اتجاهات تصويت فلسطيني 48 في الانتخابات الاسرائيلية 21، مرة أخرى
د. رياض عبدالكريم عواد |
استغرب و مازال يستغرب الجميع من ارتفاع نسبة المصوتين من فلسطيني ال48 للاحزاب الصهيونية، حيث صوت 123 ألف منهم لهذه الاحزاب (حوالي 30% من المشاركين). ان الزيادة في نسبة المصوتين للاحزاب الصهيونية من فلسطيني 48 يجب الا يحجب عنا الحقائق. وحتى يصل من يريد أن يتصدى لهذه الظاهرة إلى استنتاجات صحيحة ومعالاجات موضوعية، عليه أن يرى الحقائق التالية بموضوعية ووضوح:
- أولا، هذه ظاهرة ليست بجديدة فتاريخيا يصوت نسبة ليست بالقليلة من أبناء الأقلية الفلسطينية للأحزاب الصهيونية، تزداد هذه النسبة احيانا كما في عام 2006، حيث وصلت إلى 26% من عدد المشاركين الفلسطينيين، أو تنخفض إلى 16% منهم كما في العام 2009، وهذه اقل نسبة من المشاركين الفلسطينيين في ال 15 سنة الأخيرة.
- ثانيا، يجب أن نعترف أن هذه النسبة من التصويت للأحزاب الصهيونية مؤشر على عودة الأحزاب الصهيونية للشارع العربي بقوة مرة أخرى، كما يشير الى مقدرة هذه الاحزاب على تقديم بعض الخدمات الحياتية للاقلية الفلسطينية هناك، وتساهم في حل مشاكلها، مما يعمق من حالة التشابك في المصالح الحياتية فيما بينهما.
- ثالثا، ثلث هذه الاصوات ذهبت باتجاه الاحزاب الصهيونية اليسارية ميرتس والعمل (35 ألف، 5 آلاف صوت على التوالي)، حيث يرى البعض أن هذه الاحزاب هي الأقدر في الدفاع عن مصالح الناس الحياتية وعن قيم الليبرالية وسيادة القانون والوقوف ضد اليمين المتطرف، الجديد والقديم.
- رابعا، من الخطورة بمكان أن نطلق الأوصاف غير الوطنية على من يصوت للاحزاب الصهيونية، لان الوطنية لا يمكن اختزالها في هذا المؤشر الوحيد. ان استمرار بقاء وتواجد هذه الجماهير وصمودها على أرضها وتطوير وجودها الحياتي وفاعليتها وتغلغلها داخل مؤسسات الدولة بجدارة يدلل بما لا يدعو للشك على وطنية هذه الجماهير وتمسكها بأرضها.
خامسا، علينا أن نعترف أن استمرار وجود دولة إسرائيل لسنوات طويلة يفرض على الأقليات، بما فيها الأقلية الفلسطينية، الاندماج في مجتمع ومؤسسات هذه الدولة، ويخلق شعورا عند بعض قطاعات المجتمع الفلسطيني هناك بتقاطع مصالحهم ووجودهم الحياتي مع وجود مؤسسات هذه الدولة، ويكون الشاغل الوحيد لهم هو الهم الحياتي اليومي، ولا يلتفتوا كثيرا الى الهموم السياسية والوطنية، كما أنهم غير منتبهين أو حتى غير واعيين لخطورة التوجهات اليمينية الجديدة داخل المجتمع والدولة، وما تمثله من خطر داهم على وجودهم الطبيعي وبقائهم على أرضهم ومصالحهم الحياتية المشروعة.
ان المستوى الحياتي والديمقراطي الذي يعيشه الفلسطينيون تحت حكم دولة إسرائيل، مقارنة مع ما يعيشه العرب في الدول المجاورة والفلسطينيون في مناطق السلطة، يعطي الأفضلية دون أي نقاش لمستوى الحياة المدنية والقيم الليبرالية والحريات والديمقراطية وسيادة القانون في دولة إسرائيل عن ماهو معروف وسائد، من حروب واقتتال وفقر وقمع وتخلف في الدول المجاورة، هذا للاسف أو بدون أسف، هو الحقيقة.
ان تفتت القائمة المشتركة والتدخلات الخارجية وعدم وجود بديل يستطيع التعبير والدفاع عن الناس ومصالحهم في ظل حكم اليمين وأساليب التخويف التي يتبعها ضد أبناء الأقلية الفلسطينية، وانعدام وجود دول نموذجية في المنطقة يدفع كثير من أبناء الأقلية الفلسطينية لتوخي السلامة والبعد عن السياسة والانحياز إلى مصالحهم الحياتية، لذلك لا يرى الكثير منهم أي غضاضة في التصويت للاحزاب الصهيونية التي توفر لهم هذا المستوى من الحياة الاقتصادية والاجتماعية.
ان معرفة هذه الحقائق، بواقعية وموضوعية، لا يهدف الى تبرير او قبول ما حصل أو التقليل من خطورته. ان من يريد تغيير توجهات الناس ويقودها باتجاه حقوقها الوطنية والسياسية عليه أن يفهم الواقع بكل ما فيه من مرارة وصعوبات وتعقيدات، كما يجب أن يعمل بكل السبل للدفاع عن مصالح الناس الحياتية لانها المدخل الموضوعي للدفاع عن مصالحهم السياسية والوطنية.
ان واحدا من الأخطار الذي يتهدد القوى السياسية، بعيدا عن خطر ما يخطط له اليمين من محاولة نزع الحقوق السياسية والوطنية عن الأقلية الفلسطينية، وخطر تعمق التدخل الخارجي الممول في شؤون هذه الأقلية ومأسسته، هو خطر الوقوع في درك المناكفة وتحميل الآخر المسؤولية والهروب من مواجهة الحقائق وفقدان البوصلة.
ان هذا درس هام للجميع، خاصة للمطالبين بمقاطعة الانتخابات الاسرائيلية.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق