف. أما الانكار على الصعيد القومي فهو الذي يولد الشوفينية الوطنية ويدفع لتقديس كل ما هو من انتاج بلادك وشعبك والنظر بعين الريبة والشك للشعوب الاخرى وما تنتجه من ثقافة، بل يصل الامر الى التشكيك في كل منتجاتها ووصفها "بالمزقري" كما يقول اخواننا الليبيين. ان هذه المواقف المتطرفة تتفاقم لتصل الى احتقار هذه الشعوب واتهامها بالدونية، رغم ما يربطك بها من علاقات اللغة والدين والمصير المشترك والمصالح المتعددة.

ان التعصب الحزبي هو مظهر من مظاهر انكار الاخر في بلادنا العربية، ينتج عنه تناحر مجتمعي، ورفض للتكامل بين ابناء الشعب الواحد، وهو سبب من اسباب النظر للدولة وامكانياتها كغنيمة لابناء الحزب الحاكم، الذين من حقهم ان يكون لهم نصيب الاسد من هذه الكيكة، وفي الوقت نفسه ينتظر ابناء المعارضة الفرصة للانقضاض على الحكم للاستيلاء على ما تبقى من تلك الكيكة، طبعا فان المسوغات والمبررات الوطنية والدينية جاهزة لتبرير تلك التصرفات واظهارها بالمظهر الوطني والشرعي.

ان الطائفية والمذهبية والعنصرية التي تنخر في مجتمعات كثيرة من دول المنطقة، التي تعيش فيها قوميات وطوائف ومذاهب مختلفة، وما وصل فيه حال هذه الدول من عنف وبطش واقصاء الكل للكل، وتبرير ذلك والدفاع عنه، بل واعتباره انتصارا يحق لاحد الطرفين ان يفتخر به ويجعله مناسبة للاحتفال. إن هذه الشعوب التي حباها الله بالتنوع القومي والمذهبي والطائفي، لم تستطع ان تستفيد من هذا التنوع الثقافي وتستثمره في بناء اجيال تؤمن بالتكامل والتعاضد بين ابناء الوطن الواحد، وتعمل على تعزيز قيم المواطنة والشراكة بدلا من قيم العداء والكراهية والاقصاء.

ان الجهل باهمية التنوع الثقافي داخل المجتمع وانعكاس ذلك على مخرجاته، من عادات وتقاليد ايجابية وقيم ومفاهيم انسانية، يدفع كثير من الجهلة الى ان "يشكروا الله" ان بلادهم لا يسكنها شيعة وهذا يعطي البلاد ميزة "النقاء" المذهبي، كما ان النصارى فيها أقلية لا تؤثر كثيرا على "نقاء" المجتمع الديني.

الثانية، معاداة الحكومة/الدولة
من الصعب على العقل العربي بسبب ثقافته ووضعه المعيشي المزري على مختلف الصعد، بالاضافة الى تفشي الفساد في الحكومة ومؤسسات الدولة، وسيطرة فئات صغيرة من ابناء الحزب الحاكم والمنتفعين على معظم مقدرات الدولة، وترك باقي الشعب يعيش في فقره ومرضه وبؤسه، من الصعب على هذا العقل التمييز بين الحكومة/السلطة والدولة ومؤسساتها.

ان تلك العوامل تدفع بالمواطن الى معاداة الدولة ومؤسساتها وعدم المقدرة على التفريق بينها وبين السلطة والحزب الحاكم، كما انه من الصعب على هذا المواطن ان ينظر لهذه الدولة ومؤسساتها كملكية عامة له فيها الحق وعليه واجب الدفاع عنها.

لقد دفعت السلطات بفسادها وقمعها المتواصل الانسان العربي الى الهروب من واقعه والارتداد الى الخلف مما ادى الى اظهار التناقض الكبير بين الفكر والواقع المعاش. لذلك، وكما يقول الدكتور نصر حسن في نظرته الى العقل العربي، يقبل الانسان العربي ما لايريد، ويتكلم عكس ما يقصد، ويستخدم الرمزية وعدم الوضوح الفكري، ولديه استعداد كبير لقبول الأمر الواقع، وعدم محاولة تغييره طوعيا ًوذاتيا، واعتباره قضاء ًوقدرا ً. ان العقل العربي ورغم فشله واخفاقه، لايعترف بذلك، ويرجع سببه لعوامل خارجية، وليس إلى سبب ذاتي، وإلى قصور معرفي عقلي.

ان هذه المواقف غير العقلانية تتعزز بالتعبئة الدائمة والانتقاد المتواصل الذي تقوم به احزاب المعارضة، اليمينية واليسارية، والمثقفين الليبرالين المتنعمين، الذي يصبون جام غضبهم المتواصل على السلطة والدولة ومؤسساتها، ولا يعتنون بالتفريق بينها وبين السلطة والحزب. ان هذه الاحزاب وهؤلاء المثقفين، هم من اكثر المنتفعين والمتنعمين بخيرات هذه الدولة ومؤسساتها ويحصلون على نصيبهم من كيكة السلطة، وبالرغم من ذلك فهم لا ينفكون عن اللعن المتواصل والتبرم والانتقاد، بسبب ودون سبب، مما يزيف وعي المواطن ويحرفه ويضعف مقدرته على التمييز بين الصح والخطأ، لذلك لا غرابة ان نرى حجم التدمير الذي تتعرض له الممتلكات العامة في ممارسات الجماهير المعارضة، او حتى في احتجاج ابناء الحمولة او القبيلة التي تنحاز لاحد ابنائها "المظلومين"، دون الوعي بانهم يدمرون مقدراتهم وممتلكاتهم عندما يعتدون على الدولة ومؤسساتها.
سنصير شعبا اذا نسينا ما تقوله لنا القبيلة، هذا امر ما زال بعيدا .  


ليست هناك تعليقات: